إن الاعتراف بالجهل هو الخطوة الأولى عادة في رحلة تعلمنا، ولقد علّمنا ثورو Thoerau "كيف لنا أن نتذكر جهلنا، الذي يحتاج إليه نمونا، حينما نستخدم معرفتنا طوال الوقت؟

إنني أتذكر ذات مرة، حينما جاءتني فتاتان شابتان، وهما ابنتا صديق لي، وكانتا منخرطتين في البكاء تشكوان من فظاظة أبيهما وافتقار إلى فهمهما، وتخشيان من مفاتحة أبويهما في الأمر مخافة العواقب في الوقت الذي كانتا في أمس الحاجة إلى حبهما ، وتفهمهما وإرشاداتهما.

تحدثت مع أبيهما ووجدت أنه كان على إدراك واع لما يحدث، غير أنه مع إقراره بعصبيته، فقد رفض أن يتحمل مسؤولية ما ينجم عنها وأن يتقبل بأمانة حقيقة انخفاض مستوى تطوره العاطفي. لقد كانت مبادرته باتخاذ الخطوة الأولى نحو التغيير أكبر مما يتحمله كبرياؤه.

ومن أجل أن نقيم علاقات فعالة مع الزوجة أو الزوج، أو الأبناء، أو الأصدقاء، أو الزملاء في العمل، فإنه يتحتم علينا أن نتعلم الاستماع، وهو أمر يقتضي قوة عاطفية. إن الاستماع ينطوي على الصبر، والتفتح، والرغبة في الفهم – وهي صفات شخصية على مستوى رفيع من التطور. إنه من السهل للغاية أن تتصرف انطلاقاً من مستوى عاطفي متدن، وأن تسدي نصائح على مستوى رفيع.

إني أتذكر أني انتهكت هذا المبدأ بصفتي أبا منذ سنوات عديدة، فقد عدت إلى المنزل الأخضر احتفال ابنتي بعيد ميلادها الثالث، حيث وجدتها منزوية في ركن من الحجرة الأمامية، متشبتة في عناد بجميع هداياها، رافضة تماماً أن يشاركها الأطفال الآخرين اللعب بها. كان أول ما لحظت وجود الكثير من الآباء داخل الحجرة يشاهدون هذا المسلك الأناني، تملكني الحرج، وضاعفه أنني كنت في نفس الوقت ألقي محاضرات في الجامعة حول العلاقات الإنسانية. ولقد علمت، أو شعرت على أقل تقدير– ماذا يتوقع مني هؤلاء الآباء.

كان الجو في الغرفة مشحوناً للغاية – كان الأطفال متزاحمين حول ابنتي، مادين أيديهم طلباً للعب بالهدايا التي كانوا قد أعطوها إياها للتو، في حين أن ابنتي كانت ترفض ذلك في إصرار عنيد. عندئذ قلت لنفسي، " يجب عليّ بالتأكيد تعليم ابنتي قيمة المشاركة والتي هي إحدى أهم الأشياء التي نؤمن بها".
في البداية تقدمت بمطلب بسيط "عزيزتي، من فضلك أشركي أصدقائك في اللعب التي أهدوها إليك؟"
جاءت إجابتها الصريحة،"لا"
كانت خطوتي التالية تنطوي على قدر قليل من الإقناع، "عزيزتي، إذا تعلمتي مشاركتهم في لعبك وهم في بيتك، فسيشركونك في لعبهم عندما تذهبين إلى بيوتهم."
جاءت الإجابة الفورية أيضا "لا".
عند ذاك بدأت أحس بمزيد أحس بمزيد من الحرج لما بدا من افتقادي لأي تأثير عليها. وكان الأسلوب الثالث الذي اتبعته يستند إلى الرشوة.
قلت لها بنعومة بالغة "عزيزتي، إذا أشركتيهم، سأقدم لك مفاجأة خاصة سأعطيك قطعة من اللبان".
انفجرت الطفلة صائحة، "لا أريد لبانا".
عند هذا الحد بدأ الغضب يتملكني. وفي محاولتي الرابعة لجأت إلى التخويف والتهديد، "ما لم تشركيهم معك ستكونين في مأزق!"
"لا يهمني ذلك! "جاءت اجابتها الباكية. "إنها أشيائي، ولا يتحتم عليّ أن أشركهم معي!!"
وأخيراً، لجأت إلى العنف، حيث أخذت بعض اللعب منها وأعطيتها للأطفال الآخرين. "هيا يا أطفال، العبوا بها"

ربما كانت ابنتي في حاجة إلى تجربة امتلاك الأشياء قبل أن تستطيع منحها. (في الواقع، ما لم أمتلك شيئاً، هل يمكنني حقيقة أن أعطيه لأحد؟). كانت في حاجة لي بصفتي والدها أن أكون على مستوى أعلى من النضج العاطفي لأنقل إليها هذه التجربة. غير أنني في تلك اللحظة، وضعت رأي هؤلاء الآباء عني على قدر أعلى من نمو وتطور ابنتي وعلاقاتنا معاَ. لقد قمت ببساطة بإصدار حكم أولي بأنني على حق، وأنها يجب أن تتشارك، وأنها كانت على خطأ إذا لم تفعل هذا.

ربما كنت قد غاليت في أن أفرض مستوى أعلى مما أتوقعه منها لأنني ببساطة كنت على مستوى متدن وفقاً لمقياسي الخاص لقد كنت قادراً أو غير راغب في بذل الصبر أو الفهم، لذا فقد توقعت منها أن تعطي الأشياء. وفي محاولة لتعويض عجزي، اقترضت القوة من مكانتي وسلطتي وأجبرتها على فعل ما أردت أن أفعله.

غير أن افتراض القوة ينشئ الضعف، إنه ينشىء الضعف لدى المقترض لأنه يدعم الاعتماد على عوامل خارجية لإنقاذ الأشياء. إنه ينشئ الضعف في الشخص المجبر على الإذعان، ويعوق تطوير التفكير العقلاني المستقل، والنمو، والمعايير الداخلية، وأخيراً، فإنه ينشئ الضعف في العلاقات، حيث يحل الخوف محل التعاون، ويصبح الطرفان المعنيان أكثر نزوعاً للتسلط واتخاذ المواقف الدفاعية. ثم ماذا يحدث حينما يتغير مصدر القوة المقترضة – أياً ما كان حجمها ضخماً أو قوة جسدية، منصباً، سلطة، كفاءة، رمزاً وطنياً، مظهراً، أو ماضياً مجيداً – أو يفقد هذا المصدر موقعه؟

فلو كنت أكثر نضجاً، لكنت قد عولت على قوتي الباطنية على فهمي للتشارك وللنمو، وقدرتي على الحب والتنشئة، وسمحت لابنتي أن تختار بحرية بين الرغبة أو عدم الرغبة في التشارك. ولربما بعد محاولات المناقشة العقلانية معها، كنت قد نجحت في تحويل انتباه الأطفال الآخرين إلى لعبة مسلية، رافعاً كل هذا الضغط العاطفي عن ابنتي. لقد تعلمت أنه إذا شعر الأطفال بالملكية الحقيقية، فإنهم يتشاركون بصورة طبيعية، وحرة وتلقائية للغاية.

لقد كانت خلاصة تجربتي أن هناك أوقاتاً تصلح للتعليم وأوقاتاً لا يتعين فيها التعليم، وعندما تكون العلاقات متأزمة، والجو مشحون بالعواطف، فإن أية محاولة للتعليم ينظر إليها عادة على أنها شكل من التحكم والرفض. ولكن إذا انفردنا بالطفل في هدوء، حينما تكون العلاقات طيبة ثم مناقشة وتوصيل القيمة المبتغاة، فإن النتيجة تكون على الأرجح أكثر تأثيراً، ولعل النضج العاطفي اللازم لفعل ذلك كان دون مستوى قدرتي على الصبر وضبط النفس آنذاك.

إن الشعور بالتملك ربما كان يلزم أن يأتي قبل الشعور بالتشارك الحقيقي. ولعل العديد من الناس الذين يعطون بطريقة آلية أو يرفضون العطاء والتشارك في زيجاتهم وعائلاتهم لم يستشعروا قط معنى الملكية لأنفسهم، ولشعورهم بهوياتهم وقيمهم الذاتية. إن بذل المعاونة الحقيقية لنمو أطفالنا قد يتطلب قدراً من الصبر يسمح لهم باستيعاب الإحساس بالتملك وقدراً آخر من الحكمة يتيح تعليمهم قيمة العطاء مع تقديم القدوة على ذلك بأنفسنا.



المرجع: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
اسم الكاتب: ستيفن ر. كوفي
دار النشر: مكتبة جرير
سنة النشر: 2004
رقم الطبعة: السادسة
رقم الصفحة: 50-55
كلمات مفتاحية: روح المبادرة – تحمل المسؤولية – التغيير – تعلم الاستماع للآخرين – تعليم الأطفال مبدأ المشاركة والعطاء

رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=117