نُصاب أحياناً بفتور في الهمة ونقصان في الدافعية لإنجاز أمر ما بسبب مفاهيمنا الخاطئة عن النجاح والإنجاز، والتي غالباً ما نتخيلها محصورة في عمالقة نظن أنهم يمتلكون قدرات خارقة تدعم نجاحاتهم, وحقيقة الأمر تنطوي على غير ذلك، فترتيب الأولويات في الحياة: أسرية كانت أم اجتماعية أم عملية هي الفاصل الذي يميّز الناجح من الفاشل, ويثبِت مدى مرونة الذات في تطويع المهام حسبما تقتضيه الأهداف وبوقت مجدول لكل مهمة وفق ترتيب الأهم فالمهم.

إنه من غير المعقول أن تقضي ربة المنزل وقتاً كبيراً في الزيارات أو الخروج من البيت أو قراءة الكتب أو تصفح الإنترنت وبيتها يعجّ بالغبار وتتراكم عليها الواجبات المنزلية البحتة التي لم تُؤدَّ بعد, وحوْلها صغار فاغري الأفواه ينتظرون لقمة تسدّ الجوع أو ربما لمسة حانية تسدّ الجوع العاطفي. كما أنه ليس معقولاً أن يتطوع فلان من الناس بخدماته في مكان ما، ويترُك أهل بيته لا يجدون من يلبي حاجاتهم الأساسية, وربما همّش مسؤولياته، وأعَدّ قائمة بأعذارٍ لا يقبلها عاقل ليتنصل مما يُطلَب منه من مهام لا يمكن أن يقوم بها إلاّ هو, لتغدو الحياة حلبة صراع ما بين طلب حق وسيادة ديكتاتورية وإرغام الجميع على العيش على هامش الحقوق, والأمثلة على التخبط في تنظيم الأولويات كثيرة.

حقوق وأولويات لذا وجب على أفراد الأسرة بدءًا من الأب والأم ومروراً بالأبناء أن يحسنوا ترتيب الأولويات، خصوصاً في مجال إعطاء الحقوق, وعدم تطبيق ذلك نذير بضياع المسؤولية شيئاَ فشيئاً حتى تصبح الحياة في البيت فوضوية، لا يحكمها ترتيب، ولا تضحية، ولا تنسيق في الأدوار، ويبدأ التأثير على نظام البيت، ثم ينقُل كل فرد خبرته الفوضوية في ترتيب مهامه إلى دراسته وعمله وبيته مستقبلاً. عليك قبل كل شيء تدوين كل الأشياء سواءً رأيت ذلك مهماً أو غير مهم بالنظر لاعتبارين: أهمية العمل والوقت المتاح للإنجاز، فتكون المهام على الترتيب الآتي:

1- مهم وعاجل 2- مهم وغير عاجل 3- غير مهم ولكنه عاجل 4- غير مهم وغير عاجل إن تقديم
ما هو عاجل وغير مهم على ما هو مهم وغير عاجل يعطِّل الإنجاز، ويمثل ضغطاً نفسياً، وبالتالي يؤثر على جودة الإنتاج. كيف نرتِّب أولوياتنا؟ إن أساس النجاح هو وضوح الأهداف، وذلك يعني أنْ نحمِل رسالة لابد أن تصِل, والرسالة تُؤدَّى عن طريق أداء المهام والحقوق والواجبات، ومن الأهمية أن نفطن لأهمية المقارنة بين الأولويات وأيهما يسبق الآخر، إن تشابكت مهمتان في وقت واحد, كما يجب أن نكون قادرين على الاختيار حين نتساءل في داخلنا: هل هذه المهمة تلزم أن أقدّمها قبل المهمة التي يُفترَض مني إنجازها خلال وقتٍ ما؟ فالإدارة الذاتية في ذلك جسر إلى النجاح، وإذا شعرت يوماً أن دخول مهمة طارئة على جدولك يربك إنتاجك فيجب إعادة النظر في برمجة الذات وترويضها لمواجهة مثل هذه الأمور.

ومن الأمور المعينة على تنظيم الأولويات إدراك ما لِتنظيم الوقت من أهمية في تسهيل المهمات وجدولتها بشكل مرِن يقبل تعديلاً طارئاً في المستقبل, فالتشنج والمثالية المفرِطة في حساب الوقت يعيق بدلاً من أن ينظِّم, ومن الخطأ أن نتوقع من الناجحين صرامة في جدولة المهام، وكذلك فالمرونة الزائدة لا تحقق تقدماً بقدر ما تشتت التركيز وتخلط أوراق الأهداف, ولذا فنحن نحتاج فقط لإدارة ذاتية موزونة ووسطية في هذه المرونة. تدوين المهام يُعدّ تدوين المهام وكل ما يتعلق بها أمراً مهماً للإلمام بكل ما يعِين على التقدم, والتقنية تخدمنا كثيراً، وقد لا نفطن لذلك ونهمِّش فاعلية تقنية نحملها ليل نهار, فاستخدام برامج المواعيد وتدوين المهام في الهاتف المحمول أو في الحاسب الشخصي يسهل اقتناص فرص التفوق.

إن النجاح والإنجاز لا يُقاسان فقط بحجم المهام المُنجَزة، ولكن الأهم هو حجم الأثر الإيجابي لهذه المهمة عليك وعلى المحيطين، فقد تنجح في إنجاز مهام ثانوية على حساب مهام لها أولويّة في التنفيذ، غيرَ أن حجم التأثير ربما لا يمثل قيمة إيجابية عالية، ما يجعل العمل ركيكاً. الذكاء أيضاً له دوره في ترتيب الواجبات الملقاة على عاتقك، ويعني ذلك أن تعطي الجهد الأكبر لما له الأولوية كمن تَدْرُس وترعى بيتاً وزوجاً وأطفالاً بالتوازي، فعليها أداء الواجبات وإعطاء كل ذي حق حقه بدون إضرار لا بنفسها ولا بحق الآخرين من حولها؛ فليس من الإنصاف إهلاك النفس أو الإفراط في حق دون آخر، ولا تهميش دور على حساب آخر له أولوية كبرى.

روافد النجاح وعلى سبيل المثال, فالاستقرار الأسري ثمرة إعطاء الأفراد حقوقهم، وهو ما يستوجب أن يكون ذهنك حاضراً ودافعيتك عالية للإنجاز, كي لا تطغى ظروف العمل أو الدراسة على حقوق لها أولوية متقدمة؛ فالنجاح الثانوي لا يُحسب في الحياة ولا يُعتدّ به إذا ما كان الأساس متهالكاً، بسبب الفشل في تنظيم الأولويات. فمن روافد النجاح في تنظيم الواجبات أن تُؤدِّي مهماتك من خلال دافعك الداخلي نحو تحقيق الإيجابية في جميع مجالات حياتك ووضع حاجب بينك وبين من يعيق تقدمك بالسخرية والاستهزاء من مقدرتك على الإنجاز والتقدم, والاستماع بإنصات إلى كل نصيحة تسدّد إليك وطلب مشورة من يوثق برأيهم لتقويم تقدمك وتقييم أدائك. لعله من الجميل أن نتحدث مع أشخاص ناجحين لنتعرف على إستراتيجياتهم في ترتيب الأولويات، وكيف نجحوا في أداء مهامِهم لنحصل على خطوات عملية وأفكار واقعية تساهِم في إعداد خططنا وتحقيق أهدافنا، ولنتذكر دائماً ضرورة البحث عما يدعم تقدمنا، ولا نقف أمام العقبات مكتوفي الأيدي؛ فكل فرد منا يحتاج لما يدعم نقاط قوته ويردم ثغرات ضعفه.


المصدر : الأسرة السعيدة