ميرفت عوف



مما لا شك فيه أن العلاقات الاجتماعية التي تولد في الأسرة وتحقق الارتباط العائلي بين أفرادها، وتتشعب إلى الارتباط الاجتماعي والقومي والديني لها دور كبير في بناء المجتمعات على أسس رصينة، تؤدي بها إلى الرقي والازدهار.

ولكن في ظل التكنولوجيا الحديثة والانهيار الاقتصادي وخروج المرأة للعمل موكلة مهمتها في المتابعة والتربية لمديرات المنازل، باتت العلاقات الأسرية في تدهور وتراجع مستمر يهدد ترابط المجتمعات، هذا ما يؤكده مدرب التنمية البشرية محمد السويركي في حديث لـ" لها أون لاين".
حيث قال: "إن تدهور العلاقات والروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة في العالم العربي عائد إلى تغير الأنماط الاجتماعية، ولا سيما تغير أنماط التفكير لدى الناس.
ويوضح السويركي رداً على سؤال عما إذا كانت التوترات السياسية أهم الأسباب التي أثرت سلباً، وأدت إلى ضعف العلاقات الاجتماعية، و أن التوترات السياسية سبب أيضا، لكنها ليست السبب الوحيد.
لافتاً إلى أن الأسباب السياسية من الممكن تداركها كما حدث في أوروبا الشرقية. وأوضح أن حالة الاستبداد الفكري إضافةً إلى الاستبداد السياسي التي يعيشها الإنسان العربي على مر مئات السنين؛ هي من أفسدت العلاقات بين أفراد الأسرة والمجتمع أيضاً.
مشيراً إلى أن تلك السياسات عطلت تفكير كثير من الناس، واستطرد السويركي قائلاً:"إذا تعطل تفكير الإنسان يصبح حقل تجارب ويبيت الإنسان راضخا لأراء وأفكار الآخرين" ، وأضاف :"أن الناس في كل العالم العربي تفعل أشياء لا تؤمن بها وتخضع لأنظمة الديكتاتورية والخوف، لافتاً إلى أن الخوف هو أم الرذائل في العالم العربي وقال :"إذا خاف الإنسان لا يحق حقاً ولا يبطل باطل".

الابتعاد عن لغة الحوار
فيما يتعلق بخصوصية الأسرة الصغيرة المكونة من أب وأم وأطفال، من حيث أسباب تدهور وتراجع العلاقات الإنسانية بين أفرادها، أوضح السويركي أن السبب الجوهري يكمن لدى الوالدين، فإن صلحا وكانا على قدر من المسؤولية والوعي ببناء جيل متماسك ومترابط في علاقاته، فستكون النتيجة إيجابية وينجحا في تحقيق علاقات أسرية متوافقة ومترابطة تواجه كل ما يعصف بها في المستقبل من مخاطر.
وأكد السويركي على أن وجود الأساس المتين المتمثل بالآباء وقدرتهم على احتواء الأبناء ومناقشتهم والاهتمام بهم وبكل مشاكلهم صغيرة كانت أم كبيرة، من شأنه أن يثمر جيلاً متشابكاً مترابطاً.

ويضيف السويركي :"الحوار يقرب المسافات بين وجهات النظر المختلفة، داعياً الآباء والأمهات إلى عدم اتباع نظام الفوقية بينهم وبين أبنائهم، وألا يكونوا بمنأى عن أبنائهم، بل يشاركوهم كل ما يعترضهم من مشكلات وقضايا بعيداً عن أسلوب الإملاء". واستكمل قائلاً:"لابد للآباء ألا يقللوا من قيمة أبنائهم، وألا يجبروهم على الرضوخ لرغباتهم على أساس فهم خاطئ لتراث قديم".
لافتاً إلى أن كثيرا من الآباء يعمدون إلى مسح شخصيات أبنائهم والحجر على أفكارهم ، قائلاً:"إن الفهم الخاطئ للتراث من شأنه أن ينتج أجيالاً ممسوخة فكرياً وثقافياً"، وشدد السويركي على ضرورة إتاحة فرص الحوار بدلاً من الإجبار، وذلك لأن الحوار والمناقشة وتبادل الآراء توجد بيئة أسرية ناجحة في علاقاتها، تتوخي التفاهم لحل ما يعترضها من مشكلات وتكثف جهودها في كل الأزمات للوصول إلى حلول.
وأوضح السويركي أن ذلك يحتاج إلى دور مهم من وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني؛ لتقوم بداية بتوعية الآباء بدورهم، وتمكينهم من التعامل بإيجابية مع أبنائهم خاصة في ظل الثورة التكنولوجية التي جعلت كل إنسان بمعزل عن أخيه الإنسان.

أسباب اقتصادية
لعل أهم الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقات الإنسانية بين أفراد الأسرة الواحدة العامل الاقتصادي ولهث الآباء والأمهات وراء توفير لقمة العيش لأبنائهم دونما اهتمام منهم بقواعد التربية السليمة، وفي هذا الصدد يشير المدرب السويركي إلى أن العامل الاقتصادي هو مشكلة الدولة، وهي المخولة على حد تعبيره بإصلاحه وتبديده؛ ليتمكن رب الأسرة من توفير القوت لأبنائه ويتمكن من تربيتهم.
وشدد السويركي على ضرورة أن تتعاون مؤسسات المجتمع المدني مع الدولة؛ لتوفير الحد الأدنى للآباء من الاحتياجات الاقتصادية التي يتمكنوا من خلالها تأمين احتياجات أسرهم وأبنائهم على وجه الخصوص.

وأكد على أن الخطوة الثانية للوصول لعلاقات أسرية سليمة هي اعتماد الآباء "لغة الحوار" مع الأبناء، وإظهار الحنان لهم، ومناقشتهم فيما يتعرضون إليه من مشكلات، وعلى صعيد متصل أشار السويركي أن عمل المرأة وخروجها من المنزل أثقل كاهلها بمسؤوليات عديدة وأثر سلباً على علاقتها بأطفالها، مؤكداً أنها أوكلت المهمة في التربية وتدبير الأمور لمدبرة المنزل.

واستطرد يؤكد أن عمل المرأة قلل من استقرار الأسرة، والسبب برأيه أنها لم تعد تعط أولوية اهتماماتها لأسرتها، مما أثر على علاقتها بزوجها أولاً ،ومن ثمَّ انعكست تلك العلاقة على الترابط بينها وبين أبنائها.
وأوضح السويركي إلى أن صعوبة التفاهم بين الآباء والأبناء وانعدام الاتفاق بينهما على معايير للتفاهم المشترك يجعل الابن يتجه إلى التفكير مبكراً في الاستقلال عن الأسرة، سواء بالانخراط في العمل وترك الدراسة، أو السفر لأغراض العمل أو الدراسة أيضاً مما يحدث فجوة يصعب درءها.

التكنولوجيا تسرق دفء العلاقات الأسرية
يؤكد المدرب السويركي على أن التكنولوجيا الحديثة وانجذاب الجميع لها على اختلاف الفئات العمرية؛ أدى إلى تصدع في العلاقات الأسرية، وانتهي في كثير من الأحيان بعزل أفراد الأسرة كل بحسب رأيه، بل وسرق دفء العلاقات الإنسانية بينهم، لافتاً إلى حادثة طالعها في الصحف فحواها:أن امرأة خيرت زوجها بين استمرارها في الحياة معه، أو الإقلاع عن متابعة الإنترنت الذي سرقه من تفاصيل حياته الأسرية وجعله أسيراً له.
ولم ينف السويركي الإيجابيات الكثيرة التي أثمرها التطور التكنولوجي والانفتاح المعلوماتي قائلاً: "إنه سيف ذو حدين فهو إيجابي من حيث التواصل العالمي نوعاً ما، ولكنه سلبي على صعيد التواصل والترابط الأسري، إذ جعل كل فرد بمنعزل عن الآخر".