كيف تخطط لحياتك ؟

' كان يمشي حافي القدمين تائها لما رأى على مسافة منه جملا عليه أسباب نجاته , ماء وطعام , فانطلق يجري يسرع الخطا ليدركه , فأصابت الأحجار قدميه فأدمتها فنظر إلى قدميه لحظة ليرى أثر الجراح فغاب الجمل عن ناظريه ومات لغفلة لحظة '.
' لحظة نظر إلى جراح قدمين كلفت رجلا حياته ' , نموذج يتكرر كثيرا في عالم اليوم فلا شك أن لكل واحد منا هدف يسعى إلى تحقيقه , ويبذل قصارى جهده للوصول إليه , ولكن مع توالى الأيام والشهور يكتشف المرء منا أن وقته غير كاف لتحصيل هذا الهدف وتتوالى العبارات تباعا: ' لدي الكثير من الأعمال والقليل من الأوقات ' ' ليس هناك ما يكفي من الوقت للانتهاء من العمل ' ' لا يهم كم من الساعات أقضي في العمل فهو أبدا لا ينتهي '.
وينتهي المطاف بعد تلك العبارات إلى الشعور بالفشل ومن ثم ضياع الهدف.

عزيزي القارئ: إن الوقت هو جوهر الوجود لكن أغلب الناس لا يستثمرونه الاستثمار الصحيح ومن ثم يعيشون في دائرة مفرغة ليس لها نهاية , حتى يكتشفوا أن أحلامهم وآمالهم وأهدافهم ما زالت بعيدة عنهم رغم ما بذلوه من مجهود.
فكيف السبيل إلى تحقيق أهدافنا في أقل وقت وبأقل جهد ؟!!
* حتى تحقق هدفك لا بد أن تسيطر على وقتك:

' أريد أن أكون........' في داخل كل منا عبارة تتردد ترسم هدفه تبدأ كبيرة ثم لا تلبث أن تزول فلم لا تتحول أهدافنا إلى واقع ملموس ؟!! إن أهدافنا ما هي إلا أحلام وأماني ما ظلت مطلقة بلا زمن لتحقيقها.
إن الهدف لكي يكون ممكن التحقيق ينبغي أن يكون محددا من حيث الحجم والوقت فإن الهدف والوقت متلازمان تماما فلا يمكن أن تحقق واحدا دون الآخر.

فالشخص الذي حدد أهدافه في الحياة هو الشخص الوحيد القادر على إدارة وقته بكفاءة واقتدار بحيث يحقق أقصى استفادة منه وعلى الجانب الآخر لا بد لمن حدد أهدافه أن تكون لأهدافه نقاط بدء ونقاط انتهاء وذلك بوضع فترات زمنية محددة لتحقيق هذه الأهداف.

يقول الدكتور/ إبراهيم الفقي: لا بد لهدفك من إطار زمني فبالوقت يمكنك أن تحقق أهدافك'.
وليس أدل على ذلك مما وضحه الله تعالى لنا في كتابه الكريم حيث حدد لنا الهدف ' دخول الجنة ' ثم وضع لنا إطارا زمنيا لا بد أن يتحقق فيه وهو الدنيا فقال تعالى :' وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ' .
فإذا كان الهدف الأعظم في الحياة وهو دخول الجنة لا يتحقق إلا من خلال فترة زمنية محددة فكيف بالأهداف الأخرى ؟!!
إذا لا بد لكل من وضع لنفسه هدفا أن يحدده بوقت معين فالأهداف التي لا تملك إطارا زمنيا ما هي إلا أمنيات وإذا نحن أقررنا بذلك فلا بد لنا من الإجابة على السؤال الذي يطفو على السطح مباشرة ألا وهو:

هل نحن نمتلك الوقت الكافي لتحقيق أهدافنا ؟!!
* نحن نمتلك كل الوقت الذي نحتاجه:
' كنت سأفعل كذا لو كان لدي وقت ' ' سأفعل كذا يوما عندما يكون لدي الوقت '
إن فكرة أن الناس قد أوشكوا على استنفاذ كل الوقت فكرة واسعة الانتشار لكنها غير صحيحة على الإطلاق فالشكوى من نفاد الوقت محاولة عقيمة وإهدار كامل للوقت والطاقة فكل شخص لديه أربع وعشرون ساعة في اليوم أي ألف وأربعمائة وأربعون دقيقة فقط [ 1440 د.] لا أكثر ولا أقل وقد تتمنى أن تحصل على المزيد من الوقت أكثر مما لديك ولكن هل تظن أن هذا ممكن ؟
إن الوقت من الأمور التي يتساوى أمامها كل الناس فأنت لديك من الوقت مثل ما كان للإمام ابن الجوزي مثلا الذي قال عن نفسه :' كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلد وتاب على يدي مائة ألف وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني.
ولديك مثل ما كان للإمام ابن جرير الطبري الذي مكث أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة حتى أنه رحمه الله كتب ما يقرب من خمسمائة وأربع وثمانون ألف ورقة [584000].
ولديك أيضا مثل ما كان لدى ابن الهيثم وابن النفيس ونيوتن وأينشتاين وغيرهم.
فكل الناس يمتلكون نفس الوقت ولكن من هم الذين يستغلون ما لديهم ؟!!
* الوقت يضيع أو يستثمر لكنه أبدا لا يدخر:


في سلسلة سباقات الخيل ' تريبل كراون ' للخيول البالغة خلال سباقات 1989 كانت الجائزة قدرها خمسة ملايين دولار للجواد الفائز في السباقات الثلاثة فإذا فشلت الخيول في الفوز بالسباقات الثلاث أعطي مليون دولار لأفضل الخيول التي سجلت أعلى الأرقام في السباقات الثلاث وكانت أفضل الخيول الموجودة في الميدان هما ' صنداي سيلنس ' و ' إيزي جور ' فاز ' صنداي سيلنس ' في السباق الأول بسهولة كما فاز ' إيزي جور ' في السباق الثالث وفي هذين السباقين احتل كل منهما المركز الثاني بالتبادل وكان الاختلاف في السباق الثالث : تنافس الجوادان في هذا السباق منافسة مثيرة على طول المضمار وكان في مقدمة الخيول الأخرى وفي النهاية فاز ' صنداي سيلنس ' بالسباق ' وبالتالي بالمكافأة ' بفارق مسافة الأنف وكانت جائزة المرتبة الأولى في هذا السباق 700 ألف دولار بالإضافة إلى مليون دولار ليصل المجموع إلى مليون وسبعمائة ألف دولار وكانت جائزة المرتبة الثانية سبعون ألف دولار حصل ' صنداي سيلنس ' على ما يعادل خمس وعشرون مرة ضعف ما حصل عليه ' إيزي جور ' فهل كان ' صنداي سيلنس ' أفضل من ' إيزي جور ' بما يعادل خمس وعشرون مرة ' ؟ بالطبع لا فعلى مدى ثلاثة سباقات كان أحد الجوادين أفضل من الآخر بمقدار بوصتين ' بصريا لم يكن هناك اختلاف ' ولكن العائد كان أكبر بمقدار خمس وعشرون مرة.
ثانية من الزمن [ مسافة أنف ] استثمرها ' صنداي سيلنس ' كانت سببا في مليون وسبعمائة ألف دولار

إن من خصائص الوقت أنه لا يمكن أن يدخر ولكن يمكن استثماره أو تضييعه ومن هنا جاء حرص السلف الشديد على الاهتمام بالوقت فقد وصى الإمام ابن الجوزي في وصية من وصاياه الثمينة التي حوتها رسالته القيمة ' رسالة إلى ولدي ' والتي أوصى بها ابنه أبا القاسم بدر الدين قائلا:' واعلم أن الأيام تبسط ساعات والساعات تبسط أنفاسا وكل نفس خزانة فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء فترى يوم القيامة خزانة فارغة فتندم '.
وكانوا يقولون:' من علامات المقت إضاعة الوقت '.
ويقولون:' الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك '.
وتتغير الألفاظ ولكن معانيها تبقى واحدة وهي:' الليل والنهار حثيثان يعملان فيك فاعمل فيهما '
الهدف لا بد له من وقت , والوقت بين مستثمر ومضيع , فيكون السؤال:
كيف نستثمر أوقاتنا لتحقيق أهدافنا ؟
* لتستثمر الدقائق عليك بحكمة التخطيط:

' لو كنت اشتريت تلك الأداة لكان العمل أبسط ' ' لماذا لم أتذكر المراجعة مع العميل عندما كنت في هذا الجانب من المدينة الآن علي أن أقوم برحلتين '
لا بد أنك مررت بمواقف من هذه الشاكلة تؤكد لك أن الوقت يضيع كل يوم بسبب الافتقار إلى استثماره الاستثمار الأمثل.

عزيزي القارئ: لا سبيل لتحقيق الاستثمار الأمثل لتلك الدقائق إلا بالتخطيط
فهل تعلم أن كل دقيقة نقضيها في التخطيط يقل الوقت المطلوب بمعدل دقيقة إلى أربع دقائق فإذا قضيت عشر دقائق يوفر من الوقت حوالي 30 إلى 40 دقيقة وإذا قضيت ساعة واحدة فأنت توفر من الوقت قرابة ثلاث إلى أربع ساعات !!
وبالتالي يمكن أن تتحكم 15 دقيقة من التخطيط بفاعلية يوم كامل من العمل.
وكثيرا ما يقول الآخرون إن التخطيط مضيعة للوقت وأقول لك أنك إذا اعتقدت أنك لا تملك الوقت للتخطيط فاعلم أن التخطيط يمنحك المزيد من الوقت وضع هذه الحكمة أمام عينيك دائما:

' إذا قضيت الدقائق بحكمة ستعتني الساعات والأيام بنفسها