إن القدرة على إخضاع اندفاعه ما لقيمة ما هو جوهر الشخص الذي يتمتع بروح المبادرة، فالأشخاص "الانفعاليون" تسوقهم المشاعر، والملابسات، والظروف، والبيئة المحيطة بهم، في حين أن الأشخاص المبادرين تدفعهم القيم، قيم تكون قد خضعت لتفكير متأن، قيم تم اختيارها بعد تأصلها في النفس. ولا يزال الأشخاص الايجابيون متأثرين بالمنبهات الخارجية، سواء كانت مادية أو اجتماعية أو نفسية، غير أن استجابتهم لها، سواء عن وعي أو بدونه هي استجابة أو اختيار مؤسس على القيم.

وكما لاحظ السيد إليانور روزفلت: "لا شي يجعلك تشعر بالضعة دون موافقتك"، أو كما قال الزعيم الهندي غاندي: "إنهم لا يستطيعون انتزاع احترامنا لأنفسنا إذا لم نسلمه لهم". إن ترحيبنا بالموافقة، وقبولنا لما يحدث لنا هو الذي يؤذينا في المقام الأول أكثر من الحدث الذي يلحق بنا.

إنني أقر أنه من الصعوبة بمكان قبول هذه الحقيقة من الناحية الوجدانية، خاصة إذا ما كنا قد أمضينا سنوات وراء سنوات لشرح ما نرزخ تحته من بؤس بدعوى الظروف أو نتيجة لسلوك شخص آخر، غير أنه ما لم يجاهر شخص ما من أعماقه وبأمانة تامة: "إنني على ما أنا عليه الآن بسبب اختياراتي بالأمس" فلن يستطيع هذا الشخص أن يقول: "سأختار شيئاً مختلفاً".

لقد حدث مرة حين كنت أحاضر في سكرامنتو حول روح المبادرة، أن وقفت امرأة من الحاضرين وأنا منهمك في الحديث وبدأت تتكلم في حدة. كان الجمهور غفيراً، وفي حين التفت بعضهم إليها، أدركت فجأة ما قامت به، وأصابها الحرج ثم جلست في مقعدها، وعلى ما يبدو أنها وجدت من العسير عليها ضبط نفسها فبدأت تتحدث إلى من حولها، فظهرت على ملامحها علامات السعادة.
ولاشتياقي لمعرفة ما حدث كنت أترقب بفارغ الصبر وقت الاستراحة، التي سرعان ما انتهزها وتوجهت إلى هذه السيدة فوراً، وسألتها عما إذا كانت راغبة في أن تشرك الآخرين في تجربتها.

قالت: "لن تستطيع تخيل ما حدث لي"، قالت ذلك بصوت عال، ثم أردفت: "إنني أعمل ممرضة طوال الوقت لرجل لن يبلغ أقصى تخيل لك مدى تعاسته وعقوقه. إنه لا يرضي أبدا عن أي شيء أفعله له، فلم يقل مرة كلمة تقدير واحدة، بل إنه لا يكاد يعترف بمجرد وجودي. إنه لا يكف عن ترديد ملاحظاته عني، ولا يجد صواباً في أي شيء أفعله، لقد أحال هذا الرجل حياتي جحيماً ولا أجد متنفساً لانفعالاتي سوى أفراد أسرتي. إنني والممرضات الأخريات نرزح تحت نفس المشاعر، ونكاد ندعو أن يختطفه الموت.

"ثم تجئ أنت وتقف بكل جرأة هناك وتدعى أنه لا شيء يمكن أن يصيبني بأذى، ولا يستطيع أحد ما أن يضربني بدون موافقتي، وإنني قد اخترت حياتي الوجدانية التعسة هذه – حسناً، لم تكن هناك أية طريقة لأدفع ذلك عن نفسي. "غير إنني ظللت أفكر في الأمر، لقد غصت حقاً في أعماق نفسي وبدأت أتساءل، هل لدي القوة على أن اختار استجاباتي.

"وعندما تحققت اخيراً من أنني أمتلك هذه القوة، وحينما ابتلعت مرارتي وأدركت إنني قد اخترت أن أكون بائسة، أدركت أيضاً أن باستطاعتي أن اختار ألا أكون بائسة – في تلك اللحظة هببت واقفة، لقد شعرت كأنني كالمارد الذي انطلق من القمقم، ورغبت في أن اصرخ في الدنيا بأسرها: "إنني حرة لقد خرجت من السجن! لن يسيطر عليّ أحد بعد الآن بتصرفاته."

إن ما يلحق بنا الأذى ليس هو ما يحدث لنا، بل استجاباتنا لما يحدث لنا، من الطبيعي أن بعض الأشياء تضرنا جسدياً أو اقتصادياً وتسبب لنا الحزن. غير أن شخصياتنا، وهوياتنا الأساسية، لا يتعين أبدا أن يلحق بها الضرر وفي الواقع فإن اشد تجاربنا صعوبة تصبح هي المحك الذي يحجم عود شخصياتنا، ويصقل القوة الداخلية، وحرية التعامل مع الملابسات الصعبة مستقبلاً، ويلهم الآخرين للسير على نفس الدرج.









المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 101-103
كلمات مفتاحية: التواصل مع الداخل – امتلاك المبادرة لتغيير أسلوب الحياة
أرسل بواسطة: بهاء الشيخ علي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=122