عضو جديد
- معدل تقييم المستوى
- 0
كيف نحمي أطفالنا من مخاطر الحاسوب ؟
ما الذي يمكن أن تجلبه الثقافة الإلكترونية، وثقافة الإنترنت من خطورة على أبنائنا؟
تكمن الإجابة في هذا المثال الذي نشرته إحدى الصحف اليومية تحت عنوان ("الإنترنت" تشجع المراهقين على لعب الميسر بالبطاقات الإئتمانية عبر الشبكة). تقول تفاصيل الخبر الواردة من واشنطن: يتعين على الآباء والأمهات القلقين على مستقبل فلذات أكبادهم مراقبة أبنائهم وبناتهم على شـبكة "الإنترنت" لأنهم قادرون على الوصول إلى مواقع أنواع المشكلات كافة التي ينطوي عليها هذا العنكبوت الحاسوبي. وتوجد في هذه الشبكة مواقع تتيح لأي شخص الوصول إلى مواد إباحية، فيما يوشك لعب الميسر على "الإنترنت" على الانفجار، كما تشـير إليه الجهات المعنية. ويمكن لأي شخص لديه حاسب آلي موصل بشبكة "الإنترنت" ممارسة مختلف أنواع الميسر بأموال فعلية من منازلهم. ويضيف الخبر أن هذه التقنية تتميز بكونها متقدمة جدا لدرجة أن المغامرين يمارسون لعب الميسر، وكأنهم في الأندية التي تمارس فيها مثل هذه المحرمات، وهم يشاهدون ويسمعون منافسيهم على الشاشات الحاسـوبية. وتوجد أندية الميسر المرتبطة بشبكة "الإنترنت" في أماكن مثل موناكو وسنغافورة وجزيرة انتيغو الكاريبية. ويتم رصد أي أرباح أو خسائر من جراء لعب الميسر عبر "الإنترنت" مباشرة في البطاقات الإئتمانية للمغامرين، لذلك فإن أي صبي لديه إلمام بتشغيل الحاسوب يمكن أن يختلس البطاقة الائتمانية لوالده أو والدته، ثم ينهمك في لعب الميسـر، وكأنه في أحد أندية الميسر. ويمضي الخبر قائلا: وتخشى السلطات المعنية القلقة من انتشار موجة الميسر الحاسوبي على نطاق واسع خلال السنوات القليلة القادمة.ـ
ولوضع حد لهذه الظاهرة بدأ بعض رجال القانون في اتخاذ الإجراءات اللازمة، حيث قدَّم أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي مشروع قانون لمجلس الشيوخ مطالبا بحظر لعب الميسر على "الإنترنت"، وذلك في ظل الاحتمالات الكبيرة لإقدام الصغار على استغلال الأجهزة الحاسوبية في ممارسة الميسر. ويعلن عضو الكونجرس أن مشروع القانون الذي تقدم به سوف يحمي الأطفال من استغلال أجهزة الحاسوب العائلية واختلاس البطاقات الائتمانية لممارسة الميسر أثناء وجود آبائهم وأمهاتهم في مواقع أعمالهم(52).ـ
ومن مظاهر الخطورة على الأطفال المتعاملين مع الشبكة، أن غالبية الشاذين والمختلين عقليا والمجرمين ـ كما يقول عمران البني ـ لن يستعملوا الأسلوب القديم، وهو ذرف الدموع والاستعطاف أو المال لكي يطبقوا على ضحاياهم من الأطفال، ولكنهم بدءوا يستخدمون السحر الخفي لشبكة الإنترنت، وتعلُّق الأطفال بها لمصادقتهم على الرغم من وجود هؤلاء الأطفال آمنين في منازلهم.ـ ومع مرور الوقت يشعر الأطفال شيئا فشيئا بالاطمئنان والثقة نحو من يكلمه على الطرف الآخر. وتعتبر هذه الظاهرة لدى المختصين في الجرائم ظاهرة عالمية وواسعة الانتشار مع انتشار شبكة الإنترنت، ولا يمكن الحد منها إلا بواسطة الوعي وتثقيف الطفل وتعريفه بالأضرار التي يمكن أن تواجهه عند سوء استخدامه لشبكة الإنترنت.ـ
ثم يعلق البني قائلا: "هذه المؤشرات لا تعني بالضرورة إطفاء جهاز الكمبيوتر أو التخلص منه، ولكن تفشي هذه الظاهرة نتج عن عدم أخذ الحيطة والحذر منها، والتثقيف الصحيح للأطفال. فمنع الأطفال من استعمال الكمبيوتر هو كمنعهم للذهاب إلى الدراسة، فالكمبيوتر أصبح عنصرا أساسيا وضروريا في حياتنا"(53).ـ
ولنفترض في أبنائنا العرب حُسن النية، وعدم اللجوء إلى مثل هذه الطرق في إبحارهم عبر الشبكة، وأثناء جلوسهم إلى جهازهم الحاسوبي، وأنهم مثاليون في استغلالهم لإمكانات الجهاز، ثم نتساءل: ما الذي يمكن أن يحدث لطفل يجلس بالساعات الطويلة أمام جهاز الحاسب الآلي ؟ لن نتحدث عن الأضرار الصحية (مثل الإجهاد الناشئ عن التشبع الزائد بالمعلومات الذي قد يؤدي إلى بعض الحالات الفسيولوجية المرضية، وغيرها) فالأطباء من الممكن أن يجيبوا بطريقة أفضل منا على ذلك، من جراء الاستخدام الطويل لـ: الفأرة، ولوحة الكتابة، والنظر طويلا إلى الشاشة، فضلا عن عملية الجلوس نفسها على المقعد، وما إلى ذلك.ـ
ولكن المشكلة في طفل اليوم هي أن ألعابه وأدبه المبثوث عبر أجهزة الحاسب الآلي أو شبكة المعلومات أو الأتاري أو البلاي استيشن، تزرع فيه الفردية والعزلة والتقوقع، "وربما أعراضا أخرى مشابهة لإدمان الكحول أو المخدرات"(54) حيث يمارسـها في المنزل، وبمفرده في أغلب الأحيان. فمن الممكن أن يجلس الطفل لأكثر من ست ساعات في اليوم الواحد ـ وبخاصة أثناء العطلات المدرسية ـ أمام جهاز التلفزيون الذي يعرض له ألعاب الأتاري، أو جهاز الكمبيوتر المخزَّنة بداخله الألعاب المختلفة، أو الدخول إلى أحد مواقع الألعاب على شبكة الإنترنت. إنه في أفضل الحالات من الممكن أن يستضيف لاعبا أو اثنين يشتركان معه فيما يوصف بالألعاب الإلكترونية الجماعية (مثل لعبة التنس، والشطرنج الإلكتروني، واختبر معلوماتك ... الخ) وذلك على عكس ما كنا نلعب ونحن صغار في مجموعات كبيرة وفي فضاء أرحب من فضاء المنزل.ـ
على ضوء هذا يجب على صانعي أدب وثقافة الأطفال الإلكترونية التفكير في الشكل الملائم لطبيعة الطفل الجديد الذي يجيد التعامل مع الحاسبات الشخصية، ويستوعب طريقة تشغيلها بسرعة مذهلة، وبصورة أفضل بكثير من الكبار، وبطريقة تدعو إلى التأمل في القدرات الذهنية والعقلية والإدراكية التي يتمتع بها طفل العصر الحديث.ـ
إذن لم يعد أمر ثقافة الأطفال مقصورًا على طريقة صنع الكتاب بشكل يجذب إليه الطفل، فيفرح به ويبدأ في تصفحه، واستيعاب المضمون المطروح بداخله.ـ
ولم يعد الأمر كذلك مقصـورًا على اختيار النص الشعري المناسب للطفل في مراحل عمره المختلفة.ـ
أيضا لم يعد الأمر مقصورًا على اختيار الحكاية أو القصة المناسبة للطفل سواء المصوَّرة أو غير المصوَّرة، الملوَّنة أو غير الملوَّنة. ولم يعد الأمر مقصورًا كذلك على مناقشة تقديم ما هو غير ناطق من حيوان أو طير بطريقة ناطقة، أفيد أو أنفع للطفل أم الابتعاد عن هذه الطريقة لأنها تتنافى والحقيقة.ـ
لم تعد هذه المسائل الآن من الأمور الحيوية والمهمة في مجال ثقافة الأطفال وأدبهم. لقد جلب التطور التكنولوجي والإلكتروني معه أشكالا وأفكارا ومشاكل جديدة لأطفالنا، وينبغي على صانعي ثقافتهم الجديدة استيعابها أوَّلا ثم طرح مضامين جديدة تناسب هذه الأشكال.ـ
إن طفل الإنترنت يجلس إلى جهازه، ويستقبل من أقرانه يوميا عشرات الرسائل والأفكار والمعلومات والألعاب التي يقومون بتصميمها أو ابتكارها، أو تُصمم لهم، ويرسل لهم بدوره ما يشابه ذلك، و هنا يحدث نوع من تلاقح الأفكار والمعلومات عبر الشبكة، بحسب قدراتهم الذهنية والعقلية وأيضا التخييلية.ـ
ومن هنا تأتي خطورة دخول أطفالنا الشبكة، دون أرضية معرفية وثقافية ودينية يقفون عليها وتحميهم مما قد يصل إليهم من أفكار ومعلومات قد تكون خاطئة أو منافية لأذواقنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا (كما حدث مع الصبية الذين استقوا معلومات عن ما يعرف باسم "عبدة الشيطان" وكما حدث في شبكة إنترنت الكبار، حيث يتم ـ في بعض المواقع ـ إعطاء معلومات خاطئة عن الدين الإسلامي، وعن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم) وقد تكون في معظمها موجهة لخدمة أغراض معينة أو أغراض مشبوهة ومدسوسة على تاريخنا وحضارتنا ولغتنا، بهدف التشويش على عقلية الصغار، وتحويل انتمائهم وولائهم لغير الدين والوطن.ـ
سبل الحماية والاطمئنان
إذن يجب وجود حماية كافية لأطفالنا من سيول المعرفة الإلكترونية التي ربما تغرقهم معنويًّا وحسيًّا في المستقبل القريب.ـ
هنا يأتي دور الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات والمربين والمربيات والأدباء الذين لابد أن يكون لديهم أوَّلا فكرة متكاملة عن التعامل مع أجهزة الحاسب الآلـي الشخصية، ثم مع شبكة الإنترنت العالمية، حتى يكونوا على استعداد للإجابة عن أي سؤال يوجهه إليهم، طفل الإنترنت، وليس من طبيعة الأشياء أن يعرف الطفل أكثر مما يعرف الأب أو الأم أو المدرس أو المدرِّسـة، أو الأديب الذي يوجه أدبه للأطفال، وبخاصة في مجال المعارف العامة التي يجلبها التطور المستمر.ـ
وإذا كانت الإنترنت تحمل كل هذه المخاوف على أبنائنا، فإننا من الممكن أن نجعل استخدامهم للشبكة يكون مقصورا فقط على الإنترانت، وليس الإنترنت، حيث الاستخدام الآمن الذي يسعى إليه الآباء وكذلك المدرسون في المدارس، وتتوافر في الإنترانت خيارات عديدة لحماية الطلاب من تداول المواد غير المرغوبة على الإنترنت. فعن طريق الإنترانت تتوافر مواقع كثيرة ذات أهمية تعليمية ذاتية العروض، وذاتية الضبط، يمكن للطلاب أن يعرضوها ويتداولوها مع بعضهم البعض بعيدا عن المواد موضع الشك التي من الممكن إيجادها وتداولها في الإنترنت. كما يمكن عن طريقها أن يصبح الآباء جزءا من مجتمع المدرسة، فعن طريق الكـمبيوتر المنزلي المشترك في خدمة تلك الشبكة، يمكن للآباء مراجعة عمل ومسيرة أولادهم والتعليق عليها، وطرح الأسئلة على المدرسين، ومراجعة الدرجات، وتأمين تغذية راجعة ... الخ، وبهذا تنشأ شراكة أكثر فعالية بين المدرسين والآباء، تكون في مصلحة الأولاد، وتزيد من درجة الاطمئنان على مستواهم الدراسي والخلقي.ـ
وهناك بعض البرامج التي تسمح بمراقبة نشاط الجهاز عندما يكون موصولا بشبكة الإنترنت، بحيث تسمح للمستخدم أن يضع المعايير لما هو تصرف مقبول أو غير مقبول أثناء استخدام جهاز الكمبيوتر.ـ
أيضا هناك برنامج "مفتش الإنترنت" الذي يراقب ويمنع الوصـول إلى مواقع الإنترنت غير المرغوب فيها. ويعتمد هذا البرنامج على قاعدة معلومات تحتوي على 50.000 اسم لمواقع جنسية أو متطرفة، ومواقع أخرى نظيفة لكنها مضيعة لوقت العمل. كما يستطيع هذا البرنامج منع الاتصـال بالإنترنت بناءً على مجموعة من الاختيارات تتيح التحكم الكامل بهذه المهمة، فيمكن منع الاتصال لمحطة عمل أو أثناء وقت معين من اليوم(55).ـ
هذه بعض سبل الحماية والاطمئنان، على أطفالنا أثناء تعاملهم مع شبكة الإنترنت. تلك الشبكة التي تعد من أهم تجليات عصر العلم والتكنولوجيا، حيث استطاعت النفاذ إلى كل مناحي الحياة، بما فيها عالم الطفولة البريء والجميل.ـ
بقلم الاستاذ احمد فضل شبلول
المفضلات