استراتيجية الُمكرِّر و فوائدها
أرادت جمعية مكونة من مجموعة من شركات الأبحاث والتصنيع الترويج لفوائد تكنولوجيا الـــ REFID (أو كشف الترددات اللاسلكية) ، لذا دعت إلى عقد مؤتمر صحفي. وقد حضر المؤتمر مجموعة صغيرة من المراسلين الصحفيين- جاء أغلبهم لتناول الشطائر- والذين شعروا بالغباء أمام الحقائق التي قدمها المهندسون بأسلوب فني للغاية. حاول منظم اللقاء أن يشرح لهم فائدة هذه التكنولوجيا- في المواصلات، والتعليم، والبيع بالتجزئة، وأنها في الواقع هي مفيدة في كل المجالات. غير أن إضافة هذه التكنولوجيا إلى المنتجات والحيوانات وحتى البشر لمتابعة تحركاتهم بدا نوعًا من التطفل. وقد خلص المراسلون في النهاية إلى أن هذه التكنولوجيا تبدو مشابهة إلى حد كبير لفكرة رواية (Big Brother) د "جورج أورويل".
المشكلة: حلل المكرر المعلومات بطريقة لم يرَ الحضور معها سوى الجوانب السلبية لهذه التكنولوجيا. وبالتعمق معهم أكثر من اللازم في تطبيقات محددة - رأى المكرر أنها عصرية - أضاع على نفسه فرصة أفضل لمعاونتهم على رؤية المساعدة التي يمكن لهذه التكنولوجيا تقديمها للإنسانية بتحديد مصادر الأطعمة مثلا وضمان سلامة الحيوانات وتتبع الملكيات... إلخ. فهو لم يرسم لهم سوى صور سلبية عن الطريقة التي قد يستخدم بها "العلماء المجانين" هذا الابتكار بدلا من حثهم على تخيل الجوانب التي قد تساعدهم هذه التكنولوجيا فيها.
كيف كان يفترض به تطبيق هذه الاستراتيجية؟ لوكان منظم اللقاء قد قدو لهم أمثلة عن كيفية استخدام هذه التكنولوجيا في المواصلات (من خلال تركيب أجهزة إلى إرسال واستقبال على الطرق السريعة)، وفي التعليم (بإحلالها محل شريد الرموز على كتب المكتبة)، وفي مجال البيع بالتجزئة (إدارة سلسلة الإمداد)، وهكذا، لم تكن هذه التكنولوجيا لتبدو أمامهم موفرة للوقت فحسب، بل كانت لتبدو أيضا عملية وغير مؤذية. وشرح الطريقة التي يمكن للناس حماية حيواناتهم بها، وحماية موارد الغذاء في العالم، وحتى ضمان صرف الأدوية بالشكل السليم كان سيأخذ هذه التكنولوجيا إلى الخطوة التالية، مع السماح للجميع في نفس الوقت بتخيل تطبيقات جديدة وايجابية قد يكون هو نفسه لم يفكر فيها قط.
استراتيجية اللؤلؤة
توضح هذه المحادثة كلًّا من النجاح والتعثر عند تطبيق استراتيجية اللؤلؤة. تحب إحدى صديقاتي الاستماع إلى الكتب المسموعة بدلا من مراقبة الطريق أثناء القيادة، وكانت قد أنهت لتوها إحدى أسطوانات كتاب (Don't Know Much about Universe) للكاتب "كينيث سي. ديفيس" (بالمناسبة... يستغرق هذا أقل من ساعتين) ، لذا قررت صديقتي في إحدى الحفلات أن تبدو أمام الحضور باعتبارها عالمة فلك. لقد كانت تعلم أن الحضور أذكياء وحاصلون على مستوى راق من التعليم، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كان أحدهم يتمتع بخلفية عن هذا الموضوع أم لا.
لقد كان عليها أولا أن تنتقل بالحديث إلى علم الفلك؛ حيث إن المسارات المؤدية إلى أي موضوع عددها لا ينتهي، ونحن نوجه المحادثات طوال الوقت إذا كانت قصة طريفة لنرويها أو عندما نرغب في ذكر اسم شخص ما مشهور ليعلم الآخرون أننا نعرفه. عادة لا يحتاج الأمر إلى الكثير من البراعة، بل تكفى عبارة بسيطة على غرار "هذا يذكرني ب...". وفي هذا الموقف، كان يمكن لمسار الحديث أن يكون المسار الحديث أن يكون لأي شيء بدءًا من مرجع شهير وهبوط مكوك ما وانتهاء بالحديث عن الدين في أمريكا (يعود الفضل في حركة الإصلاح الديني إلى "مارتن لوثر كينج" الذي قام بتأسيس هذه الحركة، كما كان معاصرا لرجل آخر كرس جهوده للإصلاح الديني وهو عالم الفلك "كوبرنيكوس"...) في هذا التجمع بدأ الناس من حول صديقتي يتحدثون عن جراحات التجميل. وبعد اعترافها بأنها خضعت لجراحة في أنفها، أشارت إلى أغرب عملية جراحية في الأنف على الإطلاق: "تيكوبراهى" الذي وضع مكان جزء من أنفه- فقده في مبارزة - قصبة أنفية من الذهب والفضة. بعد ذلك سارت المحادثة بشكل مقارب للتالي:
باري: |
من "تيكو براهي؟" |
ديفيد: |
هو الشخص الذي أثبت أن "كوبر نيكوس" كان على الصواب. |
ميليسا: |
نعم، وفي فترة الخلاف بينهما قام بابتكار أدوات لمراقبة النجوم والكواكب. |
ديفيد: |
أنا أعتبره بشكل عام عالم رياضيات- أعتقد أن أول مرة سمعت عنه فيها كانت في محاضرة للرياضيات بالكلية- لنه اشتهر اكثر بالطريقة التي طبق بها الرياضيات على علم الفلك. |
باري: |
متى كان هذا؟ |
ميليسا: |
لقد عاش تقريبا في نفس عصر "شكسبير". |
ديفيد: |
أووه، لقد تذكرت الآن. كان "جوناس كيبلر" هو وريثه، وكان هذا غريبا لأن "ككيبلر" متزمت وملتزم للغاية، بينما كان "تيكو براهي" يطرد من المكان تلو الآخر بشكل مستمر. |
ميليسا: |
كانت علاقتهما من أغرب العلاقات على الإطلاق. |
مع استمرار "ديفيد" في تذكر الإنجازات غير العادية لـــ "تيكو"، لم يكن بوسع "ميليسا" القيام بأي شيء سوى التأكيد على كلامه مع تعليقات عن شخصيته المرحة- لأن هذا كان الشيء الوحيد الذي استخلصته من الاستماع إلى الأسطوانة. ولكن عندما انحرفت المحادثة إلى اتجاه آخر، علق "ديفيد" قائلا: "لم أكن أعلم أنك تدرسين علم الفلك!".
ومع شعورها بالانتصار في لعبتها الصغيرة، حاولت الذهاب إلى مدى أبعد من ذلك قليلاً. ولكن لم تضع "ميليسا" في اعتبارها أنك إذا امتلكت مادة تستغرق 30دقيقة في عرضها وعرضتها في 32دقيقة، سيبدو شيء مما تقوله مجرد ثرثرة فارغة. فقد طرح عليها أحد الحضور سؤالا يبدو بديهيا وهي تلتقط أنفاسها: "إن اسم "كيبلر" له ثقله وهو أكثر شهرة من "براهى". هل نسب لنفسه الفضل في الإنجازات التي حققها الأخير؟". وعندئذ لم ترد سوى بصمت محرج، وهكذا تراجعت مصداقيتها قليلا.
المشكلة: كما ذكرت في مقدمة النقاش عن الاستراتيجيات، فإن اللؤلؤة هي أكثر الاستراتيجيات تعقيدا. يكمن التحدي هنا في الحفاظ على الحديث في نفس مساره، مع دعم تراكم المعلومات. وفي هذه الحالة، لم تتمكن "ميليسا" من الاستمرار في تنسيق عملية جمع الحقائق المكملة بسبب مضيها في الثرثرة.
كيف كان يفترض بها تطبيق هذه الاستراتيجية؟ كان عليها التوقف عندما اتضح لها حصولها على قبول الحضور ثم تغيير موضوع الحديث. وكان يمكنها عندها توظيف البيانات التي من خلال هذه المحادثة لتغذي به استعدادا للمواجهة
القادمة. وكانت المعرفة الخالصة التي يمكنها جمعها في جلسة أخرى لمدة ساعتين ستضيف إليها الخبرة الكافية التي ستضمن استمرار "ديفيد" في التفكير فيها باعتبارها زميلة في الإعجاب بعلم الفلك
المفضلات