الزهايمر ..أخطر أمراض الذاكرة :الزهايمر أو على الأقل الخرف أو العتة الذى يؤدى إلى تعطيل الذاكرة وتأخر التفكير الاستدلالى والمنطق ليس مرضاً حديثاً فقد وصفت الكتابات التاريخية لقدماء المصريين والاغريق والرومان أعراضاً تشبه أعراض الزهايمر، وشكسبير فى كتاباته وصف تقدم العمر بأنه الطفولة الثانية.
ويرجع السبب فى ازدياد انتشار أمراض الخرف فى العصر الحديث إلى ازدياد متوسط الأعمار، وتشير التقديرات إلى أن حوالى 15% من الأشخاص الذين يعيشون حتى سن 65 يصابون ببعض أشكال الخرف، وتزداد هذه النسبة إلى 35% عند بلوغ سن 85.
وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن مشاكل الذاكرة التى تحدث بتقدم العمر تنشأ أساسا نتيجة تصلب الشرايين Arteriosclerosis حيث تؤدى إلى بطء مرور الدم إلى المخ، ومن المعروف أن المخ يحتاج إلى 20% من الأكسجين المحمول فى الدم لكى يعمل بكفاءة. ومن حسن الحظ كما يقول الدكتور جيروم يسافج الاخصائى النفسى فى جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة أن فقدان الذاكرة الناتج من التقدم فى العمر بصفة خاصة يمكن منعه أو الوقاية منه. ففى دراسة مدعومة من المعهد القومى الأمريكى لأبحاث الشيخوخة تم دراسة حالات مجموعة من الأفراد لمدة 28 عاماً ووجد أن كثيراً منهم لم يظهر عليهم أى انخفاض فى القدرات الذهنية على الاطلاق حتى عندما بلغوا السبعين. وقد استنتج الباحثون من هذه الدراسة أن الناس الذين تجاوزوا 65 عاماً اليوم يتمتعون بقدرات ذهنية حادة مقارنة بنظرائهم من الأجيال السابقة والفضل فى ذلك يرجع إلى تحسن مستوى التغذية والتعليم. والزهايمر هو أكثر أشكال الخرف شيوعا، ويعانى منه حاليا حوالى 4 ملايين شخص فى أمريكا وحوالى مليون فى ألمانيا ويموت بسببه قرابة مائتى ألف شخص فى ألمانيا سنويا. ويقدر الخبراء بأن 22 مليون انسان حول العالم سوف يصابون بأشكال الخرف والنسيان هذه بحلول عام 2025.
ويرجع الفضل فى اكتشاف هذا المرض إلى الطبيب الألمانى أليوس ألزهايمر الذى اكتشف عام 1906 حدوث تغيرات تشريحية فى مخ المرضى بفقدان الذاكرة، والذين عرفوا فيما بعد بمرضى الزهايمر. فى ذلك الوقت كان الدكتور ألزهايمر يعالج امرأة من الخرف والنسيان لعدد من السنوات، لقد كانت تتعرف على الأشياء التى تعرض عليها وتسميها ولكنها كانت تنسى أسماء تلك الأشياء واستخداماتها بسرعة فائقة، وكانت تقول لقد فقدت نفسى. وحينما توفيت عن عمر 56 عاماً قام الدكتور ألزهايمر بأخذ عينة من مخها لتشريحها فاكتشف الخاصيتين التشريحيتين اللتين مازالتا تستخدمان حتى الآن فى تشخيص مرض الزهايمر بعد موت المريض.
لقد لاحظ داخل الخلايا العصبية فى قشرة المخ (الجزء من المخ المسئول عن الذاكرة والمنطق) وجود حزم من الخيوط الملفوفة سماها الخيوط العصبية المتشابكة Neurofibrillary tangles. ولاحظ أيضاً وجود ترسبات من اللويحات أو الصفائح الشائخة Senile plaques حول الخلايا العصبية. وقد اعتقد الدكتور ألزهايمر أن التشابكات واللويحات هما اللذان تسببا فى فقد الذاكرة عند تلك المرأة، ولكنه لم يكن متأكداً هل هما السبب فى المرض أو أنهما نتيجة للمرض. لقد لاحظ العلماء أن التشابكات واللويحات تتكون فقط فى أجزاء المخ التى تتحكم فى الذاكرة والمعلومات وبمجرد تكونهما تصبح الخلايا العصبية غير منتظمة Disorganized، وتتوقف عن العمل ثم تلقى مصيرها المحتوم ويموت معها جميع الأنشطة والوظائف التى كانت تقوم بها. وقد توصل الباحثون إلى أن التشابكات توجد مصاحبة لتجمعات من البروتين يسمى تاو Tau وأن اللويحات تتركب من ببتيدة (جزء من البروتين) داخلية تسمى beta-amyloid-42 أو ببتيدة بيتا النشوانية يتجمع حولها بقايا أو نفايات Debris من الخلايا المحطمة.
وتجدر الإشارة إلى أن التشخيص المبكر للمرض يساعد على التدخل الطبى ومنع حدوث مضاعفاته والحد من خطورته. والمرض يبدأ عادة بأعراض عادية كالصداع والشعور بالاجهاد واضطراب التوازن، وينتهى بنسيان المريض لكل شئ حتى اسمه.
مراحل المرض: يشير الدكتور عثمان عبد اللطيف رئيس قسم المخ والأعصاب فى جامعة الأزهر إلى أن مريض الزهايمر يمر عادة بثلاث مراحل تمتد الأولى من العام الأول إلى الثالث من بدء المرض، وتتميز بصعوبة فى تعلم المعلومات الجديدة، وضعف طفيف فى تذكر الأحداث وعدم القدرة على تسمية بعض الأشياء. وتمتد المرحلة الثانية من العام الثانى إلى العاشر، وتتميز بضعف أشد فى تذكر الأحداث القريبة والبعيدة وتوهان مكانى وضعف فى الأداء المهارى وعدم القدرة على إجراء العمليات الحسابية البسيطة مع بطء النشاط الكهربى فى رسم المخ وضمور المخ. أما المرحلة الثالثة فتمتد من العام الثامن إلى الـ 12من بدء المرض وتتميز بتدهور شديد للوظائف العقلية وتيبس بعضلات الأطراف وانحناء الجسم وسلس البول وضمور فى المخ ونقص التمثيل الغذائي. وأكد الدكتور عثمان وجوب التفريق بين الزهايمر وأمراض أخرى مثل الخرف الوعائى الناجم عن حدوث جلطات متعددة بالمخ تؤثر فى الوظائف العقلية واللغة والإدراك وغيرها.
البحث عن الأسباب:
1- البروتينات : يحدث عند مرضى الزهايمر ترسبات أو تراكمات من البروتين فى الدماغ وتكون هذه الترسبات اما داخل الخلايا العصبية (بروتين تاو Tau) أو بين الخلايا العصبية (Beta-amyloid).
أ- بروتين التاو: يشكل بروتين التاو جزء من تركيب الخلية، ويكون على هيئة أزواج من الخيوط الملفوفة بعضها حول بعض على هيئة حلزون وهو بروتين مهم لأنه يرتبط ببروتين يسمى تيبيولين Tubulin الذى يكون الأنيبيبات الميكرووية Microtubules والأخيرة تسرى داخل الخلايا مانحة اياها الدعم والشكل بالاضافة إلى كونها طرقا تنتقل عبرها المغذيات ومكونات خلوية أخرى. فى الوضع الطبيعى يشكل التاو تشابكات ليفية عصبية ولكنها تكون أكثر كثافة وأكثر انثناء Twisting عند المصابين بمرض الزهايمر، وربما يحدث عندهم عيوب أيضا فى طريقة ارتباط هذا البروتين بالتيبيولين، وتكون المحصلة النهائية هى تراكم بروتين التاو فى الخلية بطريقة غير طبيعية، مما يؤدى إلى اختناق عملية النقل الخلوى ولا تستطيع النيورونات نقل الاشارة الكهربائية أو المغذيات الهامة الأخرى، الأمر الذى يؤدى إلى انهيار تركيب الخلية وموتها.
ب- البيتا أميلويد Beta-amyloid : ترسبات البروتين بين الخلايا العصبية تسمى البيتا أميلويد أو اللويحات النشوانية، وتكون مصحوبة بخلايا التهابية تفاعلية تسمى Microglia أو الدبق الميكرووى، وتوجد هذه اللويحات فى منطقة الحصين أو قرن آمون وقشرة المخ وتظهر قبل ظهور التشابكات الليفية العصبية الخاصة ببروتين التاو بوقت طويل.
والبيتا أميلويد أساسا أجزاء من بروتين طويل يسمى Beta-APP يتراوح طوله بين 695-770 حمض أمينى يمتد بطول غشاء الخلية مع جزء ينتأ داخل الخلية، والبيتا أميلويد هو قصاصات (ببتيدات) من هذا البروتين الطويل. وهذه الببتيدات تحتوى فى الظروف العادية على 40 حمض أمينى، وتنتشر فى الجسم كله حتى فى الدم والسائل النخاعى، وتوجد حتى فى نيورونات الأجنة، ولكن عدداً صغيراً منها (أقل من 10%) يتكون من 42 حمضاً أمينياً. وهذا الأخير هو الذى ينشئ اللويحات، ويعتقد أنه يتسبب فى احداث المرض بإحدى الطرق الآتية (السبب الحقيقى غير معروف حتى الآن):
- أنه فى حد ذاته ذو تأثير سام مباشر على الخلايا العصبية. ويعتقد أن هناك مادة ترتبط به فتسبب ترسبه فى المحلول على هيئة لويحات وتكون محاطة بنيورونات ميتة.
- يعتقد البعض أن البيتا أميلويد يعطل العمليات التى تنظم دخول الكالسيوم إلى الخلايا مما يسمح بدخول الكثير من الكالسيوم إلى داخل الخلايا العصبية ما قد يؤدى إلى موتها أو على الأقل إلى تقليل تركيز المواد الأخرى اللازمة لتخليق المرسلات العصبية الهامة.
- من المحتمل أنه يسبب التهاب Inflammation يثير استجابة مناعية تطلق دفاعات الجسم وتستنزف المغذيات الهامة والأكسجين من خلايا المخ.قد يؤدى إلى تلف الميتوكوندريا الأمر الذى يؤدى إلى انطلاق الشوارد الحرة محدثة الدمار فى جميع مكونات الخلية من غشاء إلى مادة وراثية إلى بروتينات وليبيدات.
2- الوراثة Heredity:
أثبتت الدراسات التى أجريت على عائلات حدثت بها حالات كثيرة من الزهايمر فى الأعمار المتقدمة أن هناك جيناً موجود على الكروموسوم رقم 19 ربما يكون هو المسئول عن هذا المرض. هذا الجين هو الذى يكود (يشفر) لبروتين يسمى Apolipo-protein E أو اختصارا ApoE، ويمكنه الارتباط بالبيتا أميلويد.
وهناك نظرية أخرى تقول بأنه ربما يمون السبب فى أن الخلايا العصبية لمرضى الزهايمر تكون قصيرة التفرعات، مما يؤدى إلى عدم تمكنها من الاتصال بكفاءة مع الخلايا المجاورة. ومع ذلك وحيث أن كل فرد عنده الجين الذى يكود لبروتين ApoE4 لا يصاب بالزهايمر، وليس كل من عنده الزهايمر عنده هذا الجين، فإنه لا يعتبر السبب الوحيد وأن هناك جينات أخرى فى مواقع أو كروموسومات أخرى لها دور فى الاصابة بهذا المرض. فهناك عائلات ترتفع فيها الاصابة فى أعمار مبكرة.
وقد أثبتت الأبحاث التى أجريت على هذه العائلات أن هناك جين معيب موجود على الكروموسوم رقم 21 يؤدى إلى انتاج البيتا أميلويد. هذا الكروموسوم هو المسئول أيضاً عن حدوث متلازمة داون Down's syndrome وعندما يتقد المصابون بهذا المرض فى العمر يتكون فى أدمغتهم تشابكات ولويحات مشابهة لتلك الموجودة عند مرضى الزهايمر.
3- الأستيل كولينAcetyl choline(AcCh) :
من المعروف أن الخلايا العصبية لا تتصل ببعضها اتصالا مباشراً، وإنما هناك فجوة أو فراغ بين كل خليتين يسمى Synaptic cleft أو شق مشبكى يتم الاتصال من خلاله عن طريق مواد كيماوية تعرف بالناقلات أو المرسلات العصبية. وهذه المرسلات بعد عبورها الشق المشبكى يتم استقبالها بمستقبلات من الخلية الأخرى receptor molecules لنقل الرسالة كيماوياً وتتحول داخل الخلية إلى اشارة كهربائية مرة أخرى. وقد بينت الأبحاث أن مستوى الأستيل كولين– أحد المرسلات العصبية الهامة- يكون منخفضا بدرجة كبيرة فى مرضى الزهايمر عنه فى الأشخاص العاديين. وقد جرت محاولات كثيرة لمعالجة المرضى عن طريق رفع مستويات هذه المادة لديهم.
وتجدر الاشارة إلى أنه يوجد نوعين من المستقبلات لل AcCh :
1- مستقبلات النيكوتين Nicotinic receptors تستجيب لل AcCh، ويتم تنشيطها بالنيكوتين بجرعات معتدلة، أما الجرعات العالية فتسبب تثبيطها.
2- مستقبلات المسكارين Muscarinic receptors حيث يتم تنشيطها بالمسكارين (بالاضافة إلى AcCh)، الأتروبين من الأدوية التى تؤثر على هذه المستقبلات، وتقوم بتثبيطها فى القلب والعضلات الناعمة والجهاز العصبى المركزى، وليس للنيكوتين تأثير على هذه المستقبلات.
4- تمثيل الجلوكوز : تعتمد خلايا المخ اعتمادا كليا على الجلوكوز فى الحصول على الطاقة بسبب مقدرتها المحدودة على تمثيل المواد الأخرى كالدهون مثلا. وهناك عدداً كبيراً من الأمراض العصبية ترتبط اما بزيادة إفراز الأنسولين كالزهايمر مثلاً أو الخلل فى الاستفادة من الجلوكوز كما فى مرض باركنسون مثلاً. وكثير من هذه الأمراض تحدث نتيجة انخفاض سكر الدم Hypoglycemia سواء فى الجسم عامة أو فى المخ بمفرده. وكثير من أعراض الزهايمر تتشابه مع أعراض انخفاض نسبة السكر فى الدم. وهناك سبب آخر لحدوث انخفاض فى سكر الدماغ، وهو حدوث خلل فى عملية نقل الجلوكوز خلال حاجز الدم الدماغى التى تتم بواسطة ناقل هذا الناقل يختل فى حالة تصلب الشرايين أو الزهايمر أو الشيخوخة.
5- الألومنيوم : رغم الانتشار الكبير للألمنيوم، حيث يوجد بنسبة 8% فى القشرة الأرضية إلا أنه لا يوجد بشكل نقى أبدا كغيره من المعادن، ولكنه فى الغالب يوجد متحداً بالأكسجين ولكنه يوجد فى جسم الإنسان بكميات قليلة أما فى مخ مريض الزهايمر فيوجد بكمية كبيرة ومن هنا جاءت محاولات العلماء لمعرفة دوره فى هذا المرض وكيف وجد ذلك المعدن طريقة إلى خلايا المخ. ويقول بعض العلماء صحيح أن هناك علاقة ارتباطية بين الألومنيوم والزهايمر، ولكنها لا تعنى بالضرورة السببية وهناك عوامل أخرى وكلها فى النهاية عبارة عن مؤشرات قد تؤدى إلى أسباب أخرى.
منقوووووووول للفائدة![]()
![]()
المفضلات