لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة:
قد يعجب الإنسان من كثرة الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل بخاصة و عن اليهود بعامة، الحقيقة الأمراض التي وقعوا بها و التي دمرتهم نحن كأصحاب كتاب كريم معرضون أن نقع فيما وقعوا فيه، اخترت لكم في هذا اللقاء هذه الآية:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا﴾


[ سورة آل عمران: الآية 24 ]
افتروا على الله، هذا قولهم:

﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)﴾


[ سورة آل عمران: الآية 24 ]
ما معنى غرهم ؟ أنت قد تجد على الرصيف علبة تغتر بها، أي تظن أن فيها شيئاً ثميناً، فإذا فتحتها لا تجد شيئاً تصاب بخيبة أمل هذا هو الغرور، و قد سمى الله الشيطان الغرور:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾


[ سورة فاطر: الآية 5]
معنى ذلك أن الدنيا قد يغتر الإنسان بها، قد يظنها شيئاً ثميناً، قد يجد هذه الشهوات التي أودعها الله فينا شيئاً عظيماً يعيش في دوامة فإذا مضى من عمره حقبة يراها أقل مما كان يتوقع، فإذا مضت حقبة ثانية رآها شيئاً و لكن ليست كل شيء، أما إذا قارب النهاية لا يراها شيئاً، الغرور أن تتوهم، لذلك الدعاء: اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، من وحول الشهوات إلى جنات القربات.

﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)﴾


[ سورة يونس: الآية 36]
و الله شقاء البشرية بسبب أنهم يتوهمون أنهم إذا أحرزوا الدنيا ملكوا كل شيء و الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء.
رجل توفي رحمه الله كان يعمل موظفاً في سوق الحميدية، كان صاحب دعابة فكان يجمع قمامة المحل في علبة أنيقة و يغلفها بورق ثمين و يضع لها شريطاً أحمر اللون مع عقدة، يضعها على الرصيف يأتي إنسان ينظر، شيء مغرٍ لعله مطيف من الماس، يأخذها و يعدو فيتبعه يقطع مرحلة لا بأس بها يفك الشريط الحريري و هو يعلق الآمال على ما في هذه العلبة، ثم يمضي مسافة أخرى فينزع الورق الثمين، ثم يمضي مسافة ثالثة فيفتح العلبة فإذا فيها قمامة المحل، فيتكلم كلاماً قبيحاً و ينعى على من فعل هذا، هذه الدنيا تغر و تضر و تمر.
المرأة في بداية الحياة شيء ثمين، في منتصف الحياة شيء و ليست كل شيء، قبيل مغادرة الدنيا ليست بشيء، المال، الوسامة، الذكاء، المنصب، هذه كلها من الدنيا، قال:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾


[ سورة فاطر: الآية 5]
إله عظيم ينهانا عن أن نغتر بالدنيا، تغر و تضر و تمر، إنسان اشترى بلاطة أي شقتان في أرقى أحياء دمشق و البيتان على المفتاح، لم تعجبه كسوة البيتين كسر كل شيء، كسر البلاط، نزع النوافذ، غير المطبخ، لم يبق شيء من السابق، أعاده إلى الهيكل و أعاد كسوته من جديد، خلال سنتين و بعد أن انتهى البيت بيومين وافته المنية، ألم يكن مغروراً بالدنيا ؟ كم من إنسان جاءه الأجل من دون أن يتوقعه:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾


[ سورة فاطر: الآية 5]

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾


[ سورة البقرة: الآية 268]
يمنعكم أن تنفقوا أموالكم، يوقع بينكم العداوة و البغضاء، يعدكم أن الله لن يحاسبكم هذا الحساب لذلك ثم قال الله عز وجل:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)﴾


[ سورة آل عمران: الآية 24]
ألا يقول المسلمون مثل هذا القول ؟ ألا ينطقون بمفهوم الشفاعة الساذج؟ النبي سوف يشفع لنا ؟ لن ندخل النار إطلاقاً أو إذا دخلناها وقتاً يسيراً و النبي يأخذنا منها إلى الجنة، هذا مفهوم ساذج للشفاعة بدليل أن الله عز وجل يقول:

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)﴾


[ سورة الزمر: الآية 19]

(( يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، إنا لا أغني عنكما من الله شيئاً، لا يأتيني الناس بأعمالهم و تأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))

(( يا سعد لا يغرنك أنه قد قل خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينهم و بينه قرابة إلا طاعة الله ))
مفهوم الشفاعة الساذج مفهوم يشبه مقولة بين إسرائيل:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)﴾


[ سورة آل عمران: الآية 24]
النتيجة أن الذي غرهم في دينهم ما افتروا هم كذباً و بهتاناً، أخطر شيء في الدين ما ليس من الدين، تارة يقال لك الإنسان كتبت عليه أعماله قبل أن يولد، كتبت عليه أي ينبغي أن يعملها مجبوراً، و هذه الفكرة لا أصل لها في الدين، فكرة تُيئس، تشل حركة الإنسان:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾


[ سورة البقرة: الآية 148]
لمجرد أن تعتقد أو تتوهم أن الإنسان مجبور على أعماله معنى ذلك بطل الثواب و العقاب، و بطل الوعد و الوعيد، و بطلت الجنة و النار، و كان إرسال الأنبياء لعباً و إنزال الكتب عبثاً، إن الله أمر عباده تخييراً و نهاهم تحذيراً و كلف يسيراً و لم يكلف عسيراً و أعطى على القليل كثيراً.
لمجرد أن تتوهم أنك مجبور على كل أعمالك، و أنها كتبت عليك قبل أن تخلق، و أنه لابد من أن تفعلها، و أنك إذا فعلتها ذهبت إلى النار هذه عقيدة فاسدة و العياذ بالله، هذا من الافتراء على الله، أو أن الله غفور رحيم و لا يتم الآية:

﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)﴾


[ سورة الحجر: الآية 50]

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾


[ سورة الزمر ]

إخواننا الكرام:
أكبر معصية على الإطلاق هناك من يزني، هناك من يسرق لكن أكبر معصية على الإطلاق أن تقول على الله ما لا تعلم، الله عز وجل ذكر المعاصي بترتيب تصاعدي، ذكر الفحشاء و المنكر و الإثم و العدوان و الشرك و الكفر و أنهى هذا الترتيب و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون:

((عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَلْيَنْظُرْ الرَّجُلُ عَمَّنْ يَأْخُذُ دِينَه)

[ الدارمي]
أية عقيدة خاطئة تنقلك إلى انحراف خطير، كل شيء يمكن أن تتساهل فيه إلا عقيدتك لأنها أصل دينك، و لأن عقيدتك إن صحت صحّ عملك، و إن صح عملك سلمت في الدنيا و الآخرة، لذلك العقيدة الصحيحة ينبغي أن تتمسك بها بكل ما تملك:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)﴾


[ سورة آل عمران: الآية 24]
هناك من يقول لك الله عز وجل لا يعذبنا، لماذا ؟ نحن أمة محمد، هذا شيء يخالف:

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)﴾


[ سورة المسد: الآية1 ]
هذا ليس أمته هذا عمه، لا يوجد أقرب من العم:

﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)﴾