كانت قد بدأت تجري حوالي نصف ساعة حين حدث ما حدث فقد اندفعت دستة من الفتيان باتجاهها وقبل أن تدرك ما يدور كانوا قد أحاطوا بها وجروها إلى إحدى الغابات وبدءوا يضربونها بماسورة من الرصاص واخذ أحدهم يرفسها بوجهها إلى أن سال دمها غزيرا وبعد أن اعتدوا عليها تركوها شبه ميتة لعلك قد تصاب بالذهول من مجرد سماع هذا الحادث المأساوي, تلك الجريمة التي لا توصف والتي حدثت في حديقة سنترال بارك في نيويورك.

كنت في نيويورك في الليلة التي جرت فيها تلك الحادثة, ولم تفزعني وحشية الهجوم فقط, بل نوعية المهاجمين بصورة خاصة فقد كانوا فتيانا يافعين تتراوح أعمارهم بين 14, 17 عاما وعلى العكس من الأنماط التي نسمع عنها في حوادث هجمات مماثلة فن أفراد هذه المجموعة لم يكونوا من الطبقات الفقيرة أو ينتمون لعائلات تسيء معاملة أطفالها بل كانوا فتيانا يدرسون في مدارس خاصة, يمارسون الرياضة ويتلقون دروسا في العزف على البوق لم يكن هؤلاء الفتيان قد وصلوا إلى درجة الهوس بإدمان العقاقير, ولم تكن دوافعهم عنصرية, لقد هاجموا تلك الشابة التي كانت في الثامنة والعشرين من عمرها وكادوا يقتلونها لسبب واحد, وواحد فقط وهو الاستمتاع بما يفعلون بل إنهم أطلقوا اسما على ما صمموا عمله وهو (اسم السلوك الوحشي).

وعلى بعد ما لا يزيد عن 250 ميلا من ذلك المكان في العاصمة الأمريكية واشنطن سقطت طائرة نفاثة بعد اقلاعها من المطار وسط عاصفة ثلجية رهيبة وقد ارتطمت بجسر على نهر البوتوماك في ساعة ذروة الازدحام في واشنطن وبعد أن توقفت حركة السير أسرعت فرق الاسعاف إلى مكان الحادث على الفور وبعد أن توقفت حركة السير أسرعت فرق الاسعاف إلى مكان الحادث على الفور وبدا الجسر مسرحا للفوضى والفزع, ورجال الاطفاء والاسعاف وقد أذهلهم الدمار, يسرعون ذاهبين عائدين مرة بعد مرة في محاولة لانقاذ ضحايا الطائرة أحد الضحايا كان ينقل جهاز انقاذ الحياة إلى الآخرين. أنقذ العديد من الضحايا ولكنه لم ينقذ نفسه وحين وصلت طائرة الهليكوبتر لانقاذه في النهاية كان جسده قد انزلق إلى ما تحت سطح الماء المتجمد من نهر اليوتوماك لقد ضحى هذا الرجل بحياته لإنقاذ أشخاص غرباء! فما الذي دفعه لوضع هذه القيمة العالية لحياة الآخرين – أشخاص لم يكن يعرفهم – بحيث كان على استعداد للتضحية بحياته من أجل ذلك؟

ما الذي يدفع شخصا ينتمي (لبيئة حسنة) إلى التصرف بهذه الوحشية بدون أي رادع من ضمير؟ بينما الآخر ضحى بحياته لانقاذ أشخاص غرباء تماما عنه؟ ما الذي يخلق بطلا, أو انسانا وضيعا, أو مجرما, أو شخصا يساهم بدور نبيل؟ ما الذي يقرر الأسئلة ولكن لم يتضح إلا أمر واحد: (وهو أن بني البشر ليسوا مخلوقات عشوائية, وكل ما نفعله انما نفعله لسبب)

قد لا ندرك السبب في الواقع, غير أن هنالك قوة دافعة واحدة دون شك تقف وراء كل السلوك البشري, وهذه القوة تؤثر على كل أوجه حياتنا, من علاقتنا إلى أوضاعنا المالية إلى أجسامنا وعقولنا فما هي القوة التي تتحكم فيك الآن وستظل تتحكم فيك لما تبقى من حياتك؟ (الألم والمتعة) فكل ما تفعله أنت وأفعله أنا إنما نفعله بدافع حاجتنا لتجنب الألم أو الرغبة منا في تحصيل المتعة.









المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 42-43
كلمات مفتاحية: السلوك – البيئة – الدوافع – الحاجات – الألم – المتعة – البرامج العليا – القيم
أرسل بواسطة: داري قدور
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=214