على الرغم من أن جرائم الكبار هي مشكلة تتطلب حلا فعليا, غير أن علينا أن نعالج كذلك كيفية الوقوف في وجه اندفاع اليافعين في السبل التي تودي بهم إلى الإصلاحيات. ماذا نفعل بشأن حوادث القتل المرعبة التي يرتكبها الشبان في العصابات الموجودة في مراكز المدن الكبرى؟ لقد كانت بشاعة جرائم العصابتين اللتين نشأتا في لوس أنجلوس ثم امتدتا إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة – عصابات كر يبس CRIPS وبلودز BLOODS – قد بثت الرعب إلى درجة لا يمكن لنا أن نسبر غورها في المدن التي تنشط فيها تلك العصابات ويجد معظمنا وكأن لا حول لنا ولا قوة بشأن معالجة هذه المشكلة المفزعة. غير أنني واثق من أن أولى الأمور التي يتوجب علينا أن نقوم بها هي أن ندفع أعضاء تلك العصابات إلى إعادة النظر فيما يتبنونه من قواعد في السلوك. تذكر أن كل أفعالنا إنما تنبع من قناعاتنا الأساسية حول ما يجب علينا أن نفعله أو لا نفعله أو نكونه أو لا نكونه.

لقد قرأت مؤخرا مقالا في STONE ROLLING يقتطف مقتطفات من كتاب يركز على الحياة اليومية لأعضاء العصابات في المدن الأمريكية. يتحدث هذا المقال الذي يحمل عنوان (شريحة من الحياة) عن صف دراسي لأفراد عصابة من اليافعين وحين سئل طلاب الصف (أعضاء العصابة) عن السبب الذي يمكن له أن يدفعهم لقتل شخص آخر, اندفعوا على الفور لسرد قائمة تتكون من سبعة وثلاثين سببا, وهذه بعض الأسباب التي اعتبرتها أكثر مدعاة للصدمة: (آن نظر إلى أحدهم نظرة فيها استهزاء, آن سألني أحدهم عن أصلي, أو آن طلب أحدهم مني قطعة نقود, أو آن كان يمشي بطريقة مضحكة, أو آن مد أحدهم يده إلى طعامي (آن أخذ مثلا من طعامي إصبع بطاطس), بدافع التسلية, آن قص أحدهم شعري قصة سيئة) مع مثل هذه القواعد الشاذة – وهي قواعد لا يشاركهم فيها أي أناس آخرين في المجتمع – فقد لا يكون من دواعي الاستغراب أن يوجد مثل هؤلاء الشبان بوفرة دائما ي مجتمعنا الأمريكي. إذ آن لديهم من أسباب القتل أكثر مما لدي أي إنسان آخر, وهم يتصرفون طبقا لهذه القواعد الخاصة بهم. غير أن الأمر الذي كان فيه تشجيع لي أن الشخص الذي أجرى هذا الاستبيان كان يدرك القوة التي تكمن في الأسئلة في التخفيف من قوة أي قناعة مهما تمسك الإنسان بها بشدة فقد سأل الموجودين قائلا: لأي من تلك الأمور يمكنك أن تكون مستعدا للموت؟ وبعبارة أخرى, آن أدركت بأنك آن قتلت شخصا ما لأنه قص شعرك بطريقة سيئة فانك ستموت أيضا فهل ستقدم على القتل أيضا؟

بتوجيهه هذا السؤال دفع المشاركين إلى إعادة تقييم القواعد التي يتصرفون بموجبها ولأعادة النظر في أهمية تلك الأمور التي كانوا يبدون استعدادهم من قبل لارتكاب جريمة القتل بسببها. وحين وصل إلى نهاية عملية توجيه الأسئلة, كان أفراد تلك العصابة قد بدلوا قواعدهم تلك بصورة جذرية, إذ بدلا من أن يكون لديهم سبعة وثلاثون سببا يدفعهم للقتل انحصرت تلك الأسباب في ثلاثة, وهي (الدفاع عن النفس, والدفاع عن العائلة, ومن أجل المنظمة (أي العصابة)

ولم يبق السبب الأخير إلا لأن أحد الشبان ثابر على الاعتقاد بأن ذلك السبب ربما كان أهم سبب في حياته. إذ كلما كان الآخرون يحاولن أن يثنوه عن إصراره هذا, كان يجيب بإصرار: (إنكم جميعا لا تعرفونني) فقد كانت هويته كفرد في عصابة عبارة عن قناعة راسخة, اذ كان مرتبطا بالعصابة بحيث يعتقد بأنه بتخليه عنها إنما يتخلى عن إحساسه بذاته كليا, وربما كانت هذه هي الحقيقة الوحيدة الثابتة والمستمرة في حياة هذا الشاب بهذه الطريقة في توجيه الأسئلة والإجابة عليها تحاول تلك (المدرسة) التوصل لمعرفة قناعات هؤلاء الفتيان الذين يسيرون ذلك السار. فبهذه الأسئلة يحاولون إضعاف القواعد المرجعية التي تسند القناعات المدمرة لهؤلاء الشبان إلى أن تهتز قناعاتهم تلك وتضعف ثقتهم بها. تذكر أن من الممكن تغيير أنماط السلوك كافة عن طريق تغيير القناعات والقيم والقواعد والهوية. غير أن من الواضح أنه لابد أولا من مواجهة الأسباب والظروف التي تؤدي إلى خلق تلك العصابات في المقام الأول, ويمكن أن يتم التعامل مع هذه القضية في النهاية عن طريق تبديل أنماط السلوك على أساس كل حالة على حدة.










المرجع: أيقظ قواك الخفية
اسم الكاتب: انتوني روبنز
دار النشر: مكتبة جرير
سنةالنشر: 2003
رقم الطبعة: الخامسة
رقم الصفحة: 540-542
كلمات مفتاحية: تغيير قواعد السلوك – دوافع السلوك – تقييم القواعد – قوة الأسئلة – القناعات – المرجعيات الداخلية – القيم – الهوية
أرسل بواسطة: بهاء الشيخ علي
رابط القصة: http://trainers.illaftrain.co.uk/ara...l.thtml?id=276