على ألفيَّـة
الإمام / أبي عبد الله محمَّد بن عبد الله جمال الدّين بن مالك الطَّائي الْجَيَّاني
( المتوفى سنة (672) هجـريـة )
جاء في المقدمة: حمدا لمن رفع منزلة العلماء ، ونصب الأدلة على وحدانيّته فتنزه عن الشركاء ، وخفض أهل الكفروالضلال واتصف بالعظمة والكبرياء ، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادةَ جَزْمٍ مُبَرَّأَةً عن وصمة التردد والرياء ، وصلاةً وسلامًاعلى من أُعْطِيَ جوامع الكلم ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن نحا نحوهم إلى يوم الدين .
أَمَّا بعد
فإنّ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك يعتبر واسطة عِقْدِ شروحها ، إذْ تَمَيَّزَ بإشراق عباراته ، ووفرة فوائده ، وكثرة عوائده ، ودعمه الأحكام النحوية بدلائل من الآيات القرآنية والشواهد العربية .
ومنذ كُلِّفْتُ من قبل معهد الحرم المكي الشريف بتدريسه ،كان رَغْمَ مميزاته السابقة تصادفنا مباحث ترتفع عن مدارك بعض الطلاب ، فتصطدم أفكارهم بغوامض إشارته ، وتحار البابهم في هَضْم مباحثه ، لا سيّما وهم لم تسبق لهم ممارسة تامة لعبارات الأقدمين ، ولم يناجوا أساليبهم طويلاً ، لذلك كنت أنحو بهم جهة ما ألفوه من الألفاظ ، وما اعتادوا عليه من الأساليب المقربة لما نأَى من المعاني ، فأَجِدُ منهم الأُنس بما ألفوه ، والفهم السريع لما تصعب عليهم .
وفي إحدى جلساتي مع مديرنا الموفق الشيخ/ صالح بن محمد المقوشي رعاه الله اقترح عَلَيَّ ما كان يتردد على خاطري بين الْفَيْنَةِ والْفَيْنَهْ ، إذْ قال : لو كتبتَ لطلابك مذكرات تسهِّل عليهم مطالب الكتاب ، وتيُسِّر لهم ما تعسَّر على أفهامهم هضمه ، لكان أنجح وأنفع ، على أن تكون مذكراتك مستوعبة لما تضمنه الأصل ، محتوية على مفردات المنهج ، لا ترتفع عليه ولا تقصر عنه ، مشترطاً في اقتراحه أن تبدوَ في ثوب شفَّاف يتجلى باطنه من ظاهره ، ويتميز بإماطة اللثام عن مكامن الخفاء ، فترفع اللبس وتكشف بالبيان مواقع الغموض فَتُبَدِّد ظلمات الحيرة .
بل إنا تداولنا معا إخراج المقرر على شكل أسئلة وأجوبة على النحو الذي انتهجناه في "النحو المستطاب" ثم عَنَّ لنا غير ذلك .
وفي الحقيقة علمت أن المهمة شاقة ، والمسؤولية كبيرة ، بَيْدَ أنّ من استنفد الْجُهْد فقد قام بما يجب ، فشمّرتُ عن ساعد الجِد وبدأت الكتابة مستعينا بالمولى تقدست أسماؤه ، وهو أهل الثناء والمجد .
وأستطيع بلورة عملي الجديد فيما يلي : أولاً : إيثار اللفظ المتداول كثيراً على غيره كتوطئة لفهم المعنى . ثانياً : جمع الموضوع الواحد في مكان واحد وإن تفرق في الأصل . ثالثاً : طرح الخلافات التي لاتخدم مصلحة الطالب ولا تتلاءم مع مستواه العلمي وأشير إليها في الهامش . رابعاً : القيام بإضافة ما أهمله النظم ، أو الشرح من الأحكام النحوية إن كانت من أصول الباب . خامساً: إعراب الأمثلة والأبيات التي أَسْتَشْهِدُ بها . سادساً: إثبات عناوينَ عدة لمسائل الباب الواحد ، إذِ التقسيم المنظَّم من وسائل الإفهام . سابعاً : أَبْدَأُ أَوّلاً بإيضاح المسائل والتدليل عليها استشهاداً ، وبعد أن تتجلى ملامحها ويتضح رسمها أذكر الأبيات المشيرة إليها من الألفية لتكون بعد الشرح واضحة المبنى ، جَلِيّة المعنى ، فتعلق بالذهن وتلتحم بالذاكرة .
والله تعالى أرجو أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن تكون هذه المذكرة وافية بالغرض ، صافية المنهل ، دانية القطاف ، تفتح مغاليق الإشكالات ، وتدفع الطالب قُدُمًا وتفوز برضى الجميع من الدارسين ، والباحثين ، إنه سميع مجيب .
د/ عبدالرحمن بن عبد الرحمن شُمَيْلَة الأهدل
مـكـة المـكـرمـة
المفضلات