بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمدلله القائل (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ...).
والصلاة والسلام على من أُمر أن يقول (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) أما بعد
فتأملوا في حال موظف هو أنشط زملائه في العمل وأكثرهم إنتاجية وأكثرهم من حيث ساعات العمل فهو يصرف من وقته أضعاف أضعاف ما يصرف غيره من الموظفين فإذا جاء يوم الراتب لم يعط راتبه
كيف سيكون شعوره ؟
وكيف ستكون نظرة باقي الموظفين له ؟
هذه والله صورة مصغره لمن يعمل الصالحات ويجتهد في القربات بغير نية صحيحة ولا طريقة سليمة حتى إذا جاء يوم القيامة لم يجد عمله الذي كان يعمله
لأنه لم يكن يعمله لله .
فالإخلاص هو الركن الأول من أركان العمل الصالح والركن الثاني هو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .
فهل يبيع عاقل الآخرة بدنيا خصوصا وهو قائم بالأعمال التي تنفع في الآخرة وإنما لم يهتم بنيته .
ومعلوم أن المقام في هذه الدنيا وإن طال فهو قليل ؛ ولا يقاس شيء في الدنيا بشيء في الآخرة وإنما تتفق في المسميات وتختلف في الحقائق .
والشيطان إنما يوسوس لمن يعمل عملا صالحا حتى لا يستفيد من عمله ؛ فإن غلبه العبد وأدى العمل على صورته الظاهرة حاول الشيطان أن يدخل عليه من جهة نيته .
وأهل الأعمال الظاهرة من العلماء والدعاة والكتاب والمفكرين والمصلين والمتصدقين والذاكرين وغيرهم هم أكثر الناس تعرضا لهذا الخطر وأكثرهم وقوعا فيه إن لم يرحمهم الله ويصرف عنهم السوء .
فليس التخلص من الرياء أمرا سهلا فهو كما تعلمون أخفى من دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في ظلمة الليل ؛ فإذا كان هذا وصفه فما للعبد نجاة منه إن لم يتداركه الله برحمته .
والعبد محتاج لتجديد النية عند كل عمل يعمله فقد تكتب مقالا لله ثم تكتب آخر وللنفس فيه شيء ؛ وقد تلقي عدة محاضرات لله وتلقي محاضرة للنفس فيها شيء ؛ وقد تعقد مجموعة دورات ونيتك فيها سليمة وتعقد دورات والنية فيها شوائب .
فالشيطان لا يترك أحدنا أبدا ما دامت روحه في جسده .
والإخلاص عزيز كما قال ذلك بعض السلف
وماذا ينفع العبد أن يُذكر في الدنيا ثم يؤمر به يوم القيامة إلى النار ؛ وحديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ( القارئ والجواد والجريء) كلهم أصحاب أعمال صالحة شاقة على النفوس لكنها كانت تعمل ابتغاء ذكر الناس فكان الجزاء
مخيفا ومؤلما .
وأي قارئ أو جواد أو جريء ؛ بل كل صاحب عمل صالح يقرأ هذا الحديث فلم تدمع عينه ولم يبك على نفسه فعظم الله أجره في قلبه ؛ فوالله إنه لتشيب منه المفارق وتضيق به المخارج والله المستعان .
وقارنوا بين هؤلاء الثلاثة الذين استمروا حياتهم كلها على الأعمال الصالحة وبين البغي التي سقت كلبا مرة واحدة فقط !
لكنه قام في قلبها من الإخلاص في هذه المرة ما لم يقم في قلوب هؤلاء مع تكرر الأعمال الصالحة منهم .
ماذا ينفع العبد أن يُصدر في المجالس وينادى بأحسن الألقاب وتقبل يده وراسه وهو من وقود جهنم يوم القيامة ؛ بل من أول من تسعر بهم النار والعياذ بالله .
وليس هذا المقال دعوة لترك الأعمال الصالحة الظاهرة ؛ بل هو والله دعوة للاستمرار عليها مع مراجعة النية والإكثار من الخبايا الصالحة .
هو دعوة لنفسي أولا ولكل من يقرأه من المسلمين لمراجعة نوايانا وتصحيحها باستمرار ودعاء الله أن يوفقنا للإخلاص وأن يجنبنا الرياء ومحبطات الأعمال .
وما أحسن قول من قال ( يا نفس أخلصي تتخلصي).
فاللهم يا أرحم الراحمين يا من أنت أعلم بنا من أنفسنا وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا إن كنت تعلم أننا نعمل الصالحات رياء وسمعة وطلبا لحمد الناس فتب علينا وأرزقنا إخلاص العمل لك وحدك حتى لا نرجو من الناس ثناء ولا شكورا ؛ وإن كنت تعلم أننا نعمل الصالحات ابتغاء وجهك ولك وحدك فثبتنا على ذلك حتى نلقاك.
ياربي خاب وخسر من عمل لغيرك أو رجى سواك .
ياربي أي خزي أعظم ممن تجعل عمله يوم القيامة هباء منثورا .
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ولا حول ولا قوة إلا بالله .