تظهر إحدى الدراسات المجتمعية، تفوق الرجال على النساء فيما يتعلق بالحساب، وتفوق النساء عليهم فيما يتعلق بالذاكرة العرضية. في حين يتساوى كلا الجنسين فيما يتعلق بتمييز الفئات. وتظهر الدراسة أثر الفروق الاجتماعية والاقتصادية على القدرات الإدراكية للأفراد، وما إذا كان هذا الفرق فطرياً أم مكتسباً؟ وقد اتبع عدد من الباحثين العاملين في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في فيينا، منهجية لحل هذا الجدل، بدءاً من تحليل الاختلافات الإدراكية المتعارف عليها بين الرجل والمرأة، ومن ثم البحث في الدور الذي يؤديه الازدهار الاقتصادي والعوامل الاجتماعية في تشكيل هذه الفروق.


فعمل الباحثون على تحليل البيانات التي جمعوها من مقابلات أجريت مع 14 ألف امرأة و17 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 50-84 سنة، كجزء من مبادرة المسح الصحي الأوروبي بين عامي 2006-2007. وهم موزعون في 13 دولة، وينحدرون من طبقات اقتصادية واجتماعية وصحية مختلفة، في أوروبا الشمالية والوسطى والجنوبية.


كما تم تحديد مؤشر التنمية الإقليمية لكل دولة شملتها الدراسة، ثم نشرت في مجلة ( وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم-Proceedings of the National Academy of Sciences)، لتقييم المزيج المكون من الناتج المحلي الإجمالي ومستويات التعليم، ومتوسط العمر المتوقع ونسب الوفيات بين المواليد. وتم التخطيط لإجراء تغييرات على هذا المؤشر في كل دولة خلال حياة المشاركين في الدراسة، ليظهر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعرض لها هؤلاء الأفراد منذ الولادة وما بعدها.


وقد قيّمت المقابلات 3 مجالات من الأداء المعرفي: الذاكرة العرضية (القدرة على تذكر الكلمات)، معرفة الحساب (القدرة على التفكير المنطقي باستخدام المفاهيم الحسابية)، وتمييز الفئات (القدرة على تسمية أمثلة من الفئات المختلفة). ويظهر غالباً تفوق الرجال على النساء فيما يتعلق بالحساب، وتفوق النساء عليهم فيما يتعلق بالذاكرة العرضية. في حين يتساوى كلا الجنسين فيما يتعلق بتمييز الفئات، وهي نتائج متوقعة.


وحين أخذ مؤشر التنمية الإقليمية بالحسبان، برزت نتائج مذهلة وغير متوقعة، فالتحسينات التي أجريت على المؤشر في كل دولة، ارتبطت مع تحسن الأداء المعرفي لكلا الجنسين، وبشكل أكبر لدى النساء.


وقد أظهرت الدول الأكثر تقدماً، لاسيما تلك التي تقع في أوروبا الشمالية (تتبعها دول أوروبا الوسطى والجنوبية)، تحسناً في الأداء المعرفي لدى الجنسين مع مرور الزمن. وبشكل ملحوظ أكثر، لدى النساء التي تتراوح أعمارهن بين 50-54 سنة، في أوروبا الشمالية.
وعلى الصعيد نفسه، تشير النتائج إلى أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتيح فرصاً للنساء أكثر مما تتيح للرجال، وذلك لأنهن يملكن مجالاً أكبر للاستفادة من تحسن مؤشر التنمية الإقليمية. ومن الاقتباسات المستقاة من الدراسة: "تطرأ هذه التغييرات نتيجة لاكتساب النساء كماً أكبر من التحسينات الاجتماعية مع مرور الزمن، تفوق تلك التي اكتسبها الرجال، وبالتالي تزيد قدراتهن الإدراكية بشكل أكبر من الرجال."


وسواء تمكن هذا التفسير من تحديد مسبب التغيير، فإنه من الواضح أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تؤثر بشكل كبير على الأداء المعرفي. وتقترح هذه الدراسة أن المؤثرات الاجتماعية تؤدي دوراً هائلاً في كيفية التعبير عن نقاط الضعف والقوة الإدراكية، وكيفية تغيرها مع مرور الزمن، سواء ورث الرجال والنساء بعض هذه النقاط أم لا.