حذر الفقيه والداعية الأزهري الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، من المفاهيم الخاطئة والفتاوى المتشددة والرؤى الضيقة التي يتم التعامل بها مع المرأة في بلادنا العربية والتي تسيء في مجملها للشريعة الإسلامية وتعطي فرصة لخصوم الإسلام لإثارة اللغط حولها .


ورفض في حواره مع “الخليج” الدعوات التي تنطلق على ألسنة البعض وتطالب بحظر تعدد الزوجات، مؤكداً أن التعدد أباحته الشريعة الإسلامية بضوابط وشروط وفي ظل ظروف معينة ولا يمثل مشكلة في بلادنا العربية الآن .




ووصف الشيخ عاشور لجوء بعض المسلمين الآن إلى أنماط وأشكال متنوعة من الدجل والخرافات بالعار، مشيراً إلى رفض الإسلام لكل أشكال تغييب العقل وإفساده .




وفي ما يلي نص حوارنا معه:




في البداية سألت الشيخ عاشور: قضايا المرأة المسلمة محل خلاف دائم بين علماء ودعاة الإسلام مع أن المصادر التي يستقي منها الجميع واحدة . . ترى ما أسباب ذلك؟




- في الواقع هناك رؤية متشددة اختلطت فيها العادات بالعبادات، وسيطرت فيها التقاليد المتوارثة على عقول البعض، وهؤلاء أرادوا أن يجعلوا مفاهيمهم المتشددة وعاداتهم وتقاليدهم قواعد وثوابت يلزمون نساء المسلمين بها، وهذا في واقع الأمر سلوك مرفوض، فالمرأة المسلمة الآن لا ينبغي أن تكون ضحية رؤية متشددة وتقليد أعمى لعادات وسلوكات، بعضها يقره الإسلام انطلاقاً من مراعاته للعرف السائد، وأكثرها يرفضه لأنه يشوه الصورة الجميلة ويضيع الحقوق المثالية التي جاءت بها شريعة الإسلام لتعيش المرأة في ظلالها حياة كريمة مستقرة، وتنعم بحقوق لم تنعم بها المرأة في أكثر المجتمعات رقياً وتحضراً .




أخلاقيات غائبة




من وجهة نظرك: لماذا فسدت العلاقات الاجتماعية وتقطعت الأواصر الإنسانية وسيطرت الأنانية على نفوس كثير من الناس الآن وما تأثير ذلك في حياتنا واستقرارنا الاجتماعي وأمننا النفسي؟




- لا بد أن نعترف أولاً بأننا ابتعدنا كثيراً عن هدي الإسلام وتخلينا عن الأخلاق والآداب والمشاعر الإنسانية التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم في كل سلوكاته وعلاقاته مع الآخرين .




ولو تأدبنا بأدب الإسلام واهتدينا بهدي رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، وعملنا بتوجيهاته لما شكونا مما نشكو منه الآن، فرسولنا، صلى الله عليه وسلم، يقول في حديث صحيح “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”، فهل نحن نعمل بهذا التوجيه النبوي الكريم؟ للأسف واقع حياتنا الاجتماعية يقول غير ذلك، فحياة كثير منا كلها مشاحنات وهجر ونزاع ومكائد، وهذه ليست أخلاق مسلمين، بل إن علاقات غير المسلمين ببعضهم بعضاً أفضل من علاقات المسلمين ببعضهم بعضاً للأسف، مع أن ديننا جاء بكل ما يقيم مجتمع الإسلام على المحبة والمودة والرحمة والتعاطف والتكافل، وأوضح لنا ديننا أن للمسلم على أخيه حقوقاً كثيرة، منها نصرته ظالماً أو مظلوماً، بمعنى رده عن الظلم أو رد الظلم عنه، ومنها صلته بالمعروف والإحسان إليه، وقد قال، صلى الله عليه وسلم “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” .




تصورات خاطئة




هناك دعوات تتبناها بعض الجمعيات النسائية والناشطات في مجال حقوق المرأة تطالب فيها بحظر تعدد الزوجات ووضع قيود قانونية تحد من انتشاره في بلادنا العربية والإسلامية . . كيف تنظرون إلى هذه الدعوات؟




- تعدد الزوجات ليس منتشراً بالصورة المزعجة التي يتخيلها البعض، وليست هناك إحصاءات دقيقة ترصد التعدد وتوضح نسبة من يجمعون بين أكثر من زوجة، وهناك بيئات عربية ينتشر فيها التعدد أكثر من غيرها لظروف اجتماعية واقتصادية قد تشجع عليه .




وعلينا أن نتعامل مع تعدد الزوجات على أنه ضرورة اجتماعية وحاجة نفسية وليس مشكلة، فقد يكون عدم التعدد هو المشكلة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات العنوسة في معظم البلدان العربية وزيادة عدد المطلقات، ولو شاعت ثقافة التعدد في ظل الضوابط والقواعد الشرعية الحاكمة لها لتخلصنا من بعض هذه المشكلات أو خفت حدتها على الأقل . وأنا هنا أحذر من المساس بالأحكام الشرعية، ولا يوجد هناك ما يدعو إلى سن تشريعات تضع عراقيل على تعدد الزوجات، فالضوابط الشرعية كافية لمنع التعدد والحد منه إذا لم تكن هناك حاجة إليه .




والواقع أن هناك خلطاً للأوراق في مسألة تعدد الزوجات فهناك من يقول: إن التعدد ضد مصلحة المرأة وفيه إهدار لحقوقها ولذلك تطالب بعض الجمعيات النسائية بحظره، وأقول: هل هناك امرأة أجبرت على الزواج من رجل متزوج؟




سلوك جاهلي




انتشرت في كثير من المجتمعات العربية رذيلة حرمان المرأة من حقها الشرعي في الميراث . . كيف تنظرون إلى هذا السلوك؟




- هذا سلوك جاهلي حاربه الإسلام ويجب أن يختفي تماماً من حياتنا، فالإسلام الذي ندين به أعطى المرأة كل حقوقها المادية وألزم أهلها أن يقدموا لها ميراثها الشرعي طواعية، وجعل الاعتداء على هذا الحق بالمصادرة أو الانتقاص منه جريمة سيعاقبهم الله عز وجل عليها .




لذلك نحن نحذر من استمرار هذه الجاهلية التي قضى عليها الإسلام تماماً، ونؤكد ضرورة تحكيم الشريعة في هذه المسألة، فلابد أن تأخذ المرأة حقوقها الشرعية كاملة كما أمر الله ورسوله، ولابد من تجريم سلوك الأشقاء الذين يحرمون شقيقاتهم من الميراث، ولا بد من إنصاف القانون لهؤلاء، فضلاً عن الإدانة الاجتماعية لكل إنسان يحرم شقيقته من حقها في الميراث، ولكل أب يرتكب هذه الحماقة قبل موته .




واقع محزن




المسلمون يهدرون أموالاً كثيرة على أشكال وأنماط الدجل والشعوذة والخرافات التي تنتشر بين المسلمين، كيف تنظرون إلى خطورة هذه الخرافات؟




- واقع محزن للغاية أن يفكر بعض المسلمين الآن بهذا الشكل، فالإسلام دين علم ويحترم العقل ويساند كل ما يقرره العقل السليم، والإسلام في حقيقته ثورة على كل أشكال الدجل والشعوذة والخرافات التي تنتشر بين المسلمين الآن، ولذا يجب على علماء الإسلام وعلى كل وسائل الإعلام العربية أن تواجه هذه الخرافات التي تعد عاراً على المسلمين، وأن توضح خطورتها للناس .




إن على المجتمع الإسلامي بكل هيئاته ومؤسساته ووسائل إعلامه أن يرفض رفضاً قاطعاً كل أعمال الدجل والاعتقاد في الخرافات والأوهام واللجوء إلى مدعي الولاية أو من يزعمون علم الغيب أو الاستعانة بأصحاب الأضرحة والقبور من أجل طلب الشفاء أو هلاك الأعداء أو قضاء الحوائج، فكل هذه أمور لا يقبلها عقل ولا دين .




فتوى متسرعة




أفتى أحد علماء الأزهر بإباحة ضرب الزوجة لزوجها المعتدي عليها . . كيف تنظرون إلى هذه الفتوى؟




- الإسلام ألزم الزوجة باحترام زوجها وتقديره والحفاظ على كيانه كمسؤول عن الأسرة وله حق القوامة والتوجيه، وكل ما يحقق ذلك مطلوب ولا يجوز التفريط فيه، وإذا كان الإسلام قد أباح للزوج ضرب زوجته لتقويمها فهذا الحق قد أحاطه الشرع بضوابط وقيود وجعل له حدودًا حتى لا يتجاوز هدفه في الإصلاح ويتحول إلى وسيلة إيذاء بدني للمرأة وهي مخلوق ضعيف الجسد مرهف الحس رقيق المشاعر . وإعطاء الإسلام للرجل حق تهذيب سلوك زوجته الناشز بالضرب الرمزي الخفيف لا يعني منح هذا الحق للزوجة عندما ترى في سلوك زوجها ما لا يعجبها، فهناك وسائل كثيرة مشروعة تعبر من خلالها المرأة عن رفضها سلوك زوجها من دون أن تمتد يدها إليه أو تطلق شرارة لسانها عليه .




تطالب بعض الجمعيات النسائية بتشريع يعاقب الزوج الذي يضرب زوجته . . هل يجيز الشرع ذلك؟




- الإسلام أعطى الزوج حق تأديب زوجته، ومع هذا فقد قيد هذا الحق بحدود وهي ألا يؤدي إلى إيذاء شديد، وإنما يقتصر الأمر على التأديب، وعلى هذا فإذا تجاوز الزوج هذه الحدود وتعداها بأن اعتدى على زوجته اعتداء شديداً، أي آذاها في جسمها أو في وجهها أو جرح رأسها، فإن هذا يخرج عن حدود التأديب ويعد ضرباً مبرحاً تعاقب عليه الشريعة الإسلامية .




ومن ثم فيجوز وضع قاعدة شرعية وقانونية بمعاقبة الزوج إذا آذى زوجته وضربها ضرباً مبرحاً يخرج عن حدود التأديب، والمرجع في تحديد ما إذا كان هذا الضرب في حدود التأديب أم خرج إلى دائرة التعذيب والإيذاء هو القضاء .