كان أحد سجناء لويس الرّابع عشر محكوماً عليه بالإعدام ، ومسجوناً في جناح قلعة مطلّة على جبل .

لم يبق على موعد إعدام السّجين سوى ليلة واحدة ..

ويروى عن لويس الرّابع عشر ابتكاره لحيل وتصرّفات غريبة ...

وفي تلك اللّيلة فوجئ السّجين وهو في أشدّ حالات اليأس بباب الزّنزانة يُفتح ولويس يدخل عليه مع حرسه ليقول له : " أعرف أنّ موعد إعدامك غداً لكنّني سأعطيك فرصة إن نجحتَ في استغلالها فبإمكانك أن تنجو... هناك مخرج موجود في جناحك بدون حراسة فإن تمكّنت من العثور عليه يمكنك عن طريقه الخروج وان لم تتمكّن فإنّ الحرّاس سيأتون غداً مع شروق الشّمس لأخذك لحكم الإعدام .

أرجو أن تكون محظوظاً بما فيه الكفاية لتعرف هذا المخرج "

وبعد أخذ وردّ تأكّد السّجين من جديّة الإمبراطور وأنّه لا يقول ذلك على سبيل المزاح والسّخرية منه ...

غادر الحرّاس الزّنزانة مع الإمبراطور بعد أن فكّوا سلاسل السّجين وتركوه كي لا يضيع عليه الوقت ..

جلس السّجين مذهولاً فهو يعرف أنّ الإمبراطور صادق ويعرف عن لجوئه لمثل هذه الابتكارات في قضايا وحالات مماثلة .

ولمّا لم يكن لديه خيار قرّر أنّه لن ييأس من المحاولة .

وبدأت المحاولات وبدأ يفتّش في الجناح الّذي سُجن فيه ؛ والّذي يحتوي على عدّة غرف وزوايا .

ولاح الأمل للسّجين عندما اكتشف غطاء فتحة مغطّاة بسجّادة بالية على الأرض ، وما أن فتحها حتّى وجدها تؤدّي إلى سلّم ينزل إلى سرداب سفليّ ويليه درج آخر يصعد مرّة أخرى وبعده درج آخر يؤدّي إلى درج آخر .

ظلّ يصعد ثمّ يصعد إلى أن بدأ يحسّ بتسلّل نسيم الهواء الخارجيّ ممّا بثّ في نفسه الأمل ؛ ولكنّ الدّرج لم ينته ..

استمرّ يصعد.. ويصعد و يصعد .. إلى أن وجد نفسه في النّهاية وصل إلى برج القلعة الشّاهق حيث لا يكاد يرى الأرض .

بقي حائراً لفترة طويلة فلم يجد أنّ هناك أيّ فرصه ليستفيد منها للهرب ، وعاد أدراجه حزيناً منهكاً .

ألقى نفسه في أوّل بقعة يصل إليها في جناحه حائراً لكنّه كان واثقاً أنّ الإمبراطور لم يكن يخدعه .

وبينما كان ملقًى على الأرض مهموماً ومنهكاً ، يضرب بقدمه الحائط غاضباً ؛ إذا به يحسّ بالحجر الّذي يضع عليه قدمه يتزحزح .

قفز وبدأ يختبر الحجر ، فوجد بالإمكان تحريكه ، وما أن أزاحه حتّى وجد سرداباً ضيّقاً لا يكاد يتّسع للزّحف .

بدأ يزحف .. ومع استمراره بالزّحف بدأ يسمع صوت خرير مياه ، وأحسّ بالأمل لعلمه أنّ القلعة تطلّ على نهر ، بل وجد نافذة مغلقة بالحديد أمكنه أن يرى النّهر من خلالها.

استمرّت محاولاته بالزّحف إلى أن وجد أنّ هذا السّرداب ينتهي بنهاية مغلقه .

عاد يختبر كلّ حجر وبقعة فيه ، ربما كان فيه مفتاح حجر آخر لكنّ كلّ محاولاته ضاعت سدًى واللّيل يمضى ولكنّه استمرّ يحاول ويفتّش..... في كلّ مرّة يكتشف أملاً جديداً .

فمرّة ينتهي إلى نافذة حديديّة وممرّها إلى سرداب طويل ذو تعرّجات لا نهاية لها ليجد أنّ السّرداب يعيده إلى نفس الزّنزانة .

وهكذا ظلّ طوال اللّيل يلهث في محاولات ، وبوادر أمل تلوح له مرّة من هنا ومرّة من هناك ، وكلّها توحي له بالأمل في أوّل الأمر ؛ لكنّها في النّهاية تبوء بالفشل ، وتزيد من إحباطه ويأسه .

وأخيراً انقضت ليلة السّجين كلّها ، ولاحت له الشّمس من وراء النّافذة وهي تطلع بينما هو ملقًى على أرض السّجن في غاية الإنهاك ، فاقد الأمل من محاولاته اليائسة .

أيقن أنّ مهلته انتهت ، وأنّه فشل في استغلال الفرصة .

بدا وجه الإمبراطور يطلّ عليه من الباب ويقول له : أراك لازلت هنا ؟!قال السّجين : كنت أتوقّع أنّك كنت صادقاً معي أيّها الإمبراطور.

قال له الإمبراطور : لقد كنت صادقاً .

قال السّجين : لم أترك بقعة في الجناح لم أحاول فيها ، فأين المخرج الّذي أخبرتني عنه .

قال له الإمبراطور : لقد كان باب الزّنزانة مفتوحاً !!!!

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

لماذا دائماً نفكّر بالطّرق الصّعبة قبل أن نبدأ بالطّرق السّهلة ؟

لماذا نتصوّر أنّنا لا ننجح إلّا بأصعب الوسائل مع أنّها قد تكون سبباً لفشلنا ؟

ألا يمكن أن ننجح بطريقة سهلة مريحة مشروعة في بعض الأحيان ؟

علينا دائماً أن نبحث عن أبسط الحلول لمشاكلنا قبل الانتقال إلى ما هو أصعب . والله تعالى يقول :

(( يريد اللـه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))