السطحية


السطحية .. ؟؟

السطحية هي صفة واسعة الإنتشار بين معظم الشعوب العربية وقليل جدا استطاع أن يهرب من هذا الداء، وعلى الرغم من وجود هذا العدد القليل إلا أنه لا يفي لإفاقة الحضارة العربية الإسلامية من جديد.


هذه الصفة لها أسباب أوجدتها في الأصل، وأهمها، التربية الخاطئة التي زرعت الفكر الإستهلاكي داخل عقول الشباب والتربية التي زرعت فكرة أن العمل شقاء وليس متعة خُلق الإنسان من أجلها حتى يعمر الأرض، وأن التفكير أيضا شقاء وعلى الإنسان أن يبحث عن الرفاهية التي تعفيه منه، وزاد على التربية التوجه الإعلامي للدول العربية والذي أصبح يسير وراء أهواء المتلقين ليتبنى نمط الجذب بما تريده الغرائز وليس الجذب بالحاجة التي تبني المجتمع. وعلى الرغم من أن كلاهما عنصر جذب،


ولكن الإختيار الثاني سيحتاج إلى مجهود إبداعي أكبر، وفي النهاية السهل هو الذي يكسب، بغض النظر عن أن الجذب الأول يهدم والجذب الثاني يبني، وهذا الإختيار في حد ذاته سطحية.



المشكلة الأكبر هي أن وسائل الإعلام أصبحت مفتوحة لتضم شبكة الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول الحديثة مما يمكِّن أي شخص عنده أحد هذه الأجهزة من التعبير عن أفكاره على سطحيتها وجذب المزيد من المنتمين لهذا الفكر بل والتأثير على من لم يحددوا هويتهم بعد فينتشروا ويتكاثروا وينكمش أمامهم أعداد المفكرين الحكماء.




الفكر السطحي :

هو فكر محدود بالشكل الظاهري للحدث دون التوغل في عمقه وأغواره والمعاني المترتبة عليه لإيجاد حل صحيح وبعيد النظر في التعامل معه. هو بمثابة الفشل في التوصل لفكر موضوعي أو حقيقي أو حتى مقارب للحقيقة عن حدث محدد يحدث في العالم من حولنا سواء على المستوى الشخصي كإدارة الزوج لمشاكل أسرته أو المدير لمشاكل إدارته على سبيل المثال صعودا إلى المستوى العام من فتن تحدث بين قوميات أو ديانات أو مذاهب أو أي جماعات من البشر لها إعتقادات مختلفة. الفكر السطحي هو رؤية من إتجاه واحد وغالبا ما يكون الأقصر والأسهل.




ولكن إذا كنا نعيش في عالم ملئ بالكذب والتحايل والمراوغة والتظاهر بما ليس له وجود؛ عالم الأهداف والدوافع الخفية، فكيف يطيب للمرء أن يرضى بأن يكون سطحيا؟ وهل فشل التربية في التعامل مع هذه المشكلة مبررا كافيا يجعل المرء يركن لها، أم عليه أن يطور عقله ليشق طريقه وسط متاهات الحياة بالقدرة العقلية التي تحتاجها؟ ولماذا لا يجتهد المرء ليعدل من قدراته ليتعامل مع المعطيات التي تحيطه بعمق أكثر؟ وهل ولد الإنسان بعلمه أم إكتسبه مع المرور الزمن؟ ولماذا يسعى لإكتساب المعرفة في مجالات تافهة ويتجاهل الخبرات التي تمكنه من حياة سوية؟




السمات التي تميز صاحب الفكر السطحي:

الفراغ أو عدم وجود نشاطات متنوعة أو هامة في الحياة (شخص يأكل وينام ويذهب إلى عمله وتلك هي الدائرة التي يدور فيها)، الإهتمام بصغائر الأمور، عدم القدرة على الإستماع للآخرين بإنصات مع كثرة المقاطعة والإنشغال بالدفاع عن النفس (وفي بعض الحالات يصبح الدفاع عدوانيا)، عدم القدرة على تحمل الإختلاف في الرأي.




أساليب الدفاع تختلف بالطبع من شخص لآخر لكن غالبية الناس الذين يعانون من سطحية التفكير يميلون إلى الدفاع عن النفس بالتعالي والإهانات وتحقير أو تسفيه الخصم أو سبه والخروج عن سياق موضوع الخلاف إلى إيذاء شخص الخصم.




هناك أسباب عديدة تجعل العقل يقف عند الشكل الظاهري للحدث والتفسير الواضح له ويعيقه عن الدخول وراء الكواليس


ولقد وجدت أن الصفات تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يتضمن صفات إنسحابية تجر الإنسان خارج حلبة الفكر لسبب ما؛ القسم الثاني يتضمن صفات عدوانية تدفع بصاحبها إلى الساحة الفكرية متبنيا رأي واحد بهدف قمع الآراء الأخرى.




هذه هي أسباب السطحية:



الصفات الإنسحابية :

قلة مصادر القراءة والعلم:

هذا السبب من أهم الأسباب التي تؤثر سلبيا على المجتمع من نواحي عديدة ومنها أن تؤدي إلى السطحية، لأن عمق الفكر يأتي بالمعرفة وبإدراك الرؤى ووجهات النظر والدراسات في مجالات مختلفة من الحياة مما ينبه العقل إلى إتجاهات أخرى من الممكن أن يسلكها الإنسان ليحلل الموقف الواحد.


الكسل:

الكسل عن التفكير لا ينفصل عن الكسل عن العمل والكسل عن مساعدة الآخرين والكسل عن كل شئ هي صفة تجعل صاحبها في قمة المتعة حين يجلس لا يفعل شئ لذا فهذه الصفة من أبسط أسباب السطحية.


الخوف:

الخوف ليس فقط هذا الشعور الذي نشعر به عندما نشاهد شيئا مخيفا ولكن أحيانا يختبئ الخوف داخل النفس فيعطلها أو يشلها عن التفكير خوفا من العواقب وذلك لترسخ مواقف قديمة في اللاشعور تجعل الإنسان يخشى تكرارها دون أن يعي بذلك، فيمنع نفسه تلقائيا من الخروج إلى الساحة الواسعة للأفكار والخيال خوفا من شئ ما لا يعرفه ولا يستطيع أن يواجه نفسه به إلا بإرادة قوية أو تدخل طبي.


الإعتمادية:

التكافل والترابط وتقديم المعونة وقبولها ليس عيبا بل هو ما حثنا عليه ديننا أما الإعتماد المرضي على الآخرين في كل شئ حتى في التفكير، يعطل العقل تماما عن عملية التفكير، فهو يريد شخصا ما أن يخرج عقله من رأسه ليضع فيه الأفكار ولن يمانع، فالمسألة لا تكمن في الرفض ولكن في أن تخرج المبادرة ثم المتابعة من شخص آخر ويكتفي الإنسان بأنه يجلس متلقيا سلبيا يفتح رأسه لمن يصله أولا.


الإحباط:

كثيرا ما يبدأ الإنسان في التفاعل مع بيئته والمحيطين به ويسلك دربا صحيحا وفجأة يتلقى صدمات تجره إلى القاع وكأن شيئا لم يكن. الشعور بالإحباط في نظري كأنك ربط حجرا ثقيلا جدا بإنسان وألقيته في عمق البحر، وهذا هو المجهود الذي يحتاجه الإنسان المحبط كي يتخلص من إحباطه ويفكر بشكل سوي. وقطع الحبل الذي يربطه بهذا الحجر الثقيل إنما يفعله الشعور بالحماس، وهذا الشعور يبدأ حين يصبح للإنسان هدف يحبه وينتظره وفي متناول يده. فعند وجود الهدف تتولد الأفكار ويتحمس لها الإنسان وتبدأ مشاعر الإحباط في التقلص أمام الهدف الكبير حتى تزول.






فقد الإهتمام:

إذا فقدت الإهتمام بشئ فإنك لن تفكر فيه أبدا وعند السؤال سترد بأول ما يتبادر في ذهنك، فهناك من تسأله عن مشكلة تواجهها ولكن لأنه ليس مهتما بك وبسؤالك يقول لك أي شئ ليصرفك، أما إذا سألت آخر وجدته يحاول معك ويمر بكل الحلول ويشجعك على إيجاد ما يناسبك ولو لم يكن يعرفه وربما مناقشته قد تساعدك على إيجاد الحل بنفسك. هذا بالنسبة للإهتمام بشئ ما. ولكن تخيل إنسان فقد إهتمامه بكل شئ إلا نفسه وغرائزه أو أطماعه ماذا ستجني منه؟



الصفات العدوانية :

تشترك هذه الصفات في أنها تجذب عينك لشئ واحد فلا ترى غيره مهما كان واضحا

التعصب: لما تتبناه / الطمع: لما تريده / الكبر والغرور: لنفسك


التعصب:

التعصب يلغي العالم بما فيه ولا يضع أمام عقلك إلا ما تتعصب من أجله لذا فإنه يلغي عملية التفكير السوي. وقد تكون الحقيقة واضحة لغالبية المحيطين وبشكل شديد المنطقية ولكن الإنسان المتعصب لا يدرك نهائيا أنه مثير للسخرية، أو أنه يضيع قضيته بهذا التشنج ... وما إلى ذلك، ولكنه لا يستطيع أن يُخرج نفسه من المنظار الضيق جدا الذي يرى به الأمور ليضع نفسه خارج المضمار وينظر لأفعاله بحيادية فيراها على حقيقتها. فالتعصب مرفوض في مجالات كثيرة، ألا يقولون أن الحب أعمى، أليست المذهبية تعصب، والمساندة الشرسة لفريق رياضي كذلك، حتى في العلم فإنك لن تستطيع أن تصبح عالما محترما لو تعصبت لنتائج محددة وأغفلت أن الحقيقة قد تخالف ما تُصر عليه، وفي القضاء، لو أن القاضي تعصب لأن شكل المتهم لا يعجبه فإنه سيغفل عن أي أدلة تبرئ المتهم وربما حكم عليه ظلما، وفي الحياة قد تقابل شخصيات وتتهمها بدون أدلة بسبب القيل والقال فتؤذي الناس بدون وجه حق.




الطمع:

أنت تريد شيئا بشدة فتلغي شراهتك لها عقلك وتبحث عن ما تريد بأي وسيلة حتى تستمتع بلحظة حصولك على ما تريد دون أن تستطيع أن تخطط بشكل سوي وعلى المدى الطويل. فهناك من يريد المال ويريد رغد العيش والمتعة ولكنه لا يبحث عنها من مصادرها الشرعية وبذلك قد كتب على نفسه ضياع حاجته حتى لو استطاع أن يفلت بها أياما قليلة، لأن الله هو الرزاق الذي يملك ويمنح، ومن غير المنطقي أن تعصيه لتحصل على ما لن تأخذه إلا منه، ولكن المنطقي أن تطيعه في كل شئ ولو كنت تحسب أن طاعته ضد مصلحتك بأن تمتنع عن مال حرام أو أن تتاجر بما يرضي الله وفيما يرضيه، فرضا الله ليس بالصلاة والصيام والحج بأموال الله أعلم بها من أين جاءت، ولكن عبادة الله التي ترضيه هي أن تحيا في كل لحظة بشرائعه وعلى طاعته وحبه تعمل بإحسان وتعطي كل ذي حق حقه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتساند الضعيف وترفع الظلم وهكذا يؤتيك الله بأجر الدنيا والآخرة.




الكبر والغرور:

هذه الصفات تجعل بؤرة إهتمام الإنسان بنفسه فقط حتى أنه يرى الناس صغارا بجانبه وكما قال الرسول : "الكبر بطر الحق وغمط الناس"، لذا فإن الكبر يجعلك سطحيا لا تستطيع أن تأخذ من الآخرين حتى ولو قالوا الحق لأنك ترى أنك أكبر من ذلك، لذا دائما ما تجد المتكبر والمغرور هو في الواقع أحط الناس لأن الإنسان يتعلم حتى يموت فكل يوم يأتي بجديد فإذا كبر في السن فأن مصدر المعلومات سيكون لمن أصغر منه في السن فإذا تكبر عن أخذ المعلومة منهم فسيصبح جاهلا بها وسينقص. فإذا إستطاع الإنسان أن يتحرر من قيود كبره ويأخذ من الناس على أي شكل فسيصبح أعلمهم ولكن بمجرد أن يقطع الشعر ما بين الثقة بالنفس والكبر فقد صار أحطهم.






وأسوأ الناس من تجتمع فيه بعض هذه الصفات أو كلها مجتمعة


وقد توصلت إلى أنه من الأفضل عدم مجادلة هؤلاء أو الدخول معهم في مهاترات لأن التدخل المباشر يجذبك إلى النزول للمستوى الردئ الذي يتحاورون به أو بالأحرى يتجادلون به وستضطر للإنسحاب إن آجلا أو عاجلا لأنك لن تستطيع أن تقنع إنسان لا يريد الإقتناع إنما تقنع بالمنطق من يستمع إليك ويفكر فيما تقول.



من يتصف بعمق الفكر أو الحكمة يجب أيضا أن يعرف متى يفكر ومتى يأخذ الموضوعات كما هي ومتى يمتنع عن التصريح بفكره ويتخذ حلولا وسطية درأَ للمفاسد.


أما علاج السطحية فهو بأن يواجه الإنسان نفسه بحقيقة ما يقيد حريته في التنقل من فكر إلى آخر مخالف له وعدم إستطاعته قبول الآخر ويبدأ في التعامل مع الصفات التي تعيقه الواحدة تلو الأخرى. فالإنسان الذي يتحلى بعمق الفكر أو الحكمة يستطيع أن يسمع من الجميع ولا ينفعل بما يسمعه بل يفكر فيما يقال ويضع نفسه مكان الآخر ليتعرف على الزاوية التي ينظر الآخر من خلالها فيكتشف المنطق الذي يمكن به إقناع من أمامه أو قد يكتشف أن رأيه كان فيه خطأ فيعدله.



كم من القضايا الحياة اليومية ليس فيها نعم أو لا وليس فيها خطأ وصواب ولكن بين طرفي النقيض الكثير والكثير من المساحات التي يمكن أن تجمعنا ببعض التسامح.