السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسول الله، أرسله الله تعالى بالهدي ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقبل أن أشرع في موضوع الخطبة أُبيّن أن بعض الإخوان يتقدمون إلى الصفوف الأولى ويجعلون بينهم فرجًا وهذا تقصير منهم أو قصور؛ لأن الأَولى ألا يجعلوا بينهم فرجًا؛ لأنه إذا شاهد أحد من المتأخرين هذه الفرجة جعل يتخطى رقاب الناس إليها فيحصل منه أذية لإخوانه ويكون سبب هذه الأذية هؤلاء القوم الذين جعلوا بينهم فرجًا في الصفوف الأولى؛ لذلك أرجو أن تنتبهوا أن السنّة هو إكمال الصف الأول فالأول وأنه لا ينبغي أن يجعل في الصفوف الأولى فرج يتخطى الناس المتأخرون رقاب الآخرين إليها .
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - أرسل إليكم رسولاً على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل وشيوع من الغي، أرسله الله إليكم يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، فأبقى الله تعالى فيكم دينه متلوًّا في كتاب الله غير مبدل ولا مغيّر، ومأثورًا فيما صحّ من سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذه السنّة التي حماها الله تعالى بالأسانيد الصحيحة وحماها من الأحاديث الضعيفة بما قيّض الله من علماء المسلمين الذين يبيّنون الصحيح من الضعيف من سنّة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولقد أفاض الله عليكم مع هذه النعمة العظيمة، أعني: أنه علّمكم الكتاب والحكمة وزكّاكم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، أنعم عليكم بالمال لتستعينوا به على طاعة الله وتتمتعوا به في حدود ما أباح الله لكم، فالمال قيام دينكم ودنياكم، فاعرفوا حق هذا المال، اعرفوا حقه باكتسابه من حلّه وابذلوه في مستحقه، +وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [المزمل: 20] .
أيها الإخوة المسلمون، إن المال الذي هو لكم في الحقيقة ما قدمتوه لأنفسكم ذخرًا لكم عند الله وليس المال ما جمعتموه فاقتسمه الورّاث بعدكم؛ فإنكم إذا جمعتموه سوف تخلفونه وتدعونه كما قال الله تعالى: +وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ" [الأنعام: 94]، أي: تركتم ما أعطيناكم من المال والخدم والبنين وراء ظهوركم فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإنما له ما قدم ومال وارثه ما أخر»(1)، وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: «أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سوى كتفها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بقي كلها غير كتفها»(2)؛ لأن الكتف أبقوه فلم يتصدقوا به وأما ما تصدقوا به فهو الباقي .
أيها الإخوة، إنه من المؤسف الشديد أن بعض الناس اليوم يشحّون على أنفسهم بالزكاة: فتجدهم يحاولون المكر والكيد لعلهم يسقطون عنهم الزكاة وهذا - والله - جهلٌ منهم، جهلٌ منهم بأنفسهم وبما أوجب الله عليهم مع أن الواحد من هؤلاء ربما يعزم عزيمة يدعو إليها كثيرًا من الناس ينفق فيها أكثر من الزكاة بكثير ولاشك أن هذا هو العدو لنفسه، فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الزكاة التي تنفقونها إنما هي صدقة من الصدقات وهي ظل لكم يوم القيامة وهي - واللهِ - غنيمة لا غريمة، والحمد الله الذي جعل في أموالنا صدقة نبذلها من أموالنا نتقرّب بها إلى ربنا عزَّ وجل، فهي غنيمة: غنيمة لمن وقاه الله شح نفسه وعرف قدر نفسه .
أيها المسلمون، وإن من الناس مَن ينفق المال في طرق الخير ولكنه يتخبط خبط عشواء من غير دليل من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ولذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتصرف في ماله فيما يقرّب إلى ربه أن يستشير أهل العلم في أي موضع يضع هذا؛ حتى يكون على بصيرة من أمره .
ولقد جاء أبو طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين نزل قول الله تعالى: +لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" [آل عمران: 92]، جاء رضي الله عنه وكان له حديقة قِبْلتها مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تسمى بيرُحاء وكان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، فقال: «يا رسول الله، إن الله أنزل هذه الآية: +لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" [آل عمران: 92]، وإن أحب مالي إليّ بيرُحاء وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بَخٍ بَخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت وأرى أن تجعلها في الأقربين»(3)فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، فانظر إلى هذا الصحابي الجليل كيف جاء إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يستشيره في أي جهة يُنفق هذا المال الذي هو أحب شيء إليه، وهكذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما سنذكره قريبًا إن شاء الله .
وإن من إنفاق المال في طرق الخير: أن يصرفه الإنسان في بناء المساجد إما استقلالاً وإما مساهمة ومشاركة، فقد صحّ عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: «مَن بنى لله مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة»(4)، فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والفقه في دين الله وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها .
ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن ينفقه في طبع الكتب النافعة والنشرات الهادفة أو أن يشتري منها ويوزعها على مَن ينتفع بها .
ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن ينفقه في المصالح العامة كإصلاح الطرق وتأمين المياه للشاربين؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - لما قدموا المدينة كان فيها بئر يسمى بئر رومة لا يحصلون الماء منها إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن حفر رومة فله الجنة»، فحفرها رضي الله عنه وجعل الناس يستسقون منها.
ومن إنفاق المال في طرق الخير: أن يحبّسه الإنسان، أي: يوقفه لإنفاق غلته فيما يقرّب إلى الله عزَّ وجل، ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أصاب أرضًا بخيبر لم يصب مالاً أغلى عنده منه، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيره فيها ويستأمره، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن شئت حبّست أصلها وتصدّقت بها»(5)وفي لفظ للبخاري «تصدّق بأصله لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ولكن يُنفق ثمره»(6)وفي رواية للنسائي «احبس أصلها وسبّل ثمرتها»(7)، فتصدّق بذلك عمر - رضي الله عنه - في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى، فإذا سبّل الإنسان ملكَه أو أوقفه صار وقفًا محبوسًا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يُصرف فيما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثمًا .
والوقف يكون وقفًا بمجرد العقد لا يتقيّد بالموت، فمتى أوقف الإنسان شيئًا خرج عن ملكه ولم يملك أن يتصرف فيه بخلاف الوصية فإن الإنسان مادام حيًّا له أن يغيرها وأن يعدل عنها نهائيًّا .
والمقصود بالوقف أيها الإخوة، المقصود أمران عظيمان، أولهما: التقرّب إلى الله - عزَّ وجل - وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلّة الوقف فيما يرضي الله، وثانيهما: نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم، وإذا كان المقصود به التقرّب فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله؛ إذ لا يتقرّب إلى الله إلا بطاعته .
أرجو الانتباه، فلا يجوز الوقف على بعض الأولاد دون بعض، أي: لا يوقف على فلان دون الأولاد الآخرين؛ لأن الله تعالى أمر بالعدل، فقال تعالى: +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" [النحل: 90]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(8)، والوقف على بعض الأولاد دون بعض جور منافٍ للعدل إلا أن يكون التخصيص بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر، مثل أن يقول: هذا وقف على الفقير من أولادي أو على طالب العلم منهم فهذا لا بأس به؛ لأنه لم يخص واحدًا بعينه وإنما لاحظَ الصفة المطلوبة، فإذا وقّفه على الفقير من أولاده فلا حظّ فيه للغني حال غناه، وإذا وقّفه على طالب العلم منهم فلا حظّ لغير طالب العلم حال تخليه عن الطلب، ولا يجوز أن يوقف شيئًا من ماله وعليه دين لا وفاء له من غير ما وقّفه حتى يوفي دينه؛ وذلك لأن إيقافه إضرار بالغريم ووفاء الدين أهم؛ لأنه واجب والوقف تطوّع، ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا ضررَ ولا ضِرار»(9)، ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض؛ لأن الله تعالى قسم المال بين الورثة وقال: +فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ" [النساء: 11]، وقال في الآية الثانية: +وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ" [النساء: 12]، وبيّن سبحانه أن هذا من حدوده - أعني: تقسيم المال بين الورثة - وتوعد مَن تعداها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أعطى كل ذي حق حقّه فلا وصية لوارث»، فإذا قال الإنسان: أوصيت بداري وقفًا على ذريتي وله ورثة غير الذرية كان ذلك خروجًا عن فريضة الله وإخلالاً بوصية الله وتعديًا لحدود الله ومعصيةً لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه قال: «لا وصية لوارث»(10).
هذه المسائل التي ذكرتها توجد في وصايا بعض الناس؛ ولهذا أقول: يجب على مَن كانت وصيته على هذا الوجه أن يغيّرها قبل أن يموت؛ فقد قال الله تعالى: +فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ" [البقرة: 182] .
أيها الإخوة المسلمون، إذا كان المقصود بالوقف هو التقرّب إلى الله - عزَّ وجل - ونفع الموقوف عليهم، فالذي ينبغي للإنسان أن ينظر ما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده، ولْينظر في النتائج المترتبة على وقفه ولْيتجنب ما يكون سببًا للعداوة والقطيعة، ولْيعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحّة خير وأفضل وأعظم أجرًا لا سيما إذا كان في مصالح مستمرة كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على مَن ينتفع بها وإعانة في زواج الفقراء يحصّنهم ويحصن فروج نسائهم وربما يولد بينهما ولد صالح ينفع المسلمين فهو مصلحة وأجر لمن أعانه على زواجه .
وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال: «يا رسول الله، أيّ الصدقة أفضل ؟ - وفي لفظ - أعظم أجرًا ؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان»(11) وصدق نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - أن الصدقة في حال الصحة أفضل؛ لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيح بالمال بخلاف مَن جعل تنفيذ المال بعد يأسه من الحياة أو بعد انتقال المال إلى الوارث .
وقد تصدق الله تعالى على عباده بثلث أموالهم يوصون بها بعد موتهم لأقاربهم غير الوارثين أو للفقراء أو لبناء المسجد أو غيرها من طرق الخير والبِر .
أيها الإخوة، أنبهكم على أن الوصية ليست كالوقف، فإذا أوصى الإنسان بشيء من ماله فله الرجوع في وصيته، له إبطالها وله أن يغيرها بزيادة أو نقص في حدود ثلث المال، فمثلاً: إذا قال: أوصيت بهذه الدار بعد موتي تكون لكذا وكذا فله أن يرجع ويبطل الوصية؛ ولذلك أنصح الكتّاب الذين يكتبون الوصايا أنهم إذا كتبوا لشخص وصية فلْيقولوا: وهذه الوصية تنسخ ما قبلها من الوصايا؛ لأنه أحيانًا يوصي الإنسان بوصية فينساها ثم يوصي بعدها بوصية تخالفها فإذا وجدوا الأولى بعد الموت أشكل عليهم التنفيذ، لكن إذا قال الكاتب للوصية: هذه الوصية تنسخ ما قبلها أراح الناس بعد موت الموصي؛ إن الوصية أوسع من الوقف من هذه الناحية - أي: من جهة الإنسان - يتصرف فيها فيمكن أن يغيرها أو يفسخها، أما الوقف فإنه ينفذ في الحال وليس للواقف إبطاله ولا تغييره ولا زيادته ولا نقصانه، وكذلك مَن كان بعده من الناظرين على الوقف يمشون على حسب ما أوقفه بدون نقص ولا زيادة ما لم تقتضِ المصلحة خلاف ذلك، قال الله تبارك وتعالى: +وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [البقرة: 195] .
بار ك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب .
وأكرر ما نبّهت عليه أولاً أنه ينبغي للمتقدمين في الصفوف الأولى ألا يجعلوا بينهم فرجًا؛ لئلا يراها المتأخرون فيتخطوا رقاب الناس فيؤذونهم .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم يلاقيه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحْيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد سألني بعض الذين يجلبون التمر من خارج البلد أنهم يأتون به ومع هزيز السيارة له ينخفض فيقولون: إننا بعد أن نصل إلى مكان البيع نفرغه في مكان آخر؛ حتى يزول عنه هذا الهضم، فهل ذلك حلال؟
نقول: من المعلوم إن كان يُباع بالوزن فلا بأس به بلا شك؛ لأنه يعتمد فيه على الوزن ولا فرق فيه بين المنفوش والمنضغط، وأما إذا كان يُباع على حسب الرؤية فإن كان هذا الانتفاش الذي يحصل بالتفريغ يزيده عما كان عليه أولاً؛ فإن ذلك من الغش فلا يحل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن غشّ فليس منا»(12)، وإن كان ينهضه عن الانخفاض ولكنه لا يزيده عن الواقع فأرجو ألا يكون في هذا بأس .
هكذا أقوله؛ لأن بعض الناس يسأل عن هذا وهو أمر يحتاج إلى بيانه والمؤمن - بحول الله - لن يتعامل معاملة حرمها الله عليه؛ لأنه يعلم أن الآخرة خير وأبقى .
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل برٍّ والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، واعلموا «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة - يعني: في الدين - بدعة، وكل بدعة ضلالة»(13)، «فعليكم بالجماعة، عليكم بالجماعة وهي: الاجتماع على دين الله وألا تتفرقوا فيه ومن ذلك: الجماعة على الصلوات الخمس في المساجد؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار»، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه وثنّى بالملائكة المسبّحة بقدسه وثلّث بكم - أيها المؤمنون - من جنه وأنسه فقال الله تعالى: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56]، فسمعًا اللهم لك وطاعة .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم إنا نشهد أنه بلّغ البلاغ المبين وأنه جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفنا على ملته، اللهم أسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين.
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين وهم الأربعة المهديون والأئمة المتبعون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل مَن تبع المرسلين، اللهم ارضَ عن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم بمنِّك وكرمك ورحمتك وعفوك وجودك وإحسانك ارضَ عنا معهم يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم ألِّف بين قلوبهم، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، اللهم انصرهم على عدوهم يا رب العالمين، اللهم دمر أعداء الدين من اليهود، والنصارى، والمشركين، والملحدين، والمنافقين يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين صغيرهم وكبيرهم، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتحثهم عليه وأبعد عنهم كل بطانة سوء يا رب العالمين، +رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" [البقرة: 201]، +رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10] .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .