بلغت الأمور ذروتها عند هنري فورد في العام 1891، وقرر الرحيل من الحقل إلى ديترويت مع زوجته.
ومن محاسن المصادفات التقى هنري زميلاً قديماً، وأدى ذلك إلى توظيفه كمهندس في شركة أديسون للكهرباء في ديترويت، وكان فجر الكهرباء قد ابتدأ بالبزوغ. وعلى الرغم من أن هنري تعلم الكثير من عمله الجديد إلى درجة انه أصبح خلال 4 سنوات رئيساً للمهندسين في محطة الكهرباء، إلا أن شغفه بالمحركات وعملها كان طاغياً في حياته، وكان يحاول صنع واحد في مطبخ المنزل. وفي العام 1893 رزق وكلارا بولد أسمياه "ادسيل".

تعلم هنري فورد كيفية صنع المحركات ببطء شديد وجهد كبير، ولم يكن ذلك سهلاً لأنه بدأ من الصفر تقريباً. وتعاون هنري مع ميكانيكي آخر اسمه جيم بيشوب، ونجح الإثنان في تصميم سيارة تسير على الطريق بعد سنتين من الأبحاث. كانت السيارة عبارة عن دراجة هوائية وضعا لها محركاً مربوطاً بحزام مطاطي بالعجلة الخلفية وأسمياها "الدراجة ذات العجلات الأربع". وكانت التجربة الأولى في شهر يونيو 1896، وكان الطقس يومها سيئاً جداً. وعندما كانت السيارة جاهزة، كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحاً، ولم يستطع الاثنان الانتظار على الرغم من التعب بعد السهر الطويل والمتواصل. وعندما حاولا إخراجها من الباب كان حجمها أكبر من الباب فتناول هنري مطرقة، وكان قد فقد صبره، وكسر الحائط الذي يحيط بالباب لإخراجها.

وهكذا نزلت أول سيارة لفورد إلى الشارع في الرابعة صباحاً. وكان منظر "فورد المجنون" كما كانوا يسمونه غريباً ومضحكاً، حيث كان يقود السيارة مع زوجته وابنه البالغ من العمر 3 سنوات، واصبح منظره في ديترويت مألوفاً، ولأنه يحب التطوير الدائم باع السيارة بـ 200 دولار ليصنع سيارة أفضل. واجه هنري فورد موقفاً يتطلب منه قراراً صعباً. فعلى الرغم من أن شركة أديسون كانت لا تتدخل في حياة موظفيها الخاصة، لكنها لم تكن مرتاحة إلى ما يفعله هنري بعد الدوام، بخاصة أنها علمت أنه باع السيارة وتاجر بها. وحاولت ترقيته إلى وظيفة مدير عام للمحطة شريطة أن يترك العمل بعد الدوام.

كانت الترقية بالنسبة إلى هنري زيادة كبيرة في الراتب، وذلك يعني انه يستطيع أن يشتري المعدات اللازمة، ويستأجر مكاناً كبيراً لتصميم السيارة الجديدة، لكن حسب الشرط كان صنع سيارة جديدة هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أن يفعله. وإذا أراد أن يصنع سيارات عليه تأمين أموال وشركاء، فيما هو يحتاج إلى راتب مضمون يعيل به عائلته. بعد 10 أيام لم ينم فيها هنري فورد ولم يغمض له جفن، وجد ضالته عندما عثر على من يدعمه وهو وليام مورفي الذي كان تاجراً للخشب، مع بعض التجار.

وتم تأسيس شركة ديترويت للسيارات. عندها استقال هنري فورد، البالغ من العمر 36 عاماً، من شركة أديسون، واصبح كبير المهندسين في الشركة الجديدة، وكان الثمن أنه قبل براتب أقل.

على الرغم من أن فورد كان بارعاً في هندسة السيارات، إلا أنه لم تكن لديه خبرة في إدارة الأعمال، بخاصة أنه لم يكن بارعاً في الحسابات والأرقام. فاجأته الحقيقة وحجم المصاريف في الحياة العملية، إذا كان شخصاً لا يحب العمل مع الآخرين، ولا يجب أنه يعارضه الآخرون، ويعتبر أنه إذا لم يوافق الآخرون 100 في المئة معه فمعنى ذلك انهم ضده. بذلك كانت شخصيته تحتوي على العبقرية، وكذلك على ثقة في النفس تصل إلى حد الغرور.

كان يعتقد بأنه دائماً على حق، ما جعل داعميه في حالة ضجر منه، بخاصة أنه خلال 15 شهراً لم يتم تصنيع سوى بعض السيارات، فيما الشركة مثقلة بالديون. وعندما ضاقوا ذرعاً به اجتمع الشركاء المديرون وقرروا في شهر نوفمبر تصفية الشركة وبيع المعدات، وطرد هنري فورد من منصبه. ولم يحضر هنري الاجتماع، وقال لزميل له "إذا سألوا عني، قل أنني تركت المدينة"، لأن هناك شيئاً واحداً لا يطيقه وهو أن يقول له أحد أنه فشل.

كانت هذه المرحلة أسوأ المراحل التي مر بها فورد، لقد فشل وصار عاطلاً عن العمل، على الرغم من أنه لم يعترف بذلك ولم يستطع أن يؤمن المتطلبات الحياتية لعائلته، فانتقلوا إلى منزل والده، وبدأ القلق يتسرب إلى نفس كلارا خوفاً على مستقبل العائلة. بعد شهور من الاحباط، استطاع فورد أن يقنع بعض الممولين من الشركة القديمة بتأسيس شركة لتصميم سيارات للسباق. وعلى الرغم من أنه كان مقتنعاً بتصميم سيارات وبيعها بسعر منخفض، إلا انه رضخ لتصميم سيارات مكلفة كسيارات السباق لأنها كانت رغبة الشركاء.

كانت سيارات السباق التي صممها فورد ناجحة، وأصبح بطلاً للسباقات لأنه كان يقود واحدة منها في العام 1901. ودامت الشركة الجديدة 16 شهراً قبل أن يختلف فورد مع الذين دعموه مرة ثانية. واستمرت من دونه، وتمت تسميتها باسم أصبح شهيراً في تصنيع السيارات الفخمة "كاديلاك". استمر فورد في تصميم سيارات السباق بدعم من متسابق كان يعرفه، فاز بجائزة مادية اسمه توم كوبر. لكن هذه العلاقة لم تدم طويلاً، وأصبح الناس يرونه كجالب للنحس. فعلى الرغم من كونه ميكانيكياً بارعاً، إلا أنه كان من الصعب أن يتأقلم مع الناس.











المرجع: حكايات كفاح
اسم الكاتب: كفاح فياض
دار النشر: قرطبة للنشر و التوزيع
سنة النشر: 1426ه - 2005م
رقم الطبعة: الطبعة الأولى
رقم الصفحة: 36- 41
كلمات مفتاحية: تحدي الفشل – التكيف مع الظروف – اصرار - تحدي
أرسل بواسطة: داري قدور
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=435