اعتماد البحث العلمي للحد من الفجوة الرقمية




د. صفاء الشويحات

لعل آخر ما تفتق عنه ذهن خبراء التنمية مصطلح الفجوة الرقمية الذي شاع استخدامه في خطاب التنمية المعلوماتية من وجهة النظر الغربية خاصة الأمريكية، ويقصد ب الفجوة الرقمية تلك الهوة الفاصلة بين الدول المتقدمة والدول النامية في النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة والقدرة على استغلالها. والحديث عن الفجوة المعرفية يتضمن مستويين ، الأول تكنولوجي ، ويشمل شق المحتوى وشق الاتصال بوصفهما المكونين الأساسيين لمجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة.والمستوى الثاني موضوعي، ويشمل فجوة العقل (ويقصد بها الفوارق في تقدم الفكر والعلم والتكنولوجيا ) وفجوة التعليم ،وفجوة اللغة والتي تصب ثلاثيتها في فجوة اقتصاد المعرفة. ومن منظور التنمية الشاملة تعتبر الفجوة الرقمية فجوة الفجوات، بين دول العالم المتقدم وغيره من الدول حيث تتضمن فجوات الفقر(فجوة البنى الأساسية ، فجوة العمل،و فجوة التعليم ، و فجوة الرعاية الصحية ، و فجوة المأوى ، وفجوة الغذاء، وفجوة الدخل) .أضف إلى ذلك الفجوة التنظيمية و التشريعية، والفجوة العلمية والتكنولوجية. من هنا تبرز الفجوة الرقمية كفجوة مركبة تطفو على هرمية الفجوات التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها ومن لا يملكها وتعوزه أدواتها. وعليه فإن الفجوة الرقمية هي الفجوة الأم التي تحمل جميع بذور التخلف المجتمعي وكل ما نجم عنه من فشل مشاريع إنمائية سابقة.
نشطاء حقوق الإنسان يرونالفجوة الرقمية انتهاكا لحق الإنسان في تنمية ذاته بحرمانه من حرية النفاذ إلى المعلومات،. و الفلاسفة أيضا يرون في الفجوة الرقمية فرعا من فلسفة الأخلاق في المقام الأول أما التربويون فيرونها قضية تعليمية في المقام الأول ومظهرا لعدم المساواة في النفاذ إلى فرص التعليم، في حين يرى الاجتماعيون أن الفجوة الرقمية ضربا من عدم المساواة الاجتماعية المختلفة كالدخل والسكن والنوع الاجتماعي (ذكر/أنثى) ومستوى التعليم، وسكنى المدينة والريف، أما السياسيون فيرون في الفجوة الرقمية إشكالية تندرج ضمن قضايا الاقتصاد السياسي.ولا ننسى أن هناك من يرى في الفجوة الرقمية مفهوما عاما ومشوشا يمكن أن يتسع ليشمل كل شيء إلى حد أن يصبح فارغا من كل معنى. وبغض النظر عن تعدد المواقف واختلافها إزاء الفجوة الرقمية فإننا لا نستطيع إنكار آثارها السلبية والمباشرة في حياة الإنسان العادي، فهي أمر يهدد أمنه في مجال عمله واستقراره ومصادر رزقه ، ومستقبله ومستقبل أبنائه من بعده، فالفجوة الرقمية تضعف ثقة المواطن في حكومته وفي قدرة المؤسسات على التصدي للحد منها، وعليه فقد باتت الفجوة الرقمية في مقام القضايا الشخصية، ومن واجب المواطن أن يفعل شيئا بشأنها لكنه يظل السبيل إلى ذلك ، ويشعر بالعجز أمام ضخامة المهمة ، وتسارع إيقاع الفوارق الرقمية .
وتتردد أصداء الفجوة الرقمية في أرجاء المجتمع الإنساني بفعل المتغير ألمعلوماتي، وحظيت باهتمام كبير سياسي واقتصادي وتكنولوجي وإعلامي، واحتلت موقعا بارزا في القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت في ديسمبر (2003) في جنيف، وقد سبقتها إلى ذلك العديد من المؤتمرات والمبادرات الدولية والإقليمية.
ففي إعلان الألفية الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة كانت الأولوية لمكافحة الفقر والمرض وإشاعة التعليم ، و في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أطلق مشروعا للقضاء على الفقر بحلول عام (2015) ورغم الاهتمام الذي توليه المنظمات الدولية والإقليمية بما فيها الاتحاد الأوروبي لمساعدة الدول النامية في تحقيق أهدافها التنموية وغيرها من المبادرات والمشاريع، إلا أن واقع الحال يبقى على ما هو عليه، وخير شاهد على ذلك ما أسفرت عنه القمة العالمية لمجتمع المعلومات ، فقد عجزت أن تقدم حلولا عملية ، أو شبه عملية ، لتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، وتاهت أمورها المحورية في متاهات الرسمية وتشبث الكبار بعدم المساس -لا من قريب أو من بعيد- بمصالحهم الفردية . وها هي الدول المتقدمة تناقض ما تبديه من حماس ظاهري لمساعدة الدول النامية برفضها القاطع لأي خطوات عملية للمساهمة الفعلية في تمويل مشاريع التنمية المعلوماتية في الدول النامية .
وعن تزايد اتساع الفجوة بين أغنياء العالم و فقراءه يبين.( تقرير التنمية الإنسانية ،1999). أنه وفي عام 1820 كانت متوسط دخل الفرد في الدول النامية يعادل 13 من متوسط دخل الفرد في دول العالم المتقدم ،وفي عام 1913 ارتفعت النسبة إلى 111 واستمرت زيادة الفروق إلى أن أصبحت في عام 1950: 135 وفي 1973 تزايدت النسبة لتصل إلى 144 أما في العام 1972 فوصلت النسبة من 172 ، بمعنى أنه ومنذ قرنين من الزمن كانت الفجوة الرقمية ضيقة للغاية وتكاد تكون منعدمة ، وظلت هذه الفجوة تتسع بمعدل بطيء إلى أن زاد معدل اتساعها على أثر الثورة الصناعية ومن بعدها الثورة المعلوماتية لتزيد من حدة اتساع الفجوة. وتأتي العولمة ، صنيعة هذه الثورة لتزيد الوضع تفاقما حتى فاض كأس البؤس وأصبحت قيمة متوسط دخل الفرد في الدول النامية 1 إلى 72 مقارنة بما هي عليه في الدول المتقدمة.
وللوقوف على حجم الإنتاج العلمي في العالم العربي فيما قبل النقلة المعلوماتية نجد الإجابة فيما إذا دققنا النظر في المؤشرات الرقمية التالية، والمقتبسة من مجلة عالم المعرفة العدد (213) ص (13)
ينفق العالم العربي على البحوث والتطوير (2ر0) في المائة من إجمالي نتاجه المحلي، أي ما يعادل سبع المتوسط العالمي(4ر1) في المائة .
مخنسبة البلدان العربية من النشر لا تتعدى (7ر0) في المائة أي أقل من سدس نسبة العرب إلى إجمالي عدد السكان عالميا.
معدل الإنفاق الحكومي سنويا على كل طالب جامعي (2400) دولار في مقابل (14200) دولار في دولة مثل اسبانيا.
-إنتاج العرب من الكتب لم يتجاوز (1ر1) في المائة من الإنتاج العالمي على الرغم أن العرب يشكلون نحو (5ر4) في المائة من سكان العالم.
معدل الإنفاق على البحوث والتطوير لكل نسمة (6) دولارات مقابل 591 دولار في الولايات المتحدة و (40) دولار في الصين.
عدد براءات الاختراع العربية المسجلة في الولايات المتحدة خلال العقد الثاني (1990-2000) لا تتجاوز (300) في مقابل كوريا الجنوبية (6328) وإسرائيل (7652) .
مخعدد الأبحاث المنشورة و يتكرر وجودها في مراجع الأبحاث الأخرى التي تحيل إليها. ةلم ىفى وهو مؤشر ذو على دلالة لنوعية الأبحاث (2ر0) لمصر (07ر0) للسعودية و (53ر0) للكويت ،و (01ر0) للجزائر في مقابل (43) للولايات المتحدة و(80) لسويسرا و(38) لإسرائيل و( 03ر0) للصين.
ومن فنتتازيا الأرقام التي شاعت في خطاب الفجوة الرقمية عالميا ما ورد في تقريرالتنمية التكنولوجية ومنها أن :
-( 850 ) مليون فقط من إجمالي سكان العالم (6 مليار) لا يجيدون القراءة والكتابة.
-ثلث قوة العمالة في العالم (وفقا لمنظمة العمل الدولية) تعاني من البطالة أو شبه البطالة.
2ر1مليار أي ما يوازي( 20)في المائة من سكان العالم يعيشون في فقر مطقع ( أقل من دولا واحد يوميا).
- يبلغ نصيب مجموعة أغنى ثلاثين دولة في العالم من إجمالي مستخدمي الانترنت (79) في المائة في حين لا يزيد نصيب إفريقيا كلها عن ( 1) واحد في المائة.
- كلفة شراء الكمبيوتر في بنجلادش توازي راتب ثماني سنوات لشخص متوسط الدخل.
-(80) في المائة من مستخدمي الانترنت هم من أصحاب الدخول المرتفعة و(5) في المائة من مستخدميها هم من أصحاب الدخول المنخفضة.
ومن الأهمية بمكان أن نورد أيضا بعض مؤشرات الفجوة الرقمية بين العرب وإسرائيل: ( نبيل وزينة،2005)- الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إسرائيل يفوق نظيره في الدول العربية مجتمعة وتزاد السعة بينهما عبر الزمن ( ساسين،2004).
- يبلغ عدد الكتب المترجمة عبريا (100) كتاب لكل مليون إسرائيلي في حين يبلغ عددها بالنسبة للعالم العربي (3) كتب تقريبا لكل مليون عربي .
فيما يخص النشر العلمي يبلغ 7ر11 بحثا منشورا لكل عشرة آلاف في إسرائيل ، بينما يبلغ هذا المعدل ثلث بحث لكل عشرة آلاف في العالم العربي.
في العام (2000) بلغ عدد المالكين للكمبيوتر في إسرائيل (47) لكل مائة فرد ، في حين يبلغ هذا العدد (4) لكل مائة في العالم العربي. وربما تحسنت المؤشرات العربية قليلا إلا أن الفارق يظل شاسعا.
- تحتل إسرائيل المركز(12) من حيث الجاهزية الشبكية ، في حين تحتل أعلى الدول العربية وهي تونس المركز (34) تتلوها المغرب في المركز رقم (52)، فالأردن في المركز(57) فمصر في المركز(65) في الفترة الزمنية 2002-2003 .
وقد يرى البعض أنه ولولا المساعدات الهائلة من الغرب لما تقدمت إسرائيل، وهذه المقولة تحمل جانب من الحقيقة وليس كلها ، فالحقائق المجردة تقتضي ضرورة الإقرار بأن إسرائيل نجحت في استثمار ما قدم إليها من مساعدات في إستراتيجية متكاملة للتنمية العلمية والتكنولوجية ترجمت في سلسلة من الخطط العلمية والإجراءات التنفيذية.. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تزايد اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بفعل المتغير ألمعلوماتي، نستطيع أن نتخيل التصدع الذي يعانيه المجتمع الإنساني بسبب الفوارق الرقمية فيما بين دول العالم .
ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من النقاط المضيئة في طريق اعتماد البحث العلمي للحد من الفجوة الرقمية ، فالنزعة المعلوماتية للبحث العلمي هي في مصلحة الباحثين العرب شريطة توفر المهارات الأساسية للتعامل مع موارد المعلومات العلمية، وهذا ليس بالأمر العسير ، فالبيئة مواتية لفرص عديدة للمساهمة محليا وعالميا وهناك توجهات ايجابية تعمل لصالحنا وأهمها: وفرة موارد المعلومات العلمية ،والمشاركة العلمية عن بعد. وتدني كلفة إنتاج العلم نسبيا.وانفصال المعرفي عن التكنولوجي.
وفيما إذا تم اعتماد مدخل البحث العلمي لا بد من التركيزعلى:
- عما زال بحوزتنا من الموارد البشرية-التي نستطيع أن ننافس بها ، خاصة وأن العلم يمر حاليا بنقلة نوعية يمكننا أن نلحق بها ويبقى ذلك رهن بحسن استغلالنا للفرص.
مخإمكانية النجاح في تحقيق تنسيق عربي مشترك يهدف للتكامل العربي بصفته مطلبا أساسيا ومصيريا، يتسم بصدق النوايا وقوة الإرادة لانتشال عالمنا من كبوته الحالية.
-إعطاء المسؤولية للتأهيل الفردي من خلال التعليم والتدريب والتوعية، وإكساب المتعلم القدرة على التعلم ذاتيا مدى الحياة باستغلال الإمكانات التي تتيحها الانترنت.
- البحث في سبل توفير فرص النفاذ إلى المعلومات متخطين بذلك أي استبعاد اجتماعي، أو تفاوت اقتصادي ، أو طبقي . أو مهني.
-ضرورة توفير شروط العدالة الاجتماعية والثقافية التي تساعد على توطين التكنولوجيا في التربة المحلية الاعتماد على سند من التشريعات والتنظيمات يشكل نوعا من النظام تفرضه السياسة من أجل حماية المجتمع من فوضى وشيكة يمكن أن تلم به بفعل المتغير المعلوماتي.
وفي النهاية لا بد من التنويه إلى ضرورة إعادة النظر في خطاب التنمية والذي غالبا ما يتمركز حول الاقتصاد، وينظر عادة إلى الدولة ومسؤوليتها في توفير الخدمات الضرورية لفئات جماهيرية مختلفة. علما أن التنمية المستدامة لا تتحقق في عالمنا المعاصر إلا من خلال توسيع نطاق البدائل خاصة فيما يتعلق بالشفافية والمشاركة والديمقراطية ، وتحويل الاهتمام صوب الجوانب الاجتماعية الأخرى ، خصوصا فيما يتعلق بالتنوع والتكامل الثقافي.
جريدة ارأي
دراسات