تلقيت مخابرة هاتفية ذات صباح مكبر من أحد مستثمري الأراضي الذي كان يتلمس في يأس طريقاً للمساعدة. وكان البنك يعتزم مصادرة الرهن نظراً لعدم التزام المستثمر بسداد أصل وفوائد القرض في مواعيدها، في حين أقام هو دعوى قضائية على البنك لمنعه من تنفيذ هذا الإجراء؛ حيث كان المستثمر في حاجة إلى تمويل إضافي لإنهاء إعداد الأرض وتسويتها حتى يتمكن من سداد مستحقات البنك، إلا أن البنك رفض مده بقرض إضافي ما لم يسدد مدفوعاته المستحقة أولاً.

لقد كانت أشبه بمشكلة البيضة والإوزة مع الافتقار إلى راس المال. وفي نفس الوقت، كان المشروع يتهاوى، وبدت الشوارع أشبه ما تكون بساحة من الأعشاب البرية، أما مالكو المنازل القليلة التي كانت قد شيدت فقد تكافؤا سوياً في مواجهة تدهور قيمة ممتلكاتهم، وعلى مستوى المدينة، ساد جو من الاضطراب بشان تأخر المشروع "أرض النخبة" عن موعده المحدد وتحوله إلى قذى للعيون، وبلغت التكاليف القضائية التي أنفقها كل من البنك والمستثمر عدة آلاف من الدولارات في حين أن الموعد المحدد لنظر القضية تحدد بعد عدة شهور قادمة.

وعلى مضض، وفي حالة من اليأس، وافق المستثمر على أن يحاول تجربة مبادئ العادات الرابعة والخامسة والسادسة، كما وافق بعد مزيد من التردد على عقد اجتماع مع مسؤولين بالبنك بدأ الاجتماع في الساعة الثامنة صباحاً في إحدى غرف الاجتماعات بالبنك حيث ساد توتر بالغ وانعدام ملموس بالثقة. وكان محامي البنك قد الزم مسؤولية بعدم الحديث كلية، والاكتفاء بمجرد الاستماع على أن يكون هو المتحدث الوحيد، فقد كان لا يريد حدوث أي شيء يؤثر سلباً على موقف البنك في المحكمة.

وخلال الساعة ونصف الساعة الأولى، كنت اضطلع بشرح العادات الرابعة والخامسة والسادسة، وفي الساعة التاسعة والنصف توجهت إلى السبورة وخططت عليها الأمور التي تقلق البنك وفقاً لمفهومي المسبق عنها، وفي البداية، لم ينبس مسؤولو البنك بينت شفة، إلا أنه مع استمرارنا في توضيح أهداف ونوايا مبدأ "المنفعة للجميع" والسعي أولاً لفهم الآخرين، كلما اصحبوا أكثر انفتاحاً للشرح والإيضاح.

وحينما شعروا بتفهم وجهة نظرهم، تغير الجو كله تماماً، وبدا بوضوح شعور بوجود قوة دفع، وترقب مثير لإمكانية تسوية للمشكلة، وبدا انفتاح مسؤولي البنك يزداد إزاء اعتراضات محامي البنك ، بل إزاء هموم شخصية، "عندما تخرج من هنا فإن أول ما سيسأل عنه رئيس البنك هو هل حصلنا على أموالنا؟ فما الذي سنقوله له؟"

ومع الساعة الحادية عشرة كان مسؤولو البنك ما زالوا مقتنعين بصواب موقفهم، إلا أنهم شعروا بأنهم أصبحوا مفهومين وأنه لا يتحتم عليهم بعد ذلك اتخاذ مواقف دفاعية وغير رسمية، وعند تلك النقطة، كانوا قد وصلوا إلى درجة من الانفتاح تكفي للاستماع إلى هموم المستثمر والتي كتبناها على الجانب الآخر من السبورة، وأدى ذلك إلى قدر أعمق من التفاهم المتبادل وإدراك جمعي بمدى ما سببه الاتصال السيئ المبكر من عدم فهم وتوقعات غير حقيقة، ومدى ما أمكن للتخاطب المستمر على هدى من روح مبدأ "المنفعة للجميع " تحقيقه بمنع تطور المشكلات الكبرى اللاحقة.

وأسهم الشعور المشترك لكل من الآلام المزمنة والحادة مع شعور بإحراز تقدم حقيقي في مواصلة كل فرد للتحاور، وعند الظهر، وهو الوقت الذي كان محدداً لانتهاء الاجتماع، وكان الحاضرون قد أصبحوا ايجابيين، مبدعيين متكاتفيين وراغبين في استمرار الحديث.

وقد اقر الجميع بأن أول اقتراح تقدم به المستثمر بعدئذ يعتبر بداية لمنهج المنفعة للجميع، وتضافرت جهود الجميع على هذا الاقتراح وتطويره، حتى شهدت الساعة الواحدة إلا الربع خروج المستثمر بصحبة اثنين من مسؤولي البنك للتقدم سوياً بخطة إلى كل من "رابطة ملاك المنازل" ومجلس المدينة. وبغض النظر عن أية تطورات معقدة لاحقة، فقد تم إجهاض بحث النزاع قضائياً، واستمر مشروع البناء ليحقق في النهاية نجاحاً ملحوظاً.

إنني لا أقول إن الناس يجب ألا يلجأوا إلى التقاضي، فبعض الحالات تقتضي ذلك دون أي شك ولكنني أرى أن اللجوء للمحكمة هو الملجأ والخيار الأخير، وليس الأول، وإذا ما اتبع هذا النهج في مرحلة مبكرة للغاية، حتى من إيجاد أفكار وإجراءات تنفيذية لاحقة تتنافى مع التعاون الإبداعي.









المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 404-407
كلمات مفتاحية: الإنتاج والقدرة على الإنتاج – تفهم وجهة نظر الآخرين – التفاهم المتبادل – التواصل - التفاوض
أرسل بواسطة: عماد الشيخ حسين
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=174