عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 23
على الانسان ان يدرك الهدف من وجوده
على الإنسان أن يدرك الهدف من وجوده
ن أهم الأشياء التي تميز بها الانسان عن باقي المخلوقات الحية الأخرى التي تشاطره الحياة على هذه الأرض انما: هو العقل والوجدان (المشاعر).
وهذا العقل كان ولا يزال أكبر المعجزات وأصعب الأحجيات، وأعقد وأدق الآلات التي تسير الانسان.
لذا احتار العلماء به ولم يتبينوا جميع تفصيلاته ولا كيفية أدائه ولا أدق أسراره، وبقي في نظرهم اشارة استفهام تومض بالغموض والأسرار.
ومن باطن هذا العقل المعجز ينطلق الفكر البشري الرحب الذي يمتلك قدرات جمة مثل التحليل والاكتشاف والاختراع والابداع والاختيار، ومثل هذه الأمور لا يمتلكها أي مخلوق أرضي خلا الانسان، لذا تعد من خصائصه الأولى التي تميزه وترقيه عن باقي الخلق.
ولقد خلق الله هذا العقل وجعل فكره صافياً راقياً منذ نشأته، وذلك لكي يكتشف بسهولة دربه ومسلكه الذي يقوده للنجاة والفلاح في الدنيا.
ولو ظل هذا الفكر على هذا الصفاء بعيداً عن العواصف الفكرية العاتية والمضللة التي تحاول تخريبه وتدمير نقائه لاستطاع أن يتوصل الى أسمى الحقائق وصحيح المعتقدات، وأولى هذه الحقائق: هو حقيقة وجود الخالق الواحد لهذا الكون ولهذه المخلوقات بما فيها الانسان، وثانيها: سبب خلق الله لهذه المخلوقات ولا سيما أرقاها -الانسان- اذ الانسان يدرك بعقله جميع الظواهر التي تحيط به والتي ترتبط باسباب معينة وغايات محدودة لها.
لذا لا بد أن يدرك الانسان أن هناك أسباباً لوجوده وغاية لذلك.
وهذان لا يستطيع العقل البشري أن يدركهما دون معونة المرشد الذي يبعثه الله لاعلام البشر بتلك الغاية. فهذا المبعوث والرسول يخاطب العقل بالحكمة والمنطق، ويدله على طريقه الصحيح ويحدد له السبل التي يجب أن يطرقها عقله، والطرق التي يجب أن يبتعد عنها لكيلا يتيه ويذوب في ظلام دروبها.
أسئلة مصيرية؟
ما هو، أو من هو الانسان؟ ومتى خُلق؟ ومم خُلق؟ ومن الذي خلقه؟ وكيف خلقه؟.
ان معرفة ذلك كله سيريح العقل كثيراً وسيغنيه عن البحث في طرقات خاطئة ليعود منها تعباً حائراً ولم يجد فيها غير العناء والضلال، كما فعل الفلاسفة البعيدون عن نور الاسلام، والذين بنوا فلسفتهم على أساس من علمهم البشري الناقص، وتفكير عقلهم القاصر وتجاربهم وخبراتهم، وقدراتهم العقلية والجسدية والروحية المحدودة. لهذا ففلسفتهم هي مجرد تخبطات في متاهات لا مخرج منها.
ونعود الى الأسئلة الخمسة الأساسية في العقل البشري المفكر والمتأمل:
ما هو هذا العالم؟ ومتى خلق؟ ومم خلق؟ ومن الذي خلقه؟ وكيف خلقه؟
ولقد أجاب الاسلام عن هذه الأسئلة بمنتهى الدقة والشمول فلم يدع واحداً منها الا وبين تفصيل جوابه لأنه مدرك أن العقل البشري بالتأكيد لن يتوصل وحده الى معرفة الجواب الصحيح اذ احتمال خطئه وتيهانه احتمال قوي جداً، ولهذا كشأن الاسلام في كل ما جاء به عمد في هذا الموضوع بالذات الى توضيح هذه الأسئلة المحيرة رحمة ورأفة بالناس ورعاية وتكريماً للعقل البشري.
ولنأت ببيان الأجوبة الاسلامية لهذه الأسئلة:
1- فأما السؤال الأول: ما هو؟
فأول شيء يجب أن نعلمه أن هذا العالم قد أوجد لأجل كائن واحد له السيادة على هذا العالم ولأجله تسيير هذا الكون فإذن السؤال الأصح هنا: من هو الانسان؟
هو كما قال تعالى في قرآنه المجيد «وَاِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ اِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ اِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» (البقرة:30).
فالانسان هو خليفة الله في هذا العالم ونقصد بالعالم: (الأرض التي خلقها الله لأجلنا والسماء التي فوقنا والفضاء الذي يحيط بنا ويمتلئ بالكواكب والنجوم).
ومعنى الخليفة أي الوكيل والنائب والمؤتمن والمتصرف الحالي الذي يحق له تسيير ما وكل به وفق ارادته وهواه الى أجل محدود ثم بعد هذا يلغى عقد الوكالة ويرجع الملك للمالك الحقيقي.
والآية السابقة تخبرنا بأن الله تعالى أراد من أول ما خلق الانسان أن يجعله خليفة على الأرض، ولكن لماذا أسكنه الجنة أولاً ولم ينزله الى الأرض الا بعد عصيانه؟!
«وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» (35) «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ اِلَى حِينٍ» (36) «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ اِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (البقرة:37).
فالعلماء يجيبون عن هذا بأن الله أسكن الانسان الأول الجنة ثم أُخرج منها لكي يعلم الناس بأن موطنهم الأصلي ومستقرهم الدائم ليس على الأرض وانما في الجنة التي سيعود اليها فقط الذين أدوا الأمانة وأحسنوا الخلافة واتبعوا الهدى، وليعلم الناس أيضاً عدوهم الأزلي الذي يكيد لهم في الليل والنهار ويريدهم أن ينسوا وطنهم الحقيقي وينشغلوا باللذات القليلة والزاد الوضيع في الفندق الذي هم نازلون فيه أو بالطائرة التي هم راكبون بها فينسوا موعد الوصول أو موعد السفر ولا يعدوا له أي شيء سوى الخيبة بعد الدهشة.
فإذن يجب على الانسان أن يدرك جواب السؤال الأول تماماً والا ضاع وخسر، فهو مجرد خليفة مؤقت أنزل من وطنه الأصلي الى بلد مهيأ لاستقباله لكي يؤدي رسالته والواجب الذي عليه ثم يعود من حيث أتى.
وهكذا يجد العقل والروح أيضاً الجواب الشافي الذي يريحه ويريحها فيعمل بمقتضى ذلك الجواب الصحيح ولا يضيع عمره الثمين وطاقته الكبيرة في مجهود البحث عن هذا الجواب الذي ربما أدركه فتكون الفرصة قد فاتت وربما لا يدركه الا بعد انتقاله الى عالم الموتى.
فهذه نعمة كبيرة من نعم الله التي أهداها للناس عن طريق الاسلام.
2- وأما السؤال الثاني: متى خلق؟
خلق العالم كما ذكرت الآيات قبل خلق الانسان ليتهيأ لاستقباله.
ولم يعط الاسلام التاريخ الدقيق لخلق كل من العالم أو الانسان، وانما قرر فقط أن هذا العالم قد أوجد وسخر لخدمة هذا الانسان.
ولا يضير العقل البشري عدم معرفة التاريخ الدقيق لخلق العالم والانسان وانما يضيره ألا يعلم أن هذا العالم حادث وأنه ليس قديماً وأزلياً أوجد نفسه بنفسه كما يعتقد الملاحدة.
لذا فله بداية ونهاية ولا يعلم بدايته ولا نهايته ولا مولده وموته الا خالقه.
ودليل خلق العالم قبل الانسان الآية السابقة، فالله تعالى يخبر الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة، فدليل هذا أن الأرض موجودة ومخلوقة، وأن الخليفة التي سيكون عليها لم يكن موجوداً ولا مخلوقاً.
والاسلام يحدث عن حقائق تاريخية مهمة لهذا العالم فيقول عن طريق كتابه العظيم «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا» (الأنبياء: من الآية30).
ثم يقول في آية أخرى «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» (القمر:12).
فالعلماء اليوم يقرون باكتشاف مذهل، أن الأرض كانت قطعة من الشمس وأنها انفصلت عنها، وابتعدت وظلت ملايين السنين حتى خبت نيرانها وبرد لهيبها، ثم بعد هذا أنشئ لها هذا الغلاف الواقي، وخلق عليها الماء والأزواج العديدة من النباتات والحيوانات «حَتَّى اِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ» (يونس: من الآية24).
أتاها أمر الله، ونزل هذا الانسان الذي ظلت تتهيأ له طوال سنينها، ثم بعد هذا بمدة حدث الطوفان في الأرض والذي قضى على جميع أنواع الحياة فيها ما عدا سفينة مصنوعة بأمر الله، وتحمل داخلها زوجين اثنين من كل صنف موجود الآن من البهائم والطيور والحشرات والنباتات، وتحمل نبياً عظيماً مع أهل المؤمنين نوحاً عليه السلام، فقصة هذا الطوفان قد أثبته العلماء اليوم، واكتشفوا حقيقته بعد أن أخبر القرآن منذ آلاف السنين فيذكرون أن الأرض قد تعرضت لطوفان مائي منذ زمن بعيد قضى على جميع أنواع الحياة. ثم بعد أن أعيدت الأرض الى حالتها الطبيعية، وأعيدت الحياة عليها ولكن كيف؟ فهذا جوابه عند القرآن فقط ولا يعلمه العلماء دونه «فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ اِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا اِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» ( 27) «فَاِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (المؤمنون:28).
3- ونأتي الى السؤال الثالث: مم خلق؟
أي من أي شيء وجد هذا العالم وهذا الانسان؟
فكلاهما كما يخبر الاسلام أوجد من العدم ومن لا شيء «هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً» (الانسان:1).
فبداية خلقه الأول كان من لا شيء، انما كان قول: (كن) من الله تعالى له هو طريق اخراجه من ظلام العدم الى نعمة الوجود.
ثم بعد ذلك كونه وصوره من الطين ومرّ بمراحل عدة حتى أخرجه الله تعالى انساناً سوياً ثم بعد ذلك جعل ذريته تخلق من مادة غير مادته، ولنصغ للقرآن الكريم يحدثنا عن الشيء الذي خُلق منه الانسان الأول: آدم عليه السلام، وعن الشيء الذي خلقت منه ذريته «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» (12) «ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ» (المؤمنون:13) «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (المؤمنون:14) «قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ» (عبس:17) «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (18) «مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ» (19) «ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ» (20) «ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ» (عبس:21).
«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ» (7) «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ» (8) «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ» (السجدة:9).
4-ثم يأتي السؤال الرابع وهو أهم الأسئلة ومحورها: من الذي خلقه؟
ومن..؟ دارت المذاهب الفلسفية وتاهت أكثرها وتفرعت فروعاً كثيرة، ومن هنا تحدد الهدى والضلال للعقل البشري، ومن هذا السؤال تحددت غايات الناس وأهدافها، ولا نريد الخوض في المذاهب الفلسفية أو الالحادية التي تجيب عن هذا السؤال بطريق لا يقبله العقل السليم أبداً، ولا ينسجم مع الفكر الصحيح. وانما سنبين ما جاء به الاسلام وأراح به العقول المنهكة، فالاسلام كما مر معنا جاء بالعقيدة السليمة المريحة للعقل وللنفس والروح، فأول شيء أقره وبينه في هذه العقيدة هو الجواب عن هذا السؤال مع أن الذين أنزل عليهم القرآن لم يكونوا لينكروا أن الله هو الخالق «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (لقمان:25) ولكن كانوا يشركون غيره في ألوهيته لا أكثر.
ومع هذا جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تقرر أن الخالق الوحيد هو الله وتدلل على ذلك.
وما ذاك الا لكون الذي أنزل القرآن هو العالم المحيط بكل شيء، العالم بما سيحدث بعد زمن المشركين، وبما ستثار من أقوال وشبهات حول خلق العالم وخلق الانسان، ولا سيما بعد انفتاح العقل البشري وتطور طرق تفكيره واكتشافه لكثير من الأمور الخفية.
لهذا جاء القرآن بكل هذه الآيات التي تؤكد أن الخالق هو الله، وليرتاح الناس بعد هذا من البحث في هذه المسألة والبحث عن الخالق، اما في الطبيعة أو في المادة أو في الذات أو في أي شيء آخر عدا الله سبحانه وتعالى.
«الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ» (3) «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ اِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ» (الملك:4).
«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (2) «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَاِلَيْهِ الْمَصِيرُ» (التغابن:3).
«نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ» (57) «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ» (58) «أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ» (الواقعة:59).
(الرَّحْمَنُ) (1) (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (2) (خَلَقَ الْأِنْسَانَ) (3) (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن 4) إلى آخر هذه الآيات الكريمة التي امتلأ القرآن الكريم بها، وما ذاك الا ليثبت الله تعالى أصل التفكير البشري على شيء صحيح ثم لينطلق بعد هذا كما يشاء.
وللذين يعاندون هذا ويكابرون على الحقيقة ليسمعوا هذه الآية الكريمة «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ» (الطور:35).
وما دام جوابهم سيأتي بالنفي، فإذن من الخالق؟ أليس الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما هو الخالق القادر الرحيم؟
5-أما السؤال الأخير فهو كيف خلق؟
فجوابه: أن الذي خلقه هو الذي تكفل بكيفية خلقه وأخبرنا بذلك بأن هذا الخلق كله خلق بمجرد قوله: (كن) فيكون.
«اِنَّمَا أَمْرُهُ اِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (82) «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (يّـس:83).
6-ويبقى سؤال أخير وهام، وهو: لماذا خلق؟
أي ما الهدف من خلق العالم وخلق الانسان؟
أما الهدف من خلق العالم فهو واضح، فكل ما يحيط بنا هو مخلوق لأجلنا ولمساعدتنا.
وقضية تسخيره قضية واضحة لكل ذي عقل.
ولكن يبقى الهدف من خلق الانسان هو الغامض لدى البشر لولا تذكير القرآن وبيانه لذلك.
ولهذا نجد كثيراً من البشر في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل تائهين، معذبين أشقياء تعساء في حياتهم، حتى لو ملكوا الدنيا بأسرها، وذلك لكونهم غير مدركين لغايتهم ولا لهدف وجودهم، فهم يعيشون كما تعيش الأنعام وحتى دون ما تعيشه، لأنها حتى هي مسيرة لغاية معينة، وتحيا لتأدية رسالة محددة لها، موضوعة من قبل خالقها، والانسان اذا عاش كما تعيش الأنعام يشقى ويتعذب حتى دون أن يشعر أو يدرك سبب هذا الشقاء.
فهو يتعذب ويتعب لأنه نكب عن صراطه، ودخل في متاهات الحياة المهلكة دون أن يجد المخرج منها، وقد يقوده تفكيره في البحث عن هذا المخرج الى مخرج خاطئ وقريب قد يراه لقربه ولكن يعمى عما في داخله، وهذا المخرج الخاطئ هو الانتحار، هذا الداء الذي انتشر في هذا الزمن بشكل كبير، ولا سيما في الدول غير المسلمة وحتى الغنية والتي تؤمّن الرفاهية لأفرادها بمختلف أشكالها.
حتى ان من المذهل أن نعلم أن أكثر الدول تنعماً وغنى ورفاهية كالسويد هي التي حققت أكبر نسبة انتحار في شعبها؟! فهل بعد هذا من دليل؟ على أن نعيم الدنيا لا يسعد الانسان ولا يشفي ظمأ روحه لأنه يعيش بلا هدف، و يشعر بأن حياته لا مغزى لها ولا غاية، فلهذا يفضل انهاءها وقطع عذابها، ولكن الى أين أيها المسكين؟ الى عذاب أكبر وأطول وبلا نهاية.
إذن، فمن المهم أن يدرك الانسان حقيقة وجوده، والهدف منه، لكي يعمل بالوسائل المباحة للوصول لهذا الهدف، وهو عبادة الخالق والوصول الى رضاه وجنته، فيسارع جاهداً في هذه الحياة الى جميع الأعمال التي تساعده على الحصول هذا الرضا وهذه الجنة، ويكون في الوقت ذاته قد أدى رسالة عبوديته ووفى العهد وحفظ الأمانة.
«وَسَارِعُوا اِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران:133).
والمسارعة لا تكون بالانتحار ولكن تكون بالسعي في هذه الدنيا بالأعمال التي ترضي الخالق، وتحقق معنى العبادة له، حتى يحين الوقت الذي حدده هذا الخالق له ليلقاه، فيكون مستعداً لهذا ومطمئناً لمصيره بعد أن يكون مطمئناً في حياته.
المفضلات