تكوين المفكر

تنمية الابداع


لابد من الإشارة هنا إلى أن الإبداع يظل عبارة عن إمكانية واستعداد كامن، وما لم يستغل الإنسان تلك الإمكانية، ويستثمر ذلك الاستعداد، فإنه سيجد له متسعا في مقابر الموهوبين الذين خرجوا من هذه الحياة دون أن يعرفوا عن مواهبهم، ودون أن يعرف العالم عنهم أي شيء.!

إن الإبداع ليس شيئا معقداً أوكبيراً على نحو مستمر، فقد تبدع امرأة في تنظيم أثاث بيتها، وقد يبدع رجل في إضفاء لمسة جمالية على علاقته بأحد أصدقائه، وقد يبدع محاضر في تقديم محاضرة مبهرة في موضوع من الموضوعات، وقد تبدع امرأة في تربية ابنتها اليتيمة، ويبدع معوق في التعامل مع إعاقته، وقد يبدع مكروب في التعامل مع كربه...

أنا أرى أن ننظر إلى الإبداع على أنه إبداع في موقف أو في وضعية، أو في حالة من الحالات، تماماً كما نظر بعض الأصوليين إلى مسألة الاجتهاد حين قرروا وجود (مجتهد المسألة) حيث إن العالم قد يتخصص في باب من أبواب العلم، فيملك فيه أدوات الاجتهاد والترجيح ويكون مقلداً في علم آخر لأنه لم يعطه من العناية والدرس والتأمل والتمحيص مايستحقه.

الإبداع هو المجيء بشيء غير مسبوق، والوصول إلى نتائج لم تكن معروفة من قبل، وصور الإبداع ومظاهره أكثر من أن تحصى- كما اشرنا- لكن مساراته الأساسية تتمثل في نقد الأفكار القديمة وتحليلها وفي تقديم أفكار حديثة وإضافة تفاصيل جديدة للمعلومات السابقة في أمر من الأمور، أو ما يمكن أن نسميه(توسيع مدى المعرفة)

التغلب على المعوقات أولاً:

1- ضعف الثقة بالنفس

إن ضعف الثقة بالنفس باب كبير من أبواب الشرور التي نفتحها على أنفسنا لأن الذي لا يثق بقدراته ومواهبه يحجم عن تحمل المسؤوليات، ويخشى من القيام بأي مبادرة أو مخاطرة، ولهذا فإنه يفضل أن يبقى في الظل وفي المقاعد الخلفية...ضعف الثقة بالنفس يجعل المرء يبتعد عن تجريب أي شيء جديد وذلك، خوفاً من الإخفاق ولوم الرؤساء والزملاء وشماتة الأعداء.. ومصدر ضعف الثقة بالنفس قد يكون التجارب الفاشلة التي خاضها الإنسان في حياته

الخبر السار في هذا الشأن هو ما كان مدركاً من قبل لدى كثير من الناس، لكن لم يكن مبلوراً و واضحاً بالقدر الكافي، وهو ما انطوت عليه نظرية (الذكاءات المتعددة) والتي نشرها (هوارد جاردن) في كتابه (أطر العقل) منذ نحو ربع قرن من الآن، وقد كان الرجل يعتقد أن الإنسان يمتلك سبعة أنواع من الذكاءات، ثم أجرى عليها بعض التعديلات ليصل بها إلى تسعة أو عشرة، ومن تلك الذكاءات:

-الذكاء اللغوي، ويعني حساسية المرء نحو اللغة والقدرة العالية على تعلمها واستخدامها...

-الذكاء المنطقي الرياضي ويعني امتلاك القدرة على تحليل المشكلات منطقياً وتنفيذ العمليات الرياضية، كما يعني القدرة على اكتشاف الأنماط والاستنتاج والتفكير المنطقي.

-الذكاء الاجتماعي، وهو يعني القدرة على فهم الآخرين ومعرفة رغباتهم، مما يعني العمل معهم بكفاءة عالية والتأثير فيهم.

الذكاء الشخصي الذاتي الذي يمكن صاحبه من فهم ذاته وفهم مشاعره ومخاوفه ودوافعه الشخصية.

-الذكاء العاطفي والذي يعني إدارة العواطف المختلفة وتوجيهها والتحرر من إغوائها...

الرسالة التي تبعث بها إلينا هذه النظرية هي: لدى كل واحد منا فرصة لأن يبدع في مجال من المجالات فالمحرومون من كل أنواع الذكاء قليلون جداً، والذين فازوا بكل أنواعه أيضاً قليلون جداً.

2- الإسراع في تقبل الأفكار:

هذاعائق كبير من عوائق الإبداع حيث إن معظم الناس لايميلون إلى بذل الجهد في استقصاء الإمكانات أو اختبار البدائل، ومن ثم فإنهم يتخلصون من عناء التفكير بقبول أي طريقة يجدونها، أو أول حل يعثرون عليه مع أن من الثابت أن الأفكار العظيمة تأتي متأخرة عادة بعد أن نكون قد عصرنا أدمغتنا، عصراً، إن الفكرة البديعة لا تكون في الغالب عبارة عن ومضة ذهنية خلابة، وإنما تكون أشبه بنبتة عزيزة تحتاج إلى سقاية ورعاية وحماية حتى تشتد ويكتمل نموها، وإذا رجع الواحد منا إلى القرارات الخاطئة في حياته، فسوف يجد أن كثيراً منها كان بسبب العجلة وعدم التروي وقلة الصبر على البحث عن بدائل أخرى.

كثيرون منا يسوغون ما لديهم من عجلة بضيق الوقت وتسارع وتيرة الحياة، وهذا في الحقيقة ليس عذراً، فالإنجازات الكبرى في تاريخ البشرية مدينة للعمل الدؤوب مدة طويلة من الزمن.

الدكتور عبد الكريم بكار