كان جون قد وفر مبلغ 800 دولار واقترض من والده مبلغ ألف دولار، الذي أخذ منه نسبة 10 بالمئة فائدة. هنا، تعلم جون أكثر فأكثر أن العمل يختلف عن العاطفة. حتى والده أقرضه واستفاد منه. الشركة التي أسسها مع موريس كلارك كناية عن تجارة السلع بالوساطة "السمسرة"، وأهم السلع التي يتاجرون بها هي التبن، الحبوب، اللحم وغيرها. تطور العمل وكان الدخل جيداً إلى أن تم اكتشاف النفط العام 1859 في غربي ولاية بنسلفانيا، وقد ولد هذا الاكتشاف شبه انفجار في مراكز تكرير النفط في المنطقة، ما دفع روكفلر وشركاءه إلى تأسيس مركز تكرير للنفط، وذلك في العام 1863.

لم يكن لتكرير النفط هيبته في شركة روكفلر، وكان يعتبر عملاً جانبياً وإضافياً، لأن جون كان يربح كثيراً من تجارة الحبوب. وفي تلك الأيام أحس برغبة في الاستقرار فقرر الزواج، وفعلاً تزوج من لور سليستاين سبيلمان، التي كان يعرفها من أيام الدراسة. كان سلوك زوجته التي تعمل كمعلمة مدرسة يشبهه إلى حد بعيد في الالتزام والانضباط وحدة الذكاء. يقول "لورا امرأة رائعة، ولولا نصائحها لي لكنت رجلاً فقيراً ومعدماً".

شيئاً فشيئاً تحول روكفلر من تجارة الحبوب، وبدأ يهتم بالدم التجاري الجديد: النفط، الذي بدأ يأخذ مكانته كذهب أسود في الولايات المتحدة. وقرر جون ضمنياً أن يكون سيد النفط الأول في الولايات المتحدة. كانت الصناعة في تلك الأيام مفككة وغير فعالة، ما أعطى روكفلر الفرصة لأن يحسن في الكثير من الأمور بفضل انضباطه ورغبته وطموحه وإدارته وقبضته الحديدية.

في هذه الأثناء، كان جون يفكر في كل سنت وكيفية توفيره لتحقيق أرباح أفضل.فقد استأجر مركبات التحميل، وقام بتصنيع براميل النفط ليوفر المصاريف، وبالفعل هبطت تكلفة البرميل الواحد من دولارين ونصف الدولار للبرميل الواحد إلى 96 سنتاً. وعلى الرغم من ذلك استمر جون بالضغط للوصول إلى فعالية أفضل بتكلفة أقل. وقد صادف أن زار أحد مصانعه لصناعة براميل النفط، فلاحظ أن العمال يصنعون البرميل من 40 سبيكة لحام، فاقترح عليهم أن يجربوا 38 سبيكة فتبين أنهم يحتاجون فعلاً إلى 39 سبيكة. فقال له أحد شركائه، هل يعقل أن توفر سبيكة واحدة في كل برميل؟ فرد عليه جون روكفلر: هذه السبيكة ستكلفنا ثروة على المدى البعيد.

نجحت فكرة محطـة تكرير النفط، وبدأت أحلام جون روكفلر تكبر، وقرر مـع شركائـه بناء امبراطورية. وفي العام 1870 أصبح عـمر جون 31 عامـاً، فأسس مع شركائه شركة "standard Oil". كان يعتبر أن التجارة تحتاج إلى الحذاقة والشطارة، والاستفادة من الفرص. لذا بدأ بالتعاون مع صديقه وشريكه "هنري فلاغر" في شراء جميع محطات تكرير النفط الموجودة في الولايات المتحدة، وضمها تحت رايته. وعندما تواجهه صعوبة في شراء المحطات الأخرى كان يستعمل الحيل التجارية ليجبرها على الإقفال.شكل روكفلر فريقاً معاوناً مع شركات سكك الحديد، واستطاعت شركة "ستاندرد أويل" الحصول على أجور الشحن التي تعطى للمنافسين، ما جعل منافسته أمراً صعباً ومتعباً أشبه بالانتحار. وكان يستغل جون هذه الفرص ويطلب منهم الانضواء تحت رايته.

كذلك كان جون إنساناً لا يرحم في عمله، إلى حد أن أخاه فرانك روكفلر، الذي كان أحد منافسيه، سحق تماماً تحت نفوذ جون وسلطته، تاركاً إياه في عيشة مريرة وقاسية. أما أخوه الآخر ويليام، والذي وافق على العمل معه حوله إلى مليونير.









المرجع: حكايات كفاح
اسم الكاتب: كفاح فياض
دار النشر: قرطبة للنشر و التوزيع
سنة النشر: 1426ه - 2005م
رقم الطبعة: الطبعة الأولى
رقم الصفحة: 179 - 182
كلمات مفتاحية: قرار – تغيير - التزام – انضباط – فاعلية –فعالية – الاستفادة من الفرص
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=484