الاختلاف في تركيب العقل الإنساني
مبرمجون وقت الميلاد
اكتشفت بحوث علماء الأعصاب مدى دقة تركيب العقل الإنساني ساعة الولادة؛ فوجدت مثلًا أن:
- الشواذ جنسيًّا من الرجال لديهم جزء من أمخاخهم أصغر من الطبيعي. وهذا الجزء من المخ معروف أنه يلعب دورًا في الاختلافات بين الجنسين.
- كانت فلقة المخ الوسطى عند "آينشتاين" كبيرة وذات شكل مختلف، وفلقة المخ الوسطى هي الجزء المهم بالنسبة للذكاء المكاني والذكاء في التعامل مع الأرقام. وفي المقابل، فقد أوضحت الدراسات على أمخاخ من ثبتت إدانتهم بالقتل أن القشرة الجبهية من أمخاخهم أصغر من الطبيعي- وهذه القشرة مسئولة عن اتخاذ القرارات والسيطرة على النوازع.
- أن التوائم المتماثلة الذين انفصل أحدهما عن الآخر منذ الميلاد لديهم مستويات ذكاء عامة متماثلة، ويتشابهون أيضًا في المهارات اللفظية والرياضية، بالإضافة إلى خصائص الشخصية مثل الانبساطية، أو الانطوائية، أو المقبولية، أو الرضا عن الحياة بوجه عام. والأكثر من ذلك أن لديهما نفس أوجه القصور في الشخصية والسلوكيات مثل المقامرة ومشاهدة التليفزيون. وهذا لا يعود إلى التطابق الوراثي بينهما فحسب، بل لأن تركيبة أمخاخهم (المنخفضات والثنيات وحجم أجزاء معينة في المخ) واحدة لديهما.
- أن الكثير من الحالات التي كان يُعتقد أنها نتيجة للبيئة وحدها اتضح الآن أن لها أسبابًا وراثية، ومن تلك الحالات: فصام الشخصية، والاكتئاب، والتوحد، وعسر القراءة، وأمراض الصداع النصفي، والعجز اللغوي. إن هذه الحالات وراثية، وليس من السهل التنبؤ بها من خلال العوامل البيئية.
- أن علماء النفس يستطيعون تصنيف الشخصيات وفقًا لخمسة أبعاد أساسية هي: الانبساط او الانطواء، والعصابية أو الاتزان، والانغلاق أو الانفتاح على الأشياء الجديدة، والمقبولية أو العدائية، ويقظة الضمير أو انعدام التوجه. وكل هذه الأبعاد الخمسة من الممكن أن تكون وراثية، مع العلم بأن 40- 50 % من شخصياتنا تحددها هذه التوجهات الموروثة.
ويعترف "بينكر" بخوفنا من أن يؤدي اعترافنا بأن الجينات تؤثر على عقولنا إلى اعتبار أن جيناتنا تحدد طرق تفكيرنا وسلوكياتنا. ومع ذلك، فإن الوراثة لا تعني إلا احتمال حدوث شيء معين، وليست عوامل إلزامية قهرية.

تعليقات ختامية
يقارن "بينكر" بين فكر اللوح الأبيض والنظرة للكون في زمن جاليليو عندما كان الناس يعتقدون أن الكون المادي يعتمد على إطار أخلاقي. وبالمثل، فإن الحساسيات الأخلاقية والسياسية المعاصرة تعني أن حقيقة علمية- وهي الأساس البيولوجي للطبيعة الإنسانية- قد تمت التضحية بها لصالح التوجهات الفكرية. إننا نخاف من أن تؤدي هذه الحقائق إلى "إذابة القيم"، وفقدان السيطرة على نوعية المجتمع الذي نحب أن نعيش فيه.
وفي رده على هذا التوجه، يقتبس "بينكر" جملة كتبها "تشيكوف" هي "سيصبح الإنسان أفضل عندما يوضح له أحدهما طبيعته الحقيقية". إن التزامنا بالحقائق عن طبائعنا وشخصياتنا- والتي يقدمها علم الأحياء، وعلم الوراثة، وعلم نفس التطور- وحده هو الكفيل بتقدمنا وتطورنا. وربما كانت هناك جوانب للطبيعة الإنسانية لا نريد الاعتراف بها، ومع ذلك فإن إنكارنا لها لا يبددها.
وكتاب اللوح الأبيض كتاب كبير الحجم دسم تستغرق قراءته وفهمه مدة من الوقت. إنه أشبه بجولة ذهنية، وقد يؤدي إلى تخلصك من بعض الأفكار التي تحتفي بها.