كان عمر فورد 40 عاماً، عندما بدأت الأفكار تتزاحم في ذهنه، وكان أول من فكر في بيع السيارات في صالات العرض، وبذلك بدل أن ينتظر الناس ليتصلوا، يستطيعون الحضور وتجريب السيارة. هذه الأفكار كانت ثورية في عالم صناعة السيارات. وقد مر 20 عاماً على اختراع المهندسين الألمانيين غوتليب ديملر وكار بنز سيارات تعمل بمحرك الوقود، لكن هذه السيارات كانت للأغنياء فقط، وكانت تصنع باليد. أما حلم فورد فكان أن يصنع سيارات تكون في متناول الجميع، وليست حكراً على الطبقة الغنية، كان يريد سيارة تركبها كل عائلة بجميع أفرادها. اكتسب فورد خبرة في فن البيع والتسويق، لأنه اكتشف أن صناعة السيارات شيء وبيعها شيء آخر تماماً. وقد ذاعت شهرته في ديترويت، لكنها للأسف كانت سيئة.

رجل واحد كان يؤمن بهنري فورد يدعى الكسندر مالكولمسون وكان اهم تجار الفحم في المدينة. وتم تأسيس شركة لتصنيع السيارات التجارية، وفي 16/6/1903 تم تأسيس شركة فورد لصناعة السيارات، حيث تولى فورد منصب نائب الرئيس، وقد لعب محاسب مالكولمسون جيمس كوزنس والذي انضم إلى شركة فورد كمدير عام للشركة، دوراً مهماً في بدايات الشركة ومراحل تطورها. حصلت مواجهات بين فورد وداعميه الجدد. وكان اختلاف الرأي أن فورد يريد تصنيع السيارات بكل قطع غيارها، أما داعموه فإنهم يريدون أن تشتري الشركة قطع الغيار. وخسر فورد المعركة.

بدأت الشركة بتصميم السيارات بشكل واسع، وبدأ التطور شيئاً فشيئاً من سيارات فورد A التي تم إنتاج 600 سيارة، منها في السنة الأولى، تبعتها السيارات B,C,F,K,R and S وكانت الأحرف الناقصة موديلات لسيارات لم ترق إلى مستوى الإنتاج، ولم تمض فترة بسيطة حتى كانت سيارات فورد A في الأسواق العالمية وجذبت الانتباه من أنحاء العالم.

كان هنري فورد مهندساً بالخبرة، لذلك لم يكن باستطاعته قراءة الرسومات الهندسية، لذلك كان يعمل بحدسه وهذا سبب إزعاجاً لشركائه.وبعد تطور الشركة نوعاً ما، عاد فورد إلى حلمه القديم وهو تصنيع سيارات بعدد كبير وبسعر قليل. ومن دون أن ينتظر مناقشة الموضوع مع شركائه أعلن في صحف ديترويت في ربيع 1905 أنه يستطيع أن يصنع 10000 سيارة تباع الواحدة منها بسعر 400 دولار. وسبب ذلك دهشة وغضباً بين الشركاء وأصبحت القطيعة حتمية.

جمع فورد الشركاء واشترى 85 في المئة من الأسهم، وبقي معه جيمس كوزنس. وبذلك حقق حلمه الذي بدأ منذ رحيله من شركة ديترويت للسيارات. ويقول هنري عن ذلك "لقد استقلت، واتخذت قراراً بألا أتلقى أوامر من أحد".بدأ بالتوسع وسيارته الجديدة كانت كلها من فورد من الالف إلى الياء، وظهرت سيارة T، وبدأ التسويق عبر الإعلانات والمقابلات الصحفية، وبدأ ببناء المصانع خارج الولايات المتحدة.كثرت التهكمات على سيارات فورد، وبدأ الناس بنعتها بنعوت مضحكة، لكن فورد لم يأبه لذلك طالما أن الناس تشتريها.

وبما أن النجاح يجلب المشكلات والضغوط، فقد كانت شركته تحت ضغط تنفيذ وعودها المعلنة في كل مكان، وتم حل هذه المشكلات عندما قرر فورد صناعة السيارة بطريقة التجميع. إذ كانت فلسفته "يجب جلب العمل إلى العامل، وليس العامل إلى العمل". تمت القطيعة بين جيمس كوزنس وهنري فورد العام 1915 بعد الحرب العالمية. وفي العام 1919 أصبح ادسيل ابن هنري فورد، رئيساً لشركة فورد واستمر هنري بإدارة الشركة على الرغم من وجود ابنه. وفي العام 1932 تم إنتاج 2.011.521 سيارة، وكان تصنيع السيارة الواحدة يستغرق نصف المدة التي يستغرقها تصنيع السيارة الثانية في الولايات في ذلك الوقت "شيفروليه".

عن التغيير المستمر يقول فورد "نحن لا نغير لمجرد التغيير، لكننا نغير عندما يثبت أن التغيير هو أفضل من الطريقة القديمة". وقد استطاع أن يثبت نظريته، التي راودته منذ الطفولة. توسعت "فورد" وكانت قد بدأت بتصنيع سيارات الشحن العام 1917، لكن حصول هبوط فجائي في مبيعات سيارات موديل T بحوالي نصف مليون دولار، دفع الشركة في العام 1927 إلى الإعلان عن التوقف عن تصنيعها.حصل إضراب للعمال في مايو من العام 1937، وبعدها تحول إلى تمرد على الظروف التي يعيشونها. وسمي التمرد معركة "ريفر روج". وفي العام 1941 دخلت الولايات الحرب العالمية الثانية وتحولت مصانع فورد إلى تصنيع آلات الحرب. وفي العام 1943 توفي ابن هنري فورد بسبب سرطان المعدة، وعاد هنري كرئيس للشركة. وبعد سنتين أصبح حفيد هنري فورد، هنري الثاني رئيساً للشركة.

توفي هنري فورد في 4/7/1947 عن عمر يناهز الـ 83 سنة. وفي العام 1959 تم تصنيع السيارة الرقم 50 مليوناً. وفي العام 1967 تم طرح سيارة "فييستا" من شركة فورد. نشأ تعاون بين شركة فورد وشركة مازدا في العام 1979. توفي هنري الثاني العام 1987، وبعدها أنشأت فورد علاقة تعاون مع الشركة الألمانية "فولكسفاكن". ودخلت الأكياس الهوائية في جميع سيارات فورد، وفي العام 1949 وافق وكلاء شركة نيسان على بيع سيارات فورد في اليابان.

يثبت لنا فورد أن الفشل في البداية لا يعني اليأس، هو مثال حي على إنسان آمن بفكرة ومبدأ وعمل لها بكل جهد وعزيمة حتى عندما كانت المصادر معدومة. حلمه هذا أوجد ملايين الوظائف للبشر، وأصبحت السيارة في متناول الجميع. وكما كان يقول "أريد أن تصبح السيارة كالحصان والبعير والعربات في متناول الجميع، وأي شخص يستطيع شراءها واستعمالها".











المرجع: حكايات كفاح
اسم الكاتب: كفاح فياض
دار النشر: قرطبة للنشر و التوزيع
سنة النشر: 1426ه - 2005م
رقم الطبعة: الطبعة الأولى
رقم الصفحة: 41 - 46
كلمات مفتاحية: الإصرار – الإيمان بالفكرة – التسويق – المبيعات – مواجهة الضغوط - التغيير - المرونة
أرسل بواسطة: داري قدور
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=436