في القرآن الكريم قصة نبي الله موسى مع الخضر(فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها جئت شيئاً إمراً)(الكهف:71).

أي انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينة فعرفوا الخضر، فحملوهما بدون اجر. فلما ركبا السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحا من الواح السفينة حتى أصبحت عاطلة عن العمل. فقال موسى مستنكراً: لقد فعلت أمرا منكرا عظيما. أي أن سلوك الخضر في نظر موسى كان (سلوكا) منكرا، فقد حملهما القوم بغير أجر، وما كان للخضر أن يجازيهم بخرق سفينتهم. ثم تمضي القصة حتى يبدأ الخضر بإخبار موسى عن سبب خرقه للسفينة: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً) (الكهف:79).

والمعنى أن السفينة كانت لأناس ضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظلمة، يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب، فأردت بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم، لأن الملك الظالم كان يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها. هنا أوضح الخضر(القصد) من فعله. كان القصد في ذهن موسى هو إغراق ركاب السفينة " أخرقتها لتغرق أهلها" أما الآن فقد وضح له قصد آخر وهو حماية مصالح أرباب السفينة.

لكل سلوك قصد مرتبط به. وعندما تجد أن هناك قصدا آخر نقول: إن هناك تحويلاً للمناطReframing . والمناط من الإناطة وهي التعليق والإلصاق.

قال ابن اياده:

بلاد بها نيطت على قلائدي............................وقطعن عني حين أدركني عقلي

والمناط مصطلح يستعمل في أصول الفقه عند الكلام عن القياس لاستخلاص حكم في مسألة فيها نص قياسا على مسألة أخرى ورد فيها نص تشترك مع المسألة الأولى في علة الحكم. أي إن هناك قضيتين تشتركان في علة واحدة. فينسحب حكم القضية الأولى على القضية الثانية قياسا. والعلة هنا هي مناط الحكم. أما ما نحن بصدده فهو قضية واحدة لها مناط معروف، أو متصور، أو متوقع. فنعمد إلى إيجاد مناط آخر، أو على الأصح تحويل المناط إلى شيء آخر يقول السموأل:

تعيرنـــا أنا قليل عــديدنا............................فقل ت لها إن الكـــرام قليـــل

نجد هنا عملية تحويل للمناط. فهي تعير السموأل بقلة عدد قومه. وقلة العدد مرتبطة بالضعف، وهو أمر سلبي. ولكن السموأل يحول المناط إلى قضية الكرم. فقومه قليلو العدد لأنهم كرام، وهي ميزة إيجابية. وفي كتب الأدب العربي كثير من القصص والحوادث التي تتضمن تحويل المناط. وفي الحديث " عجبا لأمر المؤمن أمره كله خير وليس ذلك إلا المؤمن، إن أصابته سواء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".










المرجع: آفاق بلا حدود
اسم الكاتب: محمد التكريتي
دار النشر: الملتقى للنشر والتوزيع
سنة النشر:2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة:134-136
كلمات مفتاحية: تحويل المناط – السلوك – القصد – الموضوع .
رابط القصة: بهاء الشيخ علي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=200