التكيف مع التغير





نزلت " باربرا" لمدة خمسة أشهر بإحدى المستشفيات حيث كانت تعاني من الشلل بعد إصابة عمودها الفقري في حادث سيارة. تقول " باربرا" إنه لم يكن لديها وقت لتضيعه في الاكتئاب؛ ذلك أن التعافي من هذه الإصابة استنفذ كل طاقتها. لقد تبنيت توجهاً إيجابيّاً طوال هذه الفترة المتأزمة التي شهدت فيها حياتها تغيراً جذريّاً بواسطة الاستمتاع بكل خطوة من خطوات التعافي، وبينما كانت عاجزة عن رفع يدها لأشهر لتناول الطعام، إلا أنها استمتعت بعد ذلك بقدرتها على غسل أسنانها. وفي المرة الأولى التي تمكنت فيها من دفع مقعدها المتحرك مسافة عشر أقدام بنفسها، فاض الدمع من عينيها، وكان كل إنجاز تحققه يكلل باحتفال خاص بها.


وكان من بين أهدافها الخروج من المستشفى مشياً على الأقدام عندما سُمح لها بالرحيل. ولكنها لم تستطيع المشي لمسافة طويلة، ولكنها نجحت في المشي على كل حال. وعندما عادت إلى البيت، كانت المزيد من التحديات الجديدة بانتظارها. ومع هذا، لم تتخل عن إيجابيها ونشاطها. وإذ كانت في حاجة إلى تحفيز ذهني، قررت العودة إلى العمل. وفي العمل، كانت تتحرك بمساعدة جهاز للمشي، أما في البيت فكانت تستخدم مقعدها المتحرك لأنه أسهل خاصة عند أداء الأعمال المنزلية. هذا وقد تعلمت أيضاً أن تلتمس عون الآخرين ولو أن هذا ليس من شيمتها، تقول " باربرا" : " أحياناً لا يكون أمام المرء أي خيار. إن الأمور ليست متيسرة، ولكنها ليست سيئة إلى هذا الحد. وأنا أبذل


قصارى جهدي فحسب. لقد تغيرت أولوياتي، ولم تعد بعض الأشياء ذات أهمية بالنسبة لي. إنني أحاول أن أمتع نفسي بقدر الإمكان، وأن أعيش كما لو كنت سأموت غداً. ولقد كدت أموت منذ قريب! لم تنتهِ قصتي بعد؛ فهي في حالة تطور. فهدفي النهائي هو أن أستطيع المشي دون الاعتماد على جهاز المشي، ومن يقدر أن يثنيني عن هذا الهدف" .





مسألة خطيرة


مع كل تغير تواجهنا المخاطر، ولكننا نحد من خطورة التبعات السلبية عندما نتبنى توجهاً إيجابياً كما فعلت " باربرا" . فلا مجال لتفادي المخاطر، ولكن الخيار متاح لنا فيما يتعلق بالطريقة التي تنظر بها إلى التغيرات التي تطرأ على حياتنا. إنني أقدم على مخاطرة كلما صعدت على متن الطائرة، ويجب أن أثق بمهارة الطيار، وعوامل أمان الطائرة، ويجب أن أؤمن بأن الله يشمل هذه الرحلة برعايته. وفي كل مرة أواجه الجمهور خطيباً، أقدم على نوع من المخاطرة _ كمخاطرة رفض الجماهير، أو احتمال نسياني جزء من الخطبة. ولكن، عندما أتبنى التوجه الذي يدفعني لبذل قصارى جهدي لكي أظل ثابتاً، وأترك انطباعاً لدى المستمعين، وألقي خطبة تحمل في طياتها رسالة إيجابية، أكتشف أنني مستعد لخوض التجربة، وقادر على تقبل المخاطرة.


فالتاريخ على كل حال ينصف كثيراً من المخاطرين الذين جنوا ثمار مخاطرتهم في هذا العالم. لننظر إلى عدد قليل منهم على سبيل المثال:


-عندما قررت " ويلما مانكيلر" أنها ستصبح أول قائدة لقبيلة الشيروكي في أوكلاهوما، أدركت أن هناك الكثير من المخاطر التي تنطوي عليها هذه المغامرة، وفي حال عدم استيعابها للمخاطر، فقد بلغتها تلميحات على سبيل التذكرة في شكل تخريب متعمد للممتلكات، وتهديدات بالقتل أثناء حملتها الانتخابية، وعندما فازت بانتخابات القبيلة التاريخية عام ۱٩٨٧، أحيت مانكيلر القبيلة التي أصبحت قائدة لها، وأعادت لها روح المجتمع، وحظيت بإعجاب الشعب كامرأة شجاعة مقدامة تتمتع بقوة روحانية هائلة.


-حاول كل من " ستيف جوبز" و " ستيف وزنيك" إقناع المستثمرين المغامرين في وادي السيلكون بالاستثمار في فكرتهما لصناعة جهاز كمبيوتر، ولكنهما قوبلا بالرفض وقيل لهما إن فكرتهما لن تحظى بشعبية ولن تحقق أرباحاً. ومع ذلك، قررا أن يقدما على المخاطرة على كل حال فاحتلا المرتبة الأولى في عالم رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا الحديثة.


-أرسل " تشارلز دارو" فكرة لعبته " لباركر براثرز" ، ولكنهم رفضوها بلباقة. وسردوا له ٥٢ سبباً تقف حائلاً دون تحقيق هذه اللعبة أية مبيعات، بما في ذلك حقيقة أن أحداً لم يكن مهتماً بلعبة تقوم أساساً على شراء العقارات. ومن حسن حظ الشركة أن " دارو" صار رئيساً لها بعد أن حققت لعبته المعروفة باسم " مونوبولي" أعلى المبيعات على الإطلاق.


-اخترع " بيل لير" أول راديو للسيارات. وكان رأى الناس أن فكرته لن تلقى صدى لأن هذا الراديو سيصرف انتباه السائقين. ومن سوء طالعه أنه صدقهم وباع فكرته إلى شركة " جالفين" للتصنيع والتي تحول اسمها فيما بعد إلى " موتورولا" . وبعدها وضع " لير" خطة لإنشاء شركة لتصنيع طائرات شخصية وتجارية. وفي هذه المرة، لم يعر " لير" الرافضين انتباهاً، فأصبحت شركة " لير جيتس" رائدة صناعة الطائرات الخاصة.


-عندما كتب " فريد سميث" ورقة بحثية لأحد فصول إدارة الأعمال تقترح تقديم خدمة تسليم ليلية تنافس خدمة البريد الأمريكي، قال له أستاذه بجامعة " ييل" إنه على الرغم من أن الفكرة مثيرة وقوية الحجة، إلا أنها مستحيلة التنفيذ. وحصل على درجة متواضعة على بحثه. وفيما بعد، حصلت شركته " فيديرال اكسبريس" على إعجاب وتقدير الجماهير، وحققت أرباحاً بملايين الملايين.


عندما تتقبل فكرة فقدان شيء من أجل كسب شيء آخر في المقابل، تكون مستعداً للإقدام على المخاطر. وتتطلب المخاطرة الخروج من شرنقتك الآمنة على أن تتحلى بالإيمان. وقد يحدد استعدادك للمخاطرة إلى أي مدى ستصبح حياتك مثمرة ومشبعة. وإذا أحبطك قول أحدهم، أو مخاوفك فأعرضت عن الإقدام على المخاطر، فاعلم أن هذا أمر طبيعي شائع، فكلنا يسمع كلمات محبطة عندما نخطو خطوة، نهدف منها إلى إدخال تغيير على حياتنا. وإذا كنت تؤمن بأحلامك، فيتعين عليك أحياناً أن تمشي عكس التيار. استقِ شجاعتك من حقيقة أن أغلب الإنجازات العظيمة تتحقق على الرغم من المخاوف والشكوك.

فكر في الكلمات


" إننا لا نحب موسيقاها، كما أن موسيقى الجيتار على وشك الانقراض" .


_شركة ديكا للتسجيلات الموسيقية، رافضة فريق البيتلز، ۱٩٦٢


· " ولكن . . . ما هي فائدتها؟"


_ أحد المهندسين العاملين بشركة IBM تعليقاً على الرقائق الدقيقة، ۱٩٦٨


· " سرعة ٦٤۰ كيلو من المفترض أن تكون كافية للجميع" .


_ " بيل جيتس" ، ۱٩٨۱


· " محل الكعك فكرة سيئة. علاوة على ذلك، فإن تقارير أبحاث السوق تفيد بأن الأمريكيين يعشقون الكعكات المقرمشة، ولا تطيب لهم الكعكات الناعمة أو القابلة للمضغ التي تصنعوها" .


_استجابة أحد المستثمرين المحتملين لاقتراح عمل " ديبي فيلد" ، أغسطس ۱٩٧٧





ضبط التوجيه وتعديله


تقبل التغير وأنت تتبنى توجه "مهما كلفني الأمر".


احسب الفرص السانحة في مقابل الخسائر.


احتف بنفسك عن طريق المقارنة بشخصك الحالي وشخصك الذي تود أن تكونه في المستقبل.


تمهل؛ فالتغير لا يحدث بين عشية وضحاها.


ليكن إنصاتك أكثر من كلامك.


غير من توجهك ومن حياتك.


ضع حدّاً لمشكلة الجمود في مواجهة التغير.


يبدأ فهم عملية التغير بسؤال نفسك الأسئلة التالية:


هل أملك الإمكانات الضرورية للتغير؟
إلى أي حد ستكون عملية التغير مؤلمة؟
هل ستستثمر أفعالي عن النتائج التي أحتاج إليها؟

عادة ما يأتي التغيير الإيجابي في شكل قفزات هائلة، وقد يتعين عليك تنحية كثير من الشكوك والمتشككين جانباً عندما تقدم على المخاطر، ولكن ثمار إقدامك كثيراً ما تكون الأفضل على الإطلاق طوال حياتك. تقبل النجاح كجزء من حياتك، واتخذ قرارات حكيمة، وأقدم على المخاطر التي تطرحها قراراتك لتحسين جودة حياتك.


لك حرية الاختيار؛ فالتغير هو جوهر الحياة، ولذا يجب أن تتقبله.