لا تغضب .. حتى لا تنــدم ..



*




الغضب نفخة من نفخات الشيطان الرجيم ـ نعوذ بالله منه ـ يسيطر به

على صاحبه ..... فيفقده اتزانه ، فيقول ويعمل ما يوبق دنياه وأخراه

وكم من عاقل فقد عقله حال غضبه فأرداه الشيطان في داهية ، وألقاه في هاوية !

وكم من رجل غضب في لحظة شيطانية ، فتكلم بما يوجب له النار ، وكان

الغضب سبب تلك الخطايا والأوزار !


وكم من رجل حليم ، غضب فظلم ، وسخط فحرم ، وتكلم فندم !

وكم من زوج محبٍ لزوجته ، ملكت عليه لُبَّه ، وتمكنت من قلبه ، فوقعت فيما

يسخطه ، فغضب منها غضبة أوقعته فيما كان يحذر ، فمدَّ يده عليها بغير حق

وتكلم عليها بباطل ، وربما طلَّقها بغير جرم ، فندم يوم لا ينفعه الندم ، فخرجت

من بيته وهو لها محب ، وفرَّق بينهما الغضب !


وكم من والد غضب من ولده ، فضربه ضرباً مبرحاً ، حتى أعطبه وأرداه

وأوقع به من العطب في بدنه ، ما جعل الوالد الحزين يندم على ذلك مدى عمره

ولو تأمل بعقله لوجد أن السبب لا يستحق هذا الغضب !


وكم من رجل عاقل تعرض له بالأذى أو الخطأ رجل آخر ، فنفخ الشيطان

في قفاه ، فتقاتلا كالأعداء ، فقتله أو جرحه ، فكانت السجون من بعد بيته

موطن سكنه وحزنه ، أو كان السيف البتار الذي دُقَّ به عنقه ثمرة

من ثمرات الغضب ! وكم ، وكم ، وكم ...أ
ـ
ـ
ـ


وللعاقل أن يسأل : ما وسائل كبح جماح الغضب ؟ وكيف نتخلص منه ؟

يجب أن تعلم أن الغضب إنما هو نفخة من نفخات الشيطان على الإنسان

فلتحذر من عدوك ، فإنه يريدك أن تغضب

ليتكلم على لسانك ، ويبطش بيدك ، ويركل بقدمك ...

فعن سليمان بن صرد ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت جالساً مع النبي

ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجلان يستبان ، فأحدهما احمرَّ وجهه ، وانتفخت

أوداجه ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب

عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان . ذهب عنه ما يجد " .

فقالوا : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " تعوذ بالله من الشيطان "

فقال : وهل بي جنون ؟

( صحيح البخاري (6/337 ـ 3282 )

هل رأيت ماذا قال ؟! جربها أنت مع من تراه يخاصم ويهاجم ، وقل له :

استعذ بالله من الشيطان ، فهل تراه يقولها من أول وهلة ؟ جرِّب لتعرف...

والآن .. هل ترغب بمعرفة الأجور العظيمة التي أعدها الله تعالى

لمن كتم غيظه وكف غضبه ؟؟

فعن معاذ بن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله عليه وسلم :

" من كظمَ غيظاً وهو يستطيعُ أن ينفِذَه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس

الخلائق ، حتى يُخيره في أي الحور شاء "

( صحيح سنن الترمذي 2/197 ـ 1645 )

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :

" ما من جُرعةٍ أعظم أجراً عند الله من جُرعة غيظٍ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله "

( صحيح سنن ابن ماجه 2/407 ـ 3377 )

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال :

قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ... ومن كفَّ غضبه ، ستر الله عورته

ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ..."

( رواه الطبراني في الكبير ، انظر : السلسلة الصحيحة 2/608 ـ 906 )

ولكي تسيطر على غضبك يجب عليك :


- أن تفارق المكان الذي غضبت فيه إلى حين ، فيخسأ الشيطان ، ويعود إليك

الاتزان ، فإذا غضبت من زوجتك فلا تقعد معها في البيت بل اخرج من المنزل

لبضع ساعات ، لتعود إليه وقد ذهب غضبك ، وأمعنت الفكر في المشكلة التي وقع

عليها الخلاف ومن أجلها الشجار ، وكذلك الحال عندما يحدث بينك وبين غيرك

شجار أو عراك أو خصومة ، اخرج ، لتنجو ..


- أن تستعيذ بالله من شرِّ الشيطان وتلبيسه وتوهيمه وغمزه ولمزه ، فإنه

القادر ـ سبحانه ـ أن يحميك من شرِّ وضُرِّه . قال تعالى :

[ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ]

- أن تجلس إذا كنت قائما ، وتضطجع إذا كنت جالساً ، وهو خلاف ما يريده

منه عدوك ...


- تأمل حالك عندما تغضب ! تنتفخ أوداجك ، ويحمرّ وجهك ، ويتشنَّج

بدنك ، وتضطرب أطرافك ، وتزداد خفقات قلبك ، فتقوم من جلوسك

وتقعد من رقودك ، وتستعد للعراك والنزال ، فعليك حينها بهذه الوصية النبوية

من خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم :

أن تطفىء الغضب بالوضوء ، فالشيطان مخلوق من نار ، والنار لا يطفئها

إلا الماء ، فعليك به ،تنجو من شروره ـ بإذن الله ..


- أن تصمت حال غضبك فلا تتكلم حتى لا تندم ، فغالب الكلام في وقت الغضب

لا يسر ، ولذلك أرجو أن تقوم بهذه التجربة أو تطلبها من غيرك ، فإذا

غضبت يوماً من الأيام أدر جهاز تسجيل الأصوات ليسجل كلامك ، لتسمع

بعد ذلك ما يسؤك ولا يسرك !
ـ
ـ
ـ
ـ

فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :" من كفَّ غضبه كفَّ الله عنهُ عذابهُ ، ومن خزن لسانهُ

ستر الله عورته "

( أخرجه أبو يعلى والدولابي ، انظر السلسلة الصحيحة 5/ 475 )

- أن تحذر من دواعيه الجالبة له والمتسببة فيه ، فإذا علمت من نفسك أنك

غالباً تغضب في بعض الأماكن فلا تذهب إليها ، وإذا كان في العادة لقاؤك

ببعض من تعرف سيثير غضبك ، فلا تلقاه إلا في وقت ضرورة إلا ما وجب

عليك من صلة رحم ، ولو كنت لا ترتاح للقيا بعضهم ...


- أن تسيطر على نفسك ، وتتحكم في قولك وفعلك ، وهل الشديد إلا من

حكم نفسه قبل أن يحكم غيره ؟!

فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :

" ليس الشديدُ بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب "

( صحيح البخاري 7/130 ـ 6114 )

- قراءة القرآن بصوت مسموع ، فإن الشيطان يفر من القرآن ..

قال تعالى :

[ قل أعوذ برب الناس . ملك الناس . إله الناس . من شر الوسواس الخناس ]

والخناس هو الشيطان يخنس أي يختبىء ويهرب عند ذكر الله ، فإذا غفل العبد

عن الذكر حضر العدو فوسوس ، والشيطان لا يقرب بيت يقرأ فيه بالبقرة

وآل عمران ...

- احرص على استقرار حالتك الطبية ، فإن لبعض الأمراض تأثير بالغ في

الحالة النفسية للمصاب بها ، كمرض السكر والضغط ، فإن لها أعظم الأثر

في كثرة الغضب والتهيج النفسي ، فحاول أن لا يرتفع منسوب السكر

وكذلك الضغط في الدم ، لتسلم !


- انظر بعين فاحصة لأسباب الغضب ، فلعل بعضها لا يستحق هذا منك

فهل يحق لك أن تغضب من أجل الكرة مثلاً ؟! أعتقد أنك أكبر من هذا !

وربما تجد أنك ربما تغضب غضباً يُغضب الله عليك !!

فتدبر ! حتى لا تخسر ..

ـ

سؤال أخير :

هل تغضب لله تعالى ؟

وهل غضبك لله كغضبك لنفسك ؟

فإذا رأيت حدود الله تنتهك فهل يتمعر وجهك غيرة وغضباً

وتفور دماء الحمية الإيمانية في أوردتك ؟

أم أن الأمر لا يعنيك ؟!