الأمريكيون يصوتون بالعاطفة
كان " جون كينيدي" قائداً سياسيََّا عرف كيف يخلق اتصالاً عاطفيًّا بينه وبين الناس. فقبل أسابيع من المناظرات التليفزيونية كان " كينيدي" متخلفاً عن " نيكسون" ب 47٪ مقابل 53٪ ومع حلول يوم الانتخابات، كان " كينيدي" قد لحق بصاحبه بل تخطاه في استطلاعات الرأي. ويرجع المؤرخون فوز " كينيدي" الصعب في عام 1960 إلى المناظرات المذاعة على شاشات التليفزيون- وهو الري الذي اتفق معه " كينيدي" نفسه، فيقول: " لقد كان التليفزيون، ولا شيء سواه، هو الذي أحدث الفارق" . لقد اتفق بشكل عام على أن " نيكسون" قد فاز بالمناظرات المذاعة عبر الراديو (كما هو الحال مع " موندال" و " دوكاكس" ) . كان هو الفائر استناداً لحساب النقاط خلال المناظرات, لكن " كينيدي" حقق فوزاً كاسحاً بين مشاهدي التليفزيون
1
حين وصل " نيكسون" إلى الاستديو التليفزيوني بشيكاغو للمشاركة في المناظرة الأولى, كان منهملكاً وذابلاً من أنشطة حملته الانتخابية المكثفة, بالإضافة إلى إصابة في ركبته لم يتعاف منها بشكل كامل. وكان قد فقد من وزنه حوالى تسعة كيلوجرامات ولم يكن في حالة بدنية جيدة إضافة إلى أنه قد اعتصر ذهنه طول خمس ساعات في الإعداد لإجابات عن الأسئلة المحتملة.
وخلال المناظرة, تعرق بشدة تحت أضواء الاستوديو فظهرت علامات شاحبة اللون من أثر مكياج وجهه الذى وضعه لإخفاء آثار الإجهاد الذى بدا على خديه. ورغم أن ردود " نيكسون" كانت مقنعة, وإداركه للأحداث والتفاصيل كان جديراً بالثقة والقبول, فإن كل ما تذكره مشاهدوه من المناظرة هو أنهم شاهدوا مرشحاً يتعرق بسبب الضغط, وعيناه تجولان تائهتين حين يوجه إليه السؤال؛ مما ترك انطباعاً بفقدانه الثقة والاتزان.
في المناظرات التي تخللت الحملة الانتخابية, حاول : " نيكسون" أن يلعب على وتر الحقائق والسجلات والإحصاءات. يقول أحد المؤرخين: " لطالما حاول " نيكسون" التركيز على تفوقه على " كينيدي" فيما يتعلق بالخبرة, معبراً عن ذلك بإحصاءات؛ فقد التقى " أيزنهاور" 173 مرة, واجتمع بمجلس الأمن القومي 217 مرة ترأس منها 36 اجتماعاً, وحضر 163 اجتماعاً لمجلس رئاسة الوزراء, وترأس منها ما يزيد على 19 اجتماعاً. وزار 54 دولة, وأجرى خلالها مناقشات موسعة مع 35 رئيسا, وتسعة رؤساء وزراء واثنين من الأباطرة وشاه إيران" .2
الإحصاءات باردة ومملة, وكذلك كان " نيكسون" كما قرر الناخبون. وأمريكا تحتاج إلى التواصل من الناحية العاطفية مع قائدها, وهو ما سعد " جون كينيدي" بالقيام به.
لقد وصل " كينيدي" إلى مقر المناظرة في حالة من الهدوء والثقة والحيوية. وعلى عكس شحوب وجه " نيكسون" من أثر مكياج الوجه, كان " كينيدي" قد اكتسى صبغة شمسية بعد جولة انتخابية له في كاليفورنيا. على شاشة التليفزيون كان " كينيدي" مفعماً بالحيوية وبكامل اتزانه. وبينما ظهرت العصبية والتوتر على " نيكسون" , كان " كينيدي" يتواصل بطريقة تلقائية وهادئة, وهو ما رآه الناخبون الذين أرهقتهم الحرب الباردة أمراً معيداً للثقة والاطمئنان بالنسبة لهم.
المفضلات