تعلم كيف تتحدث أمام الأخرين
تعلم كيفية التحدث

كنا في بداية فترة الظهيرة – وعلمت من النقاشات الحماسية الدائرة حول طاولة الغداء أن المفوضين بدأوا بالفعل في تطبيق ما تعلموه من الجلسة الصباحية على حياتهم الخاصة. كانت الحوارات يتخللها الضحك وبدا لي أن المجموعة بدأت تترابط – هذا الشعور الذي أقر به المفوضون أنفسهم فيما بعد. ولكنني كنت سعيدة حقًّا حينما قال "بيت" :"حسنًا أيها الرفاق، لقد انتهينا من الغداء – دعونا نعد للغرفة، حتى نبدأ تمارين العقل مرة أخرى!".
عادة ما تتسم الفترة التالية للغداء بالتراخي والخمول – فبسبب تركيز طاقتهم على عملية هضم الطعام، تقل قدرة الأشخاص على التركيز. في بعض الأحيان، أستخدم هذه الظاهرة لصالحي من خلال إجراء تمرين تصور موجه ولكن لأنني شعرت بالحالة المزاجية المرتفعة للمفوضين فقد اخترت أن أركز عوضًا عن ذلك على قوة اللغة.
بعد أن جلسوا جميعًا، طلبت متطوعًا. ولأنهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم، رجع الجميع للخلف في مقاعدهم – آملين أن يقبل أحد زملائهم التحدي. ضحكت وقلت: "من الأفضل دومًا التطوع في مرحلة مبكرة، لأن ما سأطلب منك التطوع للقيام به فيما بعد سيكون أصعب كثيرا على الأرجح!".
في هذه اللحظة نهض "بيت" على الفور، وقال: "في هذه الحالة، اختريني أنا!.
بعد أن دعوت "بيت" للتقدم إلى مقدمة الحجرة وقفت إلى جواره. سألته: "ما مدى مهارتك في التمثيل؟". أجابني وهو مقطب بعض الشيء لغرابة السؤال: " ليست سيئة في الواقع، لقد شاركت في بضع المسرحيات في المدرسة – هل سيفيد ذلك؟".
أجبته: "بالطبع". التفت مجددًا لباقي المفوضين، وسألتهم إن كانوا سمعوا قبل ذلك عن علم دراسة حركة العضلات. وعندما هزوا جميعًا رؤوسهم بالنفي، قلت: "علم دراسة حركة العضلات هو – بشكل ما – علم يدرس العلاقة بين العقل والجسم. في الأساس، يعنى هذا العلم استخدام اختيارات العضلات لتحديد أماكن الانسدادات في الطاقة في الجسم. فعادة ما يستخدم علم الحركة لتبين ما إذا كانت مادة بعينها – سواء كانت طعامًا أو شرابًا أو مكملات فيتامين أو حتى تبغًا – مفيدة أم ضارة للمرء. ومع ذلك. فسوف نستخدمه اليوم في ضوء اللغة، وعلى وجه التحديد "الحديث الذاتي" الذي نشغله في رؤوسنا طوال الوقت. هل تعلمون هذا الصوت الصغير؟ إنه ذلك الذي يمدنا بتعليقات متواصلة على الحياة، ويدرك الأمور وفقًا لمعتقداتنا وليس حقيقتها. وحسنًا، سيبين لنا "بيت" كيف يؤثر علينا هذا الصوت".
أولاً، كنا بحاجة لتقييم قوة "بيت" الطبيعية. بعد أن علمت أنه أيمن، طلبت، طلبت من "بيت" رفع ذراعه اليمنى إلى الجانب. وضعت إصبعين على رسغه وطلبت منه الدفع لأعلى بينما أدفع أنا لأسفل، وقلت له: "إن هذا ليس استعراضًا للقوة، وإنما تمرين نعرف من خلاله قدر الضغط الذي نحتاج إلى بذله كي نبقى في حالة من الاتزان".
وأضفت: "عظيم، الآن استرخ. أعد ذراعك إلى جانبك ثانية حتى أشرح ماذا سنفعل بعد ذلك. في خلال لحظات، سأطلب منك أن توضح لكل الحاضرين هنا ماذا يعنى أن تكون مكتئبًا حقًّا. كيف كنت لتقف؟".
اتخذ "بيت" وضعية هزلية لشخص تثق الأحزان كاهله. كانت كتفاه متدليتين وركبتاه مثنيتين وذقنه مجعدة وتتجه نحو رقبته، بينما يثبت عينيه على الأرض. بدأ الآخرون يضحكون، جزئيًّا بسبب مهارات "بيت" التمثيلية، ولكن أيضًا بسبب الإحراج. وفي الوقت الذي رغبت فيه أن يستمتع الجميع بالعرض، أردت من "بيت" التركيز على المهمة المخولة له، لذا وضعت إصبعي السبابة أمام فمي مشيرة إلى أنني أريد من الجميع الصمت.

وقلت لــــــ "بيت" : "جيد، أنت تبلى بلاء حسنًا. استشعر هذا الإحساس بالثقل والاكتئاب، وتذكر أنك هنا لتبين لباقي المجموعة ماذا يعنى أن تكون مكتئبًا. إن ذلك بمثابة درس تمثيلي لهم. في خلال لحظات، سأطلب منك أن تكرر خمس مرات: "أنا ضعيف أنا عديم القيمة، لا فائدة منى"".
نظر إلىّ "بيت" والقلق يكسو وجهه. طمأنته قائلة: "لا تقلق. لن أتركك على هذا الحال، أعدك بهذا!".
كان "بيت" يبلى بلاء حسنًا. كان باستطاعتي الشعور بطاقته وهى تستنزف. قلت له: قل: "أنا ضعيف، أنا عديم القيمة، لا فائدة منى" . بدأ "بيت" يردد الكلمات، وكان يزداد هدوءً مع ترديده لكل عبارة. كان يبدو تعيسًا حقًّا. وعندما ردد العبارة للمرة الأخيرة، طلبت منه رفع ذراعه اليمنى ثانية، والدفع لأعلى في الوقت الذي أضع فيه إصبعين من أصابعي على ذراعه كما فعلت بالمرة السابقة. ولكن في هذه المرة، بدا وكأن "بيت" لم يكن يملك أية قوة داخلية وكان إصبعاي يدفعان ذراعه لأسفل إلى جانبه.
"بمَ تشعر يا "بيت"؟".
أجاب بينما ترتسم ابتسامة صغيرة وعصبية على وجهه: "إنني ضعيف، وعديم القيمة ولا فائدة لي!".
سألت الآخرين: "وبمَ شعرتكم أنتم أثناء مشاهدتكم لـــــ "بيت"؟".
قال "جيني" على الفور: "يراودني شعور بشع. فأنا أشعر بأنني ضعيفة وعديمة القيمة ولا فائدة منى. فجزء منى يريد إيجاد حل لمشكلته. والجزء الآخر يريد أن يفر هاربًا!".
قلت: "ملاحظة سديدة. هذا غريب، فأنا أعرف إلى أي شيء يرمى هذا التمرين وما مؤداه – فأنا أقوم به كثيًرا – ولكن في كل مرة أخوضه مع شخص ما، أشعر بطاقتي وهى تتبخر! وبينما كان "بيت" يرد: "أنا ضعيف، أنا عديم القيمة، لا فائدة منى" ، كان من المذهل حقًّا أن أنظر إليكم جميعًا. فكان يبدو أن ما من أحد منكم يحتمل النظر إلى "بيت". فمعظمكم كان إما أن يحدق إلى الطاولة أو يعبث بشيء ما، فيبدو الأمر وكأن هناك نزعة عميقة وشبه بدائية للانفصال عن الشخص الذي يعكس مثل هذه السلبية".
قالت "جيني" بصوت مرتفع مجددًا: "لديك كل الحق. فعندما يشعر من حول بالإحباط، ينتقل هذا الشعور لي وكأنه عدوى. أعتقد أنني أتأثر بمشاعر المحيطين بي، ولعل هذا هو السبب الذي جعلك تقولين قبل ذلك أننا يجب أن نحرص على تمضية أوقاتنا مع الأشخاص الإيجابيين!".
أجبتها: " هذا صحيح بالقطع، والأسوأ من هذا، ما الأثر الذي تتركه على الآخرين – لست أنت فقط يا
"جيني"، ولكن كلامي موجه لجميع الحاضرين – عندما تشعر بالإحباط والكراهية إزاء الحياة؟".
في البداية ساد الصمت. بعد ذلك شرعوا جميعًا في التحدث على الفور. كان صوت "مات" هو الأعلى ، وسرعان ما سكت الآخرون لينصتوا إلى ما يريد أن يقول: "يبدو الأمر وكأن كل شيء اتضح لي في الدقيقتين الأخيرتين. فعندما أشعر بالإحباط، يسير كل شيء على نحو خاطئ – ولكن ربما كانت أنا المتسبب في حدوث هذا! أظن أن الآخرين يستشعرون سلبيتي، مما يجعلهم مرتبكين بدورهم، دون أن أدرك أنا أو هم ذلك" . قال "مات" لزملائه وهو يبحث عن تأكيد لسؤاله: "وبالطبع لهذا تأثيرات سلبية علينا عند انخراطنا في عمليات البيع".
ونظًرا لقدر الإيماءات التي أجابت ملحوظته، علم "مات" أنها سديدة. وخلال النقاش، ظل "بيت" متخذًا وضعية "أنا مكتئب" وبهدوء لمس ذراعي وقال: "لقد وعدتني ألا تتركيني في هذه الحالة! يراودني شعور بشع، لأنني حينما عمدت القيام بهذا التمرين قررت الغوص داخل الشعور الذي انتابني حينما توفي والدي. لا أريد أن يظل هذا الشعور يصاحبني. اجعليه يتوقف!".
أجبته وأنا أضع يدي برفق على كتفه: "بالطبع يا "بيت". ولكنها حقًّا ملاحظة مذهلة التي أدليت بها لتوك، فمن المذهل حقًّا أن هيئتك الجسدية – كيف تقف وأين تنظر وماذا تقول – تؤثر على ما تشعر به والعكس صحيح. ومن خلال فرض مزيد من السيطرة الواعية على أجسادنا، نستطيع أن نغير مشاعرنا – وكما تعلمون الآن من محاضرة الصباح، مشاعرك تؤثر على سلوكياتك، وبالطبع تؤثر سلوكياتك على ما يحدث لك في حياتك. وبعد أن تفوهت بذلك، يمكنني أن أفهم حقًّا ما الذي يعنيه أن يكون الإنسان صانع حياته! كنت قد استوعبت هذا المفهوم قبل ذلك فكريًّا، ولكن حتى هذه الحظة لم أكن استوعبته بشكل كامل، لذا شكرًا لك يا "بيت"
مرة أخرى، تذكرت كيف تعلمني هذه المواقف دومًا شيئًا جديدًا أيضًا...
قلت وأنا التفت إليه: "نعم يا "بيت". الآن ما ستفعله هو أن تتخيل أننا قمنا باستئجار إستاد ضخم وإنه ممتلئ بأشخاص سمعوا بك وبما تدرسه عن أهمية أن يكون الإنسان إيجابيًّا. أتوا جميعًا اليوم ليسمعوا ما ستقول. إنهم يريدون – ويحتاجون – التعلم منك. إذن، إن أردت أن تعلم هذا الحشد الضخم أن يكونوا إيجابيين وأقوياء، كيف كنت لتقف؟".
على الفور تغيرت وضعية "بيت" فاتخذ وضعية منتصبة وباعد بين قدميه مسافة قدم، ورفع ذقنه حتى أصبح بوسعه رؤية مؤخرة الغرفة بسهولة ورفع قبضتيه أمام صدره في دلالة تنم عن القوة.
وفي حين أن الآخرين كانوا غير مدركين لذلك، إلا أن الطاقة في الغرفة بدأت تتغير على الفور. فكل المفوضين بدأوا يتلوون على مقاعدهم ونصبوا ظهورهم وركزوا أعينهم على "بيت". كانت هناك صلة قوية تربط بينهم جميعًا. فحينما راودت أحد أفراد مجموعتهم مشاعر سيئة شعروا جميعًا باستياء ولكن مجرد أن شعر أحدهم بالرضا والسعادة وكان واثقًا من نفسه، بدا الأمر وكان أحدًا ضغط على أحد الأزرار. من الواضح أن الشعور بالسعادة معد، شأنه شأن الشعور بالتعاسة. فعن دون وعى بدأ جميع المفوضين يحاكون سلوك "بيت"، وأحد أسباب ذلك أنه في هذه اللحظة اتخذ وضعية قيادية مؤقتة من خلال وقوفه أمام الجميع وتأدية هذا العرض.
واصلت كلامي قائلة: "مذهل، الآن أريدك أن تردد – وأنت تستشعر الكلمات قدر استطاعتك – العبارة التالية خمس مرات: "أنا قوى. أنا مؤثر، أنا مهول!"".
انفجر الحاضرون في الضحك حينما تفوهت بكلمة "مهول".
وكي أشجعه، بدأت في ترديد الكلمات معه، مؤكدة على الكلمات بلغة جسدي. وسرعات ما أجاد "بيت" التمرين وازداد إقناعًا مع كل عبارة يرددها. وحينما ردد الكلمات للمرة الأخيرة، كان صوته ممتلئًا بالقوة والعزيمة وكانت لغة جسده لا تقاوم.
ردد "بيت": "أنا قوى، أنا مؤثر، أنا مذهل". وعندما انتهى أخذ باقي المفوضين يصفقون
الغريب أن كلمة "مهول" تبدو وكأن لها نفس التأثير على العديد من المجموعات التي عملت معها. وكنت أظن أن السبب يرجع إلى أننا نشأنا على عدم الالتفات إلى الجوانب المذهلة لدينا، ولكن "جون" محرر أعمالي خفيف الظل أكد لي أن كلمة "مهول" لها معنى مزدوج!
بشدة. تغير جو الغرفة بشكل جذري، تلك الحقيقة التي لاحظها "مات "قائلاً:
"هذا مدهش. ليس أداءك فقط يا "بيت"، على الرغم من أنه كان مدهشًا! فبالنسبة لي، ما كان مدهشًا حقًّا أن ما كان نشعر به جميعًا تغير تمامًا في أقل من 15 دقيقة! صار من المستحيل الآن أن نتذكر الشعور غير المريح الذي راودنا ونحن نشاهد "بيت" يعانى من الاكتئاب. وفي أغلب الظن، يمكن أن نترك جميعًا هذا التأثير – سواء الإيجابي أو السلبي – على الآخرين؟".
أومأت إجابة عن سؤاله، وقلت: "أنت محق تمامًا يا "مات". ولكن كما سترى غدًا، حينما نتمكن من الاتصال بشخص ما تبدأ العجائب في الحدوث".
قال "مات" وهو يضحك: "دعينا نخض في محاضرة غدٍ الآن".
قلت: "صبرًا مازال لدينا الكثير من الأمور المذهلة لتغطيتها اليوم! وقبل أن نمضى قدمًا، أريدكم أن تضعوا في أذهانكم أن "بيت" ردد الكلمات خمس مرات فقط – ولكن في الواقع كم مرة نكرر نفس العبارات السلبية لأنفسنا؟".