لقد عرفنا جمعينا اشخاصاً تعرضوا لظروف عسيرة، ربما لمرض مستعصي أو إعاقة جسدية جسيمة، وظلوا محتفظين بروح معنوية رائعة. كم كان تمسكهم مصدر الهام لنا! ليس هناك انطباع أقوى، وأطول بقاء عن شخص ما من إدراكه أن شخصاً آخر سما فوق معاناته، وتجاوز الظروف المختلقة، وعبر ما تمثله من قيمة تكون نبراساً وإلهاماً وسمواً بالحياة. لقد كانت أفضل الأوقات إيحاء على الإطلاق تلك التي قضيتها مع ساندرا على مدار أربع سنوات مع صديقة أثيرة لديها تدعى كارول كانت تعاني من مرض السرطان المدمر للصحة. كانت كارول إشبينة ساندرا في زفافها، وكأننا معاً مثالاً للصداقة طوال خمسة وعشرين عاماً.

وعندما كانت كارول في المراحل الأخيرة من المرض، ظلت ساندرا إلى جوارها تساعدها في كتابة مذكراتها الشخصية، ولدى عودتها إلى منزلها بعد هذه الجلسات الطويلة والصعبة كانت تفيض إعجاباً بشجاعة صديقتها ورغبتها في تسجيل رسائل خاصة تتركها لأطفالها في مراحل مختلفة من أعمارهم.

كانت كارول تتعاطى أقل قدر ممكن من العقاقير المسكنة للآلام، مما أتاح لها الاستفادة الكاملة من قدراتنا العقلية والعاطفية، ثم كانت تسجل أو تملى مذكراتها لساندرا في صوت هامس. كانت كارول تتمتع بروح المبادرة ولديها الشجاعة، وتهتم بالآخرين إلى حد أنها أصبحت مصدراً هائلاً للإلهام لكثير من الأشخاص المحيطين بها.

إنني لن أنسى قط تجربة النظر العميق إلى عيني كارول في اليوم السابق لوفاتها وما كشف عنه ذلك العذاب المبرح بلا نهاية عن شخصية ذات قيمة جوهرية مستحقة، لقد رأيت في عينيها حياة زاخرة بالاصالة، والتعاون والخدمات بمثل ما حفلت به من حب واهتمام وتقدير.

وخلال سنوات عديدة ، كثيراً ما سألت مجموعات من الناس كم منهم مر بتجربة مشاهدة اللحظات الأخيرة لشخص كان ذا توجهات عظيمة، وبذل من الحب والتعاطف وخدمة الآخرين بمختلف الوسائل التي لم يرق إليها أحد سبقه حتى نهاية حياته، وعادة ما كانت الإجابة بنعم تأتي من ربع الأشخاص، ويجئ عند ذاك سؤال آخر عن عدد الذين لن ينسوا أبدا هؤلاء الأشخاص – كم من هؤلاء الشهود حدث له تحول، ولو مؤقت على الأقل، نتيجة الإلهام الذي استقاه من تلك الشجاعة، مما أدى بهم إلى التأثر العميق والمبادرة إلى أفعال أكثر رقياً ونبلاً في خدمة الآخرين والتعاطف معهم، وكانت إجابة نفس الأشخاص ايجابية مرة أخرى، بطريقة شبه حتمية.

ويرى فكتور فرانكل أن هناك ثلاث قيم مركزية في الحياة – التجريبية، أو تلك التي تحدث لنا، "الإبداعية" أو تلك التي توجدها في الواقع، والاتجاهية، أو استجابتها في الظروف الصعبة مثل المرض المميت.وتؤكد تجربتي الشخصية مع الآخرين وجهة نظر فرانكل – إن اسمى تلك القيم هي الاتجاهية، بمعنى التصور الذهني أو إعادة التشكيل.

وبكلمات أخرى إن أكثر الأمور أهمية يكمن في كيفية استجابتنا لما نخوضه من تجارب في الحياة .وعادة ما تؤدي في الظروف الصعبة إلى تغيير في الصور الذهنية، حيث تتخلق أطر مرجعية جديدة بالكامل بها يرى الناس العالم وأنفسهم والآخرين، وما تطلبه الحياة منهم. إن هذه الرؤية الأكثر اتساعاً تعكس القيم الاتجاهية التي تسموا بنا وتلهمنا جمعياً.








المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 103-105
كلمات مفتاحية: التصور الذهني – الأطر المرجعية – اتساع مساحة الرؤية
أرسل بواسطة: عماد الشيخ حسين
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=123