ربما كان من أهم المفاهيم التي يكن اكتسابها من عرض المدركات تتركز في مجال تغيير الصورة الذهنية، والذي يمكن أن نطلق عليه تجربة "آهاّ" (الإدراك المفاجئ) حينما "يرى" شخص ما في نهاية المطاف الصورة المركبة بطريقة أخرى، وكلما كان الشخص أكثر ارتباطاً بالمدركات الأولية، كلما كانت تجربة "آهاّ" أشد قوة. إنها أشبه ما تكون بضوء يسطع فيه داخل الشخص.

وقد نشأ مصطلح تغيير الصورة الذهنية مع ( توماس كوهن ) Thomas Kuhn الذي صكه في كتابه الذائع الصيت هيكله الثورات العلمية وأوضح كوهن كيف أن كل اختراق مهم في مجال الجهود العلمية هو في المحل الأول اختراق للتقاليد، وللطرق العتيقة في التفكير والتصورات التي عفى عليها الزمن.

وسواء كانت تغييرات الصورة الذهنية تقودنا لاتجاهات ايجابية أو سلبية، أو كانت ناجمة عن طفرة أو تطور تدريجي، فإنها تنقلنا من طريقة لرؤية العالم إلى طريقة أخرى، كما أن تلك التغييرات تخلق تغيراً قوياً وسواء كانت تصوراتنا سليمة أو خاطئة، فإنها تشكل المصادر لتوجهاتنا، وسلوكياتنا، وفي نهاية المطاف لعلاقاتنا مع الآخرين.

وبهذا الصدد فإنني أتذكر تجربة خضتها صباح يوم أحد في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك أسفرت عن تغيير صورة ذهنية طفيف. كان الركاب جالسين في سكينة – بعضهم يقرأ الصحف، وبعضهم مستغرق في التفكير، وآخرون مغمضين أعينهم في استرخاء، وكان الجو ساكناً ومفعماً بالهدوء.
وفجأة صعد رجل يصحبه أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم عربة القطار ونقلها على الفور من حال إلى حال. جلس الرجل إلى جانبي، وأغلق عينيه غافلاً على ما يبدو عن الموقف كله. كان الأطفال يتبادلون الصباح، ويتقاذفون بالأشياء، بل ويجذبون الصحف من الركاب. كان الأمر مثيراً للإنزعاج، ورغم ذلك استمر الرجل في جلسته إلى جواري دون أن يحرك ساكناً.

كان من الصعب ألا أشعر بالضيق، لم أكن أصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون ضابط، دون أن يفعل شيئاً، ومتخلياً عن مسئوليته تماماً، وكان من اليسير أن تلمس أيضاً ما يشعر به الركاب الآخرون من ضيق. وأخيراً، وبقدر غير معتاد من الصبر وضبط النفس، التفت إلى الرجل قائلاً، "إن لم تستطع أن تكبح جماحهم أكثر من ذلك؟

"فتح الرجل عينيه كما لو يعي الموقف للمرة الأولى وقال في لطف، "نعم، إنك على حق. يبدو أنه يتعين عليّ أن افعل شيئاًَ إزاء هذا الأمر. لقد قدمنا لتونا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسنا الأخيرة منذ ساعة واحدة. إنني عاجز عن التفكير، وأظن أنهم لا يدرون كيف يواجهون الموقف ايضاً."

هل لك أن تتخيل شعوري آنئذ؟. لقد حدث تغيير للصورة الذهنية. لقد رأيت الأمور مختلفة فجأة، ونظراً لأنني رأيت بصورة مختلفة فجأة، وتصرفت بصورة مختلفة، فقد فكرت بصورة مختلفة، وأحسست بصورة مختلفة، وتصرفت بصورة مختلفة. لقد أنفثأ غضبي. لم أعد أعبأ بالتحكم في توجهي أو في سلوكي، وأمتلأ قلبي بآلام الرجل، وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود. "هل ماتت زوجتك للتو؟ إنني آسف! هل تتحدث معي بشأنها؟ هل يمكنني المساعدة؟" لقد تغير كل شيء في لحظة.

وهكذا يبدو بجلاء أنه إذا رغبنا في إجراء تغييرات طفيفة نسبياً في حياتنا، فلربما استطعنا التركيز بطريقة ملائمة على توجهاتنا وسلوكياتنا. أما إذا رغبنا في إجراء تغيير جوهري وكمي، فإنه يتعين أن تنصب جهودنا على تصوراتنا الذهنية الأساسية، ووفقاً لكلمات ثورو Thoreau، "مقابل ألف ضربة على أوراق الشر، تأتي ضربة واحدة على الجذور". إننا نستطيع تحقيق تقدم كمي في حياتنا فقط حال تركنا توجيه الضربات إلى أوراق التوجه والسلوك والتركيز على الجذور، على المعايير إلى تنبثق عنها توجهاتنا وسلوكياتنا.









المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 38-41
كلمات مفتاحية: توسيع المدركات – تغيير الصورة الذهنية – الناس متشابهون لكن إدراكهم مختلف – تغيير التوجهات والسلوكيات
أرسل بواسطة: محمد طه
رابط القصة : http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=115