إن الصفات الحميدة الأخلاقية المثالية والصفات الأخلاقية الذاتية أمثلة على التصورات الذهنية الاجتماعية، ويعود أصل الكلمة في اللغة الإنجليزية إلى اللغة اليونانية، وكانت الكلمة في الأصل تعبر عن مصطلح علمي، في حين أنها أصبحت تستخدم الآن بصورة شائعة لتعني نموذجاً، أو نظرية، أو إدراكاً أو إفتراضاً، أو إطاراً مرجعياً، وفي معناها الأكثر عمومية فإنها تعني الطريقة التي "نرى" بها العالم – ليس بمعنى حاستنا البصرية للرؤية، بل بمعنى الإدراك، والفهم، والتفسير، وأبسط وسيلة لفهم التصورات الذهنية !! هو النظر إليها على أنها خرائط . إننا نعلم جمعيا أن "الخريطة ليست هي الإقليم". فالخريطة هي ببساطة شرح لمظاهر معينة للإقليم وهذا هو التصور الذهني بدقة. إنه فكرة، شرح أو نموذج لشيء آخر.

لنفترض أنك ترغب في الوصول إلى موقع محدد في وسط شيكاغو، ومن هنا فإن خريطة شوارع المدينة ستكون ذات فائدة كبيرة لك للوصول إلى مقصدك. غير أنه بافتراض تسلمك خريطة أخرى خاطئة لمدينة "ديترويت" طبع عليها بالخطأ اسم مدينة "شيكاغوا " فهل لك أن تتخيل مدى الإحباط والجهد المبذول دون جدوى للوصول إلى مقصدك؟

إنك فد تعتمد على سلوكك – فقد تبذل جهداً أكبر، وتصر على المثابرة، وتضاعف من سرعتك، غير أن جهودك لن تحقق النجاح سوى في إيصالك إلى المكان الخطأ في سرعة أكبر. إنك قد تعتمد على توجهك – فقد تنمو إلى مزيد من التفكير الايجابي. وبالرغم من أنك لن تصل إلى المكان الصحيح، فلعلك ستصر على المضي قدماً. إن توجهك على قدر من الايجابية التي تجعلك سعيداً أينما كنت، وتبقى الحقيقة... إنك ما زلت تائهاً. إن المشكلة الجوهرية ليست بذات صلة مطلقاً سواء بسلوكك أو توجهك. إنها لها كل الصلة بالخريطة الخطأ التي في حوزتك.

أما إذا كانت لديك الخريطة الصحيحة لشيكاغو، فحينئذ تكتسب المثابرة أهميتها، وعندما تواجه عقبات مثيرة للإحباط خلال سعيك، فحينئذ يلعب التوجه دور فارقاً حقيقة، غير أن المطلب الأول ذا الأهمية القصوى يتمثل في دقة الخريطة. لقد واجهت هذا التدريب لأول مرة منذ سنوات عديدة في كلية التجارة بجامعة هارفارد، وكان المحاضر يستشهد به ليستعرض في وضوح وبلاغة أن شخصين يريان نفس الشيء يمكن أن يختلفا، ومع ذلك يكون كل منهما على صواب. إن هذا الأمر لا يخضع لعلم المنطق ولكن لعلم النفس.

لقد أحضر المحاضر رزمة من البطاقات ذات الحجم الكبير، يحمل نصفها صورة المرأة الشابة التي رأيت صورتها أولاً بصفحة 32 ويحمل النصف الآخر صورة المرأة العجوز المنشوره بالصفحة 62.
ومررهما على الدارسين بالفصل مخصصاً صورة المرأة الشابة لجانب منه وصورة المرأة العجوز للجانب الآخر، وطلب منا المحاضر النظر إلى البطاقات، والتركيز عليها لمدة عشر ثوان ومن ثم إعادتها إليه، وبعدئذ عرض على الشاشة الصورة التي رأيتها بصفحة 32 جامعاً بين الصورتين طالباً من الحاضرين وصف ما يرونه وكانت النتيجة إن كل شخص تقريباً من الذين رأوا أولاً صورة المرأة الشابة في البطاقة، رأوا أيضاً نفس الصورة على الشاشة، وبالمثل كان كل شخص تقريباً من الذين رأوا صورة المرأة العجوز أولاً في البطاقة، رأوا أيضاً صورتها على الشاشة.

عند ذاك سأل المحاضر أحد الطلبة أن يشرح ما رآه لطالب في الجانب المقابل من الصف الدراسي، وبعد أن تبادلا الحديث، اشتعلت مشكلات الحوار. "ماذا تقصد بأنها سيدة عجوز؟ إنها لا يمكن أن تتجاوز العشرين أو الثانية والعشرون عاماً!"
"على رسلك!! لابد أنك تمزح. إنها في السبعين – بل تكاد تقترب من الثمانين!".
"ماذا دهاك؟ هل عميت؟ إن هذه السيدة شابة، وحسنة المظهر!"
"حسنة المظهر! بل إنها عجوز شمطاء"

وهكذا مضت المجادلة بين أخذ ورد، وكل شخص واثق ومتمسك بموقفه أو موقفها. لقد حدث كل هذا بالرغم من توفر ميزة على قدر بالغ من الأهمية أمام الطلبة – فقد كان معظمهم يعلم مسبقاً عن طريق العرض الذي تم بوجود وجهة نظر أخرى في الواقع – وهو الأمر الذي لم يحظ بإقرار معظمنا. ومع ذلك فقد حاول قليل من الطلبة، منذ البدء، محاولة النظر إلى هذه الصورة عبر إطار مرجعي مختلف. وبعد فترة من المناقشات غير المثمرة، توجه أحد الطلبة إلى الشاشة وأشار إلى خط على الرسم."

هذه هي قلادة المرأة الشابة "عندها أجاب طالب آخر، "لا، إنه فم المرأة العجوز "وشيئاً فشيئاً شرعاً في مناقشة نقاط الاختلاف بهدوء حتى نهض آخر الأمر واحد من الطلبة ، وتبعه آخر لدى إدراكها الحقيقة فجأة حين ركزا على صورتي المرأتين، ومع نواصل النقاش الهادئ والموضوعي والمتسم بالاحترام، أصبح بإمكان كل من بالفصل رؤية وجهة النظر الأخرى، غير أنه حينما وجهنا النظر بعيداً عن الصورة التي كان معداً وموجهاً لأن يراها جميعنا في غضون العشر ثوان.











المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر:مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 29-35
كلمات مفتاحية: تغيير الصورة الذهنية – تغيير إطار التفكير - توسيع المدركات - الناس متشابهون لكن إدراكهم مختلف
أرسل بواسطة: وليد اليوسف
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=114