بواعث الفعل:

إن كل الانفعالات في جوهرها هي دوافع لأفعالنا.. هي الخطط الفورية للتعامل مع الحياة التي غرسها التطور في كياننا الإنساني..
ويلعب كل انفعال في سجلنا الوجداني دوراً فريداً، كما توضحه البصمات البيولوجية المتميزة..
وقد تمكن الباحثون اليوم بالوسائل العلمية الجديدة البالغة التقدم التي استطاعت أن ترى الجسم والمخ من الداخل بدقة من اكتشاف مزيد من تفاصيل الكيفية الفسيولوجية التي تجهز بها العاطفة الجسم بمختلف أنواع الاستجابات، وعلى سبيل المثال:
في حالة الغضب يتدفق الدم إلى اليدين ليجعلهما قادرتين بصورة أسهل على القبض على سلاح أو ضرب عدو.. وتتسارع ضربات القلب، وتندفع دفقة من الهرمونات مثل هرمون (الأدرينالين) فيتولد كم من الطاقة القوية تكفي القيام بعمل عنيف.
وفي حالة الخوف: يندفع الدم إلى أكبر العضلات حجماً، مثل عضلات الساقين، فيسهل الهرب، ويصبح الوجه أبيض اللون شاحباً لأن الدم يهرب منه..
وفي حالة الدهشة؛ ترفع الحواجب لتسمح بنظرة شاملة أوسع، وتسمح بدخول مزيد من الضوء إلى الشبكية، وهذا يوفر مزيداً من المعلومات حول ما حدث دون توقع وأثار الدهشة، ويكشف حقيقة ما يجري بالضبط، بما يساعد على اختيار أفضل فعل مناسب للموقف.
في هذا القسم الأول من الكتاب؛ كانت رحلة المؤلف مع آخر اكتشافات لتركيبة المخ الوجداني ة، والتي تقدم تفسيراً لتلك اللحظات الأكثر تحييراً في حياتنا والتي تهيمن فيها، مشاعرنا على عقولنا..
إن فهم التفاعل بين تراكيب المخ يكشف عن الكثير فيما يتعلق بكيفية تعلمنا للعادات الوجداني ة التي يمكن أن تقوض أفضل أهدافنا، وكذلك ما الذي بوسعنا أن نفعله للسيطرة على انفعالاتنا الوجداني ة الهدامة والمسببة للإحباط؟.
في القسم الثاني من الكتاب يرينا المؤلف كيف تدخل معطياتنا العصبية في تشكيل المهارة الأساسية لممارسة الحياة والتي نسميها (الذكاء الوجداني ) أي أن نكون قادرين مثلاً على التحكم في نزعاتنا ونزواتنا، وأن نقرأ مشاعر الآخرين اليومية ونتعامل بمرونة في علاقاتنا مع الآخرون.
هذا النموذج المسهب لمعنى أن يكون المرء (ذكياً) يضع العواطف في بؤرة القدرات الشخصية في التعامل مع الحياة..





انفلات الأعصاب:

لاشك في أن ما يثير الفضول لفهم قوة العواطف وتأثيرها في حياتنا العقلية، تلك اللحظات المثيرة للمشاعر، والتي نندم عليها بعد أن ينقشع عنها غبار الانفعال، ونتذكرها فيما بعد..
اعرف نفسك:
لاشك في أن وصية سقراط التي تقول (اعرف نفسك) تتحدث عن حجر الزاوية في الذكاء الوجداني ، الذي هو وعي الإنسان بمشاعره وقت حدوثها..
وقد يبدو للوهلة الأولى أن مشاعرنا واضحة.. ولكن قدراً أكبر من التفكير والتأمل يذكرنا بأننا جميعاً غافلون عما شعرنا به تجاه شيء ما في الحقيقة، أو يوقظ فينا هذه المشاعر فيما بعد..
وقد استخدم علماء النفس مصطلحاً ثقيلاً اسمه (ما بعد المعرفة) إشارة إلى الوعي بعملية التفكير واستخدموا مصطلح (ما بعد الانفعال) ليشير إلى تأمل الإنسان لانفعالاته..
لكن المؤلف يفضل مصطلح (الوعي بالذات) بمعنى الانتباه إلى الحالات الداخلية التي يعيشها الإنسان وبهذا الوعي التأملي للنفس، يقوم العقل بملاحظة ودراسة الخبرة نفسها بما فيها من انفعالات.
والواقع أن مراقبة الذات - على أحسن الفروض - تحقق إدراكاً رصيناً للمشاعر المضطربة والمتقدمة، إنها في أقل تقدير تقدم نفسها في صورة ظاهرية وبسيطة، وكأنها عائدة لتوها من خبرة ما.. هي مجرى يوازي الوعي، أي ما بعد توزع الانتباه في مجرى الوعي الرئيسي، أو بجانبه، مدركة الحدث الجاري أكثر من انضمامها إلى هذه المشاعر، وضياعها فيها.. وهذا هو الفرق - مثلاً - بين أن تكون غاضباً غضباً شديداً من شخص ما، وأن تدرك بفكرك الذاتي التأملي قائلاً: (أنا أشعر بالغضب) حتى وأنت في حالة هذا الغضب..
اعرف نفسك:
وعلى الرغم من التمييز المنطقي بين أن نكون مدركين لمشاعرنا، وأن نعمل على تغييرها، نجد أن جون ماير العالم السيكولوجي بجامعة هامبشير، الذي وضع نظرية الذكاء الوجداني ، قد اكتشف أن الوعي بالمشاعر والقيام بالأفعال من أجل الأهداف العملية كلها عادة جنباً إلى جنب ويداً بيد.. ذلك لأن مجرد إدراكنا أن المزاج سيء، فهذا معناه الرغبة في التخلص منه والتعرف على الحالة النفسية شيء متميز عما نبذله من جهود حتى لا نقوم بفعل ما بدافع انفعالي.
واكتشف ماير أن الناس يميلون إلى اتباع أساليب متميزة للعناية بعواطفهم والتعامل معها:
الوعي بالنفس:
إن أولئك البشر الذين يدركون حالتهم النفسية في أثناء معايشتها، عندهم بصورة متفهمة بعض الحنكة فيما يخص حياتهم الانفعالية.. ويمثل إدراكهم الواضح لانفعالاتهم أساساً لسماتهم الشخصية.. هم شخصيات استقلالية واثقة من إمكاناتها، ويتمتعون بصحة نفسية جيدة، ويميلون أيضاً إلى النظر للحياة نظرة إيجابية. وعندما يتكدر مزاجهم لا يجترونها ولا تستبد بأفكارهم، هم أيضاً قادرون على الخروج من مزاجهم السيء في أسرع وقت ممكن.. باختصار تساعدهم عقلانيتهم على إدارة عواطفهم وانفعالاتهم..



الغارقون بانفعالاتهم:
هؤلاء الأشخاص هم من يشعرون غالباً بأنهم غارقون في انفعالاتهم، عاجزون عن الخروج منها، وكأن حالتهم النفسية قد تملكتهم تماماً. هم أيضاً متقلبو المزاج، غير مدركين تماماً لمشاعرهم إلى الدرجة التي يضيعون فيها ويتيهون عن أهدافهم إلى حد ما، ومن ثم فهم قليلاً ما يحاولون الهرب من حالتهم النفسية السيئة، كما يشعرون بعجزهم عن التحكم في حياتهم الوجداني ة.. إنهم أناس مغلوبون على أمرهم، فاقدو السيطرة على عواطفهم..
المتقبلون لمشاعرهم:
هؤلاء على الرغم من وضوح رؤيتهم بالنسبة لمشاعرهم، فإنهم يميلون لتقبل حالتهم النفسية، دون محاولة تغييرها، ويبدو أن هناك مجموعتين من المتقبلين لمشاعرهم:
المجموعة الأولى: تشمل من هم عادة في حالة مزاجية جيدة، ومن ثم ليس لديهم دافع لتغييرها.. والمجموعة الثانية : تشمل من لهم رؤية واضحة لحالتهم النفسية ومع ذلك حين يتعرضون لحالة نفسية سيئة، يتقبلونها كأمر واقع، ولا يفعلون أي شيء لتغييرها على الرغم من اكتئابهم. وهذا النموذج من المتقبلين يدخل في إطار المكتئبين الذين استكانوا لليأس..
عبيد العاطفة:
منذ عصر أفلاطون، ظل الإحساس بتفوق النفس وقدرتها على مواجهة العواصف الوجداني ة الناتجة عن ضربات القدر بدلاً من الاستسلام لها لكي نصبح عبيداً للعاطفة، ظل هذا الإحساس فضيلة تستحق الإشادة بها دائماً..كانت الكلمة اليونانية لهذه الفضيلة هي (سوفروزايم sophrozyme )أي الانتباه والذكاء في إدارة حياتنا: بمعنى الإتزان والحكمة.. أما الرومان والكنيسة المسيحية القديمة فقد أطلقوا عليها اسم (temprrantia ) أي ضبط النفس، أو كبح جماح الإفراط في الانفعال، والهدف من ذلك تحقيق التوازن الوجداني وليس قمع العاطفة، لأن لكل شعور قيمته ودلالته.. فالحياة من دون عاطفة تصبح أرضاً حيادية قاحلة ومملّة، منقطعة ومنعزلة عن ثراء الحياة نفسها..والمطلوب، كما لاحظ (أرسطو) انفعال يناسب الظرف ذاته، فعندما يكبت الانفعال تماماً فإن ذلك يؤدي إلى الفتور والعزلة، وعندما يخرج عن إطار الانضباط والسيطرة ويصبح بالغ التطرف، والإلحاح، فإنه يتحول إلى حالة مرضية، تحتاج إلى العلاج مثل الاكتئاب المؤدي إلى الشلل، والقلق الساحق، والغضب الكاسح، والتهيج المجنون..
ولا شك في أن مفتاح سعادتنا الوجداني ة يكمن في ضبط انفعالاتنا المزعجة بصورة دائمة، هذا؛ لأن التطرف المتزايد والمكثف في العواطف لفترة طويلة يؤدي إلى تقويض استقرارنا.ومن الطبيعي ألا نشعر طوال الوقت بنوع واحد من الانفعال.. والواقع أن هناك الكثير مما يقال عما تسهم به المعاناة البناءة في الحياة الإبداعية والروحانية، لأن المعاناة تهذب الروح..ولا شك في أن تقلبات الدهر بما فيها من سعادة وتعاسة تعطي الحياة نكهة خاصة، وإن كانت تحتاج إلى التوازن..وما يحدد الإحساس بالسعادة - بحساب القلب - هو معدل العواطف الإيجابية والسلبية. وهذه - على الأقل - هي الحكمة التي خرجت بها دراسات عن طبائع مئات الرجال والنساء، وحالاتهم النفسية التي مرت عليهم، وسجلوا انفعالاتهم في تلك الأوقات.. مثل هؤلاء لا يحتاجون إلى تجنب المشاعر غير السارة للإحساس بالرضا عن حياتهم، لكنهم لا يتركون أنفسهم تحت رحمة مشاعرهم العاصفة دون كبح جماحها حتى لا تحل محل حالتهم النفسية المبتهجة، وثمة أناس يتعرضون لنوبات عارمة من الغضب والاكتئاب، ويمكن لأولئك الناس أن يشعروا بالرضا نحو حياتهم إذا ما تناوبتهم بقدر متساو فترات من الفرح والابتهاج..


تحليل ثورة الغضب:
يبدو أن الغضب هو أكثر الحالات تصلباً وعناداً من بين كل الحالات التي يرغب الناس في الهروب منها، فقد انتهت (تايس) من دراستها إلى أن الغضب هو أسوأ الحالات النفسية التي يصعب السيطرة عليها. والغضب هو أكثر هذه الحالات غواية وخطأ على العواطف السلبية، ذلك لأن المونولوج الداخلي الذي يحث على الغضب والمبرر أخلاقياً، يملأ عقل الغاضب بالذرائع المقنعة ليصب جام غضبه.. والغضب ليس مثل الحزن، لأنه انفعال يولد الطاقة والتنبه.. فالغضب لديه قدرة على الإغواء والحفز، وربما كان هذا هو السبب في الأفكار الشائعة عنه بأنه يصعب التحكم فيه أو أنه لا ينبغي كظمه.. بل أكثر من ذلك، أن التنفيس بالغضب يطهر النفس وهو في مصلحة الغاضب، أما الرأي الآخر المضاد للرأي السالف والذي قد يكون رد فعل على الصورة الكئيبة التي يرسمها الرأيان الآخران، فيتمثل في القول إن الغضب يمكن الحيلولة دون حدوثه تماماً.
والواقع أن تسلسل الأفكار الغاضبة الذي يؤجج الغضب، من الممكن أن يكون هو نفسه مفتاح أقوى الوسائل للتخفيف من شدة الغضب، وذلك بوضع حد للأفكار التي توقد نار الغضب في مهدها.. وكلما طال الوقت الذي نجتر فيه الأسباب التي أثارت غضبنا، وجدنا (أسباباً طيبة) نلفقها ونخترعها لنبرر بها لأنفسنا أسباب غضبنا، لكن إذا نظرنا للأمور بشكل مختلف فسوف تهدأ هذه النيران المشتعلة. وهذا ما انتهت إليه (تايس) في بحثها فقد وجدت أن إعادة وضع موقف ما إيجابياً في إطاره، كان أكثر السبل الفعالة لوقف الغضب..
في القسم الثالث من الكتاب يبحث المؤلف في بعض الاختلافات الأساسية المترتبة على هذه القدرات مثل: كيف يمكن بهذه القدرات أن نصون علاقتنا الأكثر أهمية أو كيف يفسد الافتقار إلى هذه القدرات تلك العلاقات.. وكيف تسبغ قوى السوق التي تعيد تشكيل حياتنا العملية أهمية غير مسبوقة على الذكاء الوجداني من أجل تحقيق النجاح في العمل. وكيف تتسبب العواطف المسمومة في تهديد صحتنا الجسدية وإصابتها بالمخاطر، تماماً كما يفعل الإفراط في التدخين، في الوقت الذي يمكن للتوازن الوجداني أن يحمي صحتنا وسعادتنا على حد سواء..
الأعداء الحميمون:
إذا نظرنا اليوم إلى معدلات الطلاق، فسنجد أنها أصبحت معدلات سنوية ثابتة بدرجة أو بأخرى.. لكن هناك طريقة أخرى لحساب معدلات الطلاق تشير إلى قفزة خطيرة في هذه المعدلات، إذا نظرنا إلى الخلافات الخطيرة التي تنشأ بين المتزوجين حديثاً وتنتهي أخيراً بالطلاق.. وعلى الرغم من ثبات معدلات الطلاق الإجمالية، فإن خطر الطلاق قد انتقل إلى الزيجات الحديثة.
وإذا ناقشنا هذا التصاعد في حالات الطلاق، فسنجد أنه يرجع بدرجة كبيرة إلى انخفاض في مستوى الذكاء الوجداني ، وتراجع الضغوط الاجتماعية، المتمثلة في وصمة العار التي تلحق بالمطلق أو المطلقة، أو في اعتماد الزوجات الاقتصادي على أزواجهن، الذي ظل سبباً في بقائهن معهم حتى لو كانوا أسوأ الأزواج. أما بعد أن أصبحت الضغوط الاجتماعية لا تمثل العامل الذي يبقي على العلاقة الزوجية، فقد باتت العلاقة الوجداني ة بين الزوج والزوجة أهم وأخطر العوامل التي تبقي على الزواج، إذا أراد كل من الزوجين لارتباطهما أن يدوم..


الــــنقد البــــــارع :

يقدم هاري لفنسون المحلل السيكولوجي، النصيحة التالية حول (فن النقد) الذي يتضافر مع فن الإطراء!.
كن محدداً: التقط حدثاً له دلالة، هدفاً يوضح مشكلة رئيسية تحتاج إلى التغيير، أو نموذجاً يمثل عدم الكفاءة، مثل عدم القدرة على أداء أجزاء معينة من العمل بصورة جيدة.. هذا لأن ما يثبط معنويات الإنسان هو أن يسمع أنه أخطأ في عمل شيء ما دون أن يعرف على وجه التحديد ما هذا الخطأ لكي يعمل على تصحيحه.. فلابد من التركيز على التحديد..
تذكر الشيء الجيد الذي فعله الإنسان، وما فعله بالتحديد بصورة ضعيفة، وكيف يمكن تغييره؟!..
قدم حلاً: فالنقد مثل كل تغذية مركزة مفيدة، يجب أن يشير إلى طريقة تحدد المشكلة تماماً، وإلا فسوف تترك المتلقي في حالة إحباط ومعنويات منخفضة ودون دافع للقيام بعمل، لأن النقد قد يفتح الباب إلى إمكانات وبدائل لم يتبين الشخص نفسه وجودها، أو يثير - ببساطة - الحساسية بأوجه النقص التي تستلزم الانتباه، وما يجب أن يصاحبه من اقتراحات حول أسلوب الاهتمام بهذه المشاكل.
كن حاضراً: لأن النقد مثل المديح، أكثر فعالية حين يقال وحينما يوجه للشخص نفسه على انفراد.. ونحن نلاحظ أن أولئك الناقدين غير المريحين يوجهون دائماً نقدهم سلباً أو إيجاباً من على بعد، كما لو أنهم يزيحون عبئاً عن أنفسهم.
كن حساساً: هذه دعوة للتعاطف مع الآخر، ليكون متناغماً مع ما تقوله، وكيف يكون وقعه على الشخص المتلقي..
يقدم ليفنسون أيضاً بعض النصائح الوجداني ة في آخر الأمر لمن يتلقون النقد قائلاً: يجب أن ينظر الإنسان إلى النقد كمعلومة لها قيمتها حول كيفية تحسين العمل وليس بوصفه هجوماً شخصياً، والأمر الآخر أن تراقب حافزك إلى اتخاذ موقف دفاعي بدلاً من تحمل المسؤولية..
وأخيراً ينصح ليفنسون الجميع أن ينظروا إلى النقد بوصفه فرصة للناقد والمنتقد للعمل معاً بهدف حل المشكلة، وليس بوصفه حالة خصومة بينهما..
جـــذور التعصب :
تعتبر حالات التعصب نوعاً من التعلم الوجداني الذي يجري في تيار الحياة منذ وقت مبكر، مكوناً ردود أفعال يصعب استئصالها كلية.. يحدث هذا أيضا حتى مع من يشعرون وهم شباب بخطأ الاقتناع بهذه الأفكار المتعصبة..
ويفسر هذه الحقيقة توماس بيتجرو المتخصص في السيكولوجيا الاجتماعية، بجامعة كاليفورنيا، والذي درس مشكلة التعصب على مدى عقود قائلاً: قد يحدث في وقت متأخر من حياتك أن تغير تعصبك هذا، لكنك ستكتشف أنه من السهل عليك كثيراً أن تغير من معتقداتك الفكرية عن تغيير مشاعرك العميقة..
وتأتي جزئياً الأفكار النمطية الشائعة التي تكرس التعصب من آليات أكثر حيادية في العقل الذي يجعل كل أنواع الأفكار النمطية مؤكدة بذاتها. هذا لأن الناس عموماً على استعداد سريع لتذكر اللحظات التي تؤيد الأفكار من هذا النوع، بينما ينزعون إلى إسقاط اللحظات التي تتحدى هذه الأفكار..




التوتر : قلق أكثر من اللازم و في غير محله :

لاحظ السيكولوجي (بروس ماكوين) بجامعة بيل في بحث موسّع نشره عام 1993م حول العلاقة بين التوتر والمرض، لاحظ مجموعة كبيرة من التأثيرات.. وجد أن وظيفة المناعة قد تغيرت إلى درجة يتسارع فيها العامل المسبب للسرطان، وزادت سرعة التأثر بالعدوى الفيروسية كما تفاقم تكون الصفائح المسببة لتصلب الشرايين وتجلط الدم المؤدي إلى الذبحة الصدرية. كما عجل القلق أيضاً ببداية مرض السكر وأثر في نتيجة علاجه، وزاد من نوبات الربو.. وقد يؤدي التوتر أيضا إلى حدوث قرحة في المعدة، ويفاقم أعراض التهاب غشاء القولون المخاطي، والتهاب الأمعاء.. ويتعرض المخ ذاته نتيجة لتأثير التوتر المستمر، للإجهاد الشديد الذي يضر (قرن آمون) وبالتالي يضر الذاكرة نفسها..
في الكلمة الأخيرة التي جاءت ختاما لهذا الكتاب الرائع يقول المؤلف:
بينما كنت على وشك الانتهاء من هذا الكتاب، لفت انتباهي بعض الأخبار الصحافية المثيرة للقلق، تعلن أن الأسلحة أصبحت أول أسباب الموت في أمريكا.
أما الخبر الثاني فقد جاء فيه أن معدل الجريمة في العام الماضي ارتفع إلى 3% أما مصدر الانزعاج الأكبر فقد أورده الخبر الذي تنبأ على لسان أحد علماء الجريمة، بأننا نعيش الآن فترة هجوع تسبق عاصفة إجرامية ستهب علينا في العقد القادم.. والسبب في رأيه أن الجرائم التي يرتكبها المراهقون في سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة في تصاعد مستمر.. هذه المجموعة السنية ستبلغ من العمر في العقد القادم الثامنة عشرة إلى الرابعة والعشرين، أي العمر الذي تصل فيه جرائم العنف إلى الذروة لدى المنخرط في العمل الإجرامي..
وتبدو نذر الشر في مقال ثالث، وفقاً لأرقام وزارة العدل الأمريكية التي تبين نسبة الأحداث المتهمين بارتكاب جرائم القتل، والهجوم الخطر والسطو، والاغتصاب، حيث أوضحت أن هذه النسبة قفزت في الفترة من العام 1988م إلى العام 1992م من 68% إلى 80%.
هؤلاء المراهقون هم أول جيل لا يملك فقط المسدسات، بل من السهل عليه الحصول على الأسلحة الأوتوماتيكية، تماماً كما كان من السهل على جيل آبائهم الحصول على المخدرات.. هذا الكم من الأسلحة التي في حوزة المراهقين، يعني أن الخلافات التي كانت في الماضي تؤدي إلى القتال بالأيدي، يمكن اليوم أن تؤدي بالفعل إلى استخدام الرصاص. وكما أشار خبير آخر إلى أن هؤلاء المراهقين ليسوا بالأخلاق التي تدفعهم إلى تجنب المشاجرات..
ومن الأسباب التي تجعل هؤلاء المراهقين يفتقرون إلى المهارات الأساسية في الحياة، أننا مجتمع لم يعبأ بالتأكد من أن كل طفل أمريكي قد تعلم الأساسيات في التعامل مع الغضب، أو حل الصراعات حلاً إيجابياً، كما أننا لم نعبأ بتعليمهم التعاطف الوجداني مع الآخرين، والسيطرة على الاندفاع، أو أية كفاءة عاطفية من الكفاءات الجوهرية.. ومع إهمالنا تعليم أطفالنا الدروس الوجداني ة وتركها للمصادفات، فقد خاطرنا بفقدنا الفرص المتاحة التي تقدمها عملية نضج المخ المادي البطيء، لمساعدة الأطفال على تنمية مخزون عاطفي سليم وصحي..


خصائص تأخر النضج الوجداني

1- اضطراب المشاعر :
وعلاماته : ثورات الهياج الانفعالي ، السلوك الاندفاعي ، الاستجابات الزائدة عن الموقف ، الحساسية الزائدة ، عدم تحمل الإحباط ، نوبات الغضب الحادة ، تقلبات المزاج ، الغيرة الزائدة ، عدم القدرة على التسامح ، عدم تحمل الألم ، عدم القدرة على السيطرة على الانفعال .
2- الاعتمادية الزائدة :
إن النمو الطبيعي للإنسان ينتقل من الاعتمادية ( أنا أحتاجك ) إلى الاستقلال ( أنا لا أحتاجك ) إلى الاعتمادية المتبادلة ( كل منا يحتاج الآخر ) .
والشخص الاعتمادي يحتاج الآخر بشكل زائد وممتد أكثر من اللازم ، وهو لا يستطيع اتخاذ قرار بمفرده ، ويسهل قياده ، ويخاف التغيير ويفضل البقاء كما هو لأنه لا يتحمل تحديات التغيير . ويبدو أن الناس المحافظين والمتحفظين أكثر من اللازم ينتمون إلى هذه الطائفة من الناس .
3- الرغبة في الإشباع الآني :
بمعنى أنهم يريدون الحصول على ما يريدون من اهتمام وإشباع في اللحظة الحالية ، وليست لديهم القدرة على تأجيل إشباع بعض الرغبات سعياً لمستوى إشباع أفضل ، فهم يريدون كل شيء الآن وحالاً .
وهؤلاء الأشخاص يتميزون بالسطحية وعدم القدرة على التفكير وهم مندفعون غالباً ، وولاءهم لا يستمر إلا بقدر ما يحققون من فائدة من العلاقة. وهم يهتمون بالأشياء الهامشية ، وقيمهم الأخلاقية سطحية وهشة ، كما أن حياتهم الاجتماعية والمالية تتسم بالعشوائية والاضطراب .

4- عدم القدرة على التعلم من خبرات الحياة ( وجهة الضبط الخارجية ) :
حيث أنه يرى أن ما يحدث له دائماً هو نتيجة الحظ أو الظروف أو أخطاء الآخرين ، لذلك لا يسعى إلى التغير للأفضل بل يظل يكرر أخطاءه مرة بعد مرة .
5- التمركز حول الذات :
والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي الأنانية ، والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات ، فالشخص الأناني لا يعطي اعتباراً للآخرين وهو في نفس الوقت لا يعطي إلا اعتباراً ضئيلاً لنفسه . وهذا الشخص مشغول دائماً بأحاسيسه ومشاعره فقط ويطلب – بشكل زائد – الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين . وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية ، ولا يتحمل مسئولية أخطائه أو قصوره ، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقداً بناءاً ، وليست لديه الحساسية لأحاسيس الآخرين .

علامات النضج الوجداني

1- القدرة على أن يُحِب ويُحَب :
ذلك الشخص لديه إحساس بالأمان والثقة ، ولذلك يستطيع أن يعبر بمرونة عن مشاعر حبه تجاه الآخرين كما أنه يستطيع أن يستقبل منهم مثل تلك المشاعر دون خوف أو خجل .
2- القدرة على مواجهة الواقع والتعامل معه :
الأشخاص الناضجون يواجهون الواقع كما هو ويعرفون أن أقرب طريق لحل المشكلات هو التعامل معها فوراً .
3- الإهتمام بالعطاء بنفس قدر الإهتمام بالأخذ :
إن الإحساس بالأمان لدى الناضجين وجدانياً يسمح لهم بإعطاء الاعتبار لاحتياجات الآخرين ، ويسمح لهم بالبذل لهم سواء بالمال أو الوقت أو الجهد لتحسين نوعية حياة أولئك الناس الذين يحبونهم . وهم قادرين أيضاً على تقبل عطاءات الآخرين لهم . فالتوازن والنضج يسيران جنباً إلى جنب .
يتبع...