كانت صاحبتنا كلما ظهرت في حياتها الزوجية مشكلة تغضب وتذهب إلى بيت أهلها، في البداية كان زوجها يستاء ويحتار ويذهب إليها مسارعًا لاسترضائها.. ومع تكرار الأمر، وتكرار تدخل أهلها، أصبح رد فعله فاترًا، وبدأ يعتاد غيابها، فجن جنونها لأن ما كانت تظنه "عقابا" فقد أثره.. لم يعد يخيفه التهديد به أو حتى تنفيذه مهما طالت أيام غضبها.. بل في آخر مرة دفعت هي والدتها لإيجاد جسر للصلح لأنها أرادت العودة للبيت بطريقة تحفظ ماء وجهها.







انتقلت خطوة أخرى في نفس الطريق الوعر، فأصبحت تطلب الطلاق كلما تصاعد خلاف بينهما، أو كلما أخطأ زوجها في حقها، ربما كان لديها بعض الحق في أن تغضب أحيانا من تصرفاته، ولكنها كانت تلجأ دوما إلى نقطة الذروة.. تبدأ من النهاية، تطلب الطلاق وهي لا تريده، أو توهم نفسها أنها تريده وهي لا تقوى عليه.





كان مصدوما وحزينا لطلبها الطلاق، ولتشهيرها به عند أهلها، كانت تعرف كم يحب الاستقرار ولا يريد أن تنهار أسرته، فلعبت بهذه الورقة، رغم أنها لا تقل عنه احتياجا لهذا الاستقرار.. وبطبيعة الحال، مع تكرار مرات طلب الطلاق، لم يعد خائفا ولا حزينا بل غاضبا وصادّا عنها..


أُسقط في يدها.. وبدأت تشعر بأنها لا قيمة لها في حياته، بأنه لا يحبها، رغم أنه هو شعر بهذه المرارة لكثرة تهديدها وفراقها..


لماذا يا عزيزتي تلجأين مع زوجك للتهديد وتبيعين كل ما بينكما من مودة وصفو وعهد وثيق عندما تظهر مشكلة أو تشعرين بألم منه؟





كان جوابها بأن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لتشعره بفداحة الأمر، هذا هو رد الفعل الوحيد الذي يظهر أمامها!.. فزوجها كما تصفه رجل لا يهتز لإضرابها عن إعداد الشهي من الطعام، أو صمتها وعزوفها عن الكلام..





ولكنك في كل مرة كنتِ تُصعدين فيها ضيقك إلى الفراق وطلب الطلاق كنتِ تخسرين كثيرا.. وتهبطين بعلاقتكما إلى درك من التفكير في الاستغناء، والبحث عن بدائل.. وهو أمر جد خطير، فأصل الزواج واستقرار الأسرة وارتباطكما معًا بالعشرة والأولاد لا ينبغي أن تصبح قيودًا حديدية ضاغطة تجرح الأيدي والأقدام، فتتحول إلى مصدر للإذلال والضغط، فتثور في القلب والعقل الرغبة الأكيدة في التمرد عليها والخلاص مما تسببه من ألم!









قالت بيأس: فماذا إذَن؟




أين القيود الحريرية؟.. لطالما سمعنا في الأمثال اقتراحات متنوعة لتقييد الرجل بزوجته، تارة بإثقال معدته، وأخرى بالتأكد من عدم توفر المال بين يديه، وإغراقه بالمطالب والالتزامات حتى لا تكون لديه أية فرصة للزواج أو التلاعب، وكذلك بكثرة الإنجاب لا من باب بهجة البيت وتكثير الذرية الطيبة وإنما لزيادة أعبائه، وكأن أعبائها هي لا تزيد أيضًا!





كل هذه محاولات للتقييد غير المباشر للرجل.. ولكن هذه القيود المبنية على الشك، ومصبوغة بأحاسيس الحرب وتوقع الغدر، ترهق المرأة أضعاف ما ترهق الرجل!


قالت: فما العمل؟.. وما هي هذه القيود الحريرية، ولكن رجاءًا كوني واقعية.









.




.....قالت: فما العمل؟.. وما هي هذه القيود الحريرية، ولكن رجاءًا كوني واقعية.
الذكاء هو أن تكون القيود حريرية ناعمة محببة للنفس، أن تكون قيودًا من اعتياده الجميل على لمساتها وإبداعاتها ووجوها في حياته.. فالزوج مع الوقت يشعر بأنه أصبح جزءًا من روتين حياة زوجته، حتى وإن أدت كل ما عليها، فإنه يشعر بأنها تؤدي واجبات دون روح ومحبة واهتمام خاص..





القيود الحريرية تصنع من خيوط مخملية مشبعة بلمسة يعشقها ويحتاجها دون منّ أو أذى، ولا تكون إلا بأن تفكر المرأة في زوجها لا كأمر واقع مضمون مقيد بالمسؤوليات العديدة.. بل كمعشوق تتفنن في أسر قلبه، وإضفاء طابع الشغف على علاقتهما..





صدقيني ليست هناك قواعد، ولا أفكار جاهزة، فلكل علاقة خصوصيتها، ولكل رجل ما يشغفه حبًا.. ولكنها إذا غيرت نظرتها، وتأملت في طباعه، ستبدأ في صنع قيودها الملونة الجميلة.. في مظهرها، كلماتها، طريقتها، أطباقها، علاقتهما الحميمة... في كل أجزاء حياتهما..





ليس المطلوب أن تغير المرأة نفسها، أو أن تتكلف وتتقمص شخصية مغايرة، بل أن تبدأ في الحفاظ على جوهر زواجها، لا شكله، أن تبدأ في نسج شباك الحب، لا فرمانات الضبط والربط.. حتى إذا وقع منه ما يسيئها كانت لديها ألف حيلة ووسيلة، كان لديها عشرات الأمور الإضافية التي إن سحبتها شعر بالفقد والحنين، بدلا من اللجوء إلى التهديد الأرعن بالفراق!





ألا تتأملين هذا الحديث العظيم والصورة الرائعة من بيت النبوة:
قال صلى الله عليه وسلم يوما لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها-: "إني لأعرف رضاك من سخطك. قالت : وبمَ؟ قال : إن رضيت قلت لا ورب محمد؛ وإن غضبت قلت لا ورب إبراهيم". قالت: أجل لا أهجر إلا اسمك. رواه البخاري.





نموذج للزوجة الذكية المُحبة القادرة على إظهار رضاها بأمور كثيرة حتى في كلماتها، والتعبير عن سخطها وتغيرها دون إيذاء أو خطأ.