عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
محاسبة النفس
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال الله تعالى: }يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ{ [آل عمران: 30]، وقال:}وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ{ [الأنبياء: 47]، وقال: }وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49]، وقال: }يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{ [الزلزلة: 6 – 8].
فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة.
وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار بعد الله إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة.
فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت الحسرات.
أخواتي في الله: تمر الشهور تلو الشهور والأعوام بعد الأعوام، ونحن في سبات غافلون، فمهما عشنا فإلى الثمانين أو التسعين، وهبنا بلغتا المئين فما أقصرها من مدة! وما أقله من عمر!
قال تعالى: }كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ{ [الأحقاف: 35].
قيل لنوح عليه الصلاة والسلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا: كيف رأيت هذه الدنيا؟ فقال: كداخل من باب وخارج من آخر.
فاتقوا الله إخواتي في هذه الأيام والليالي، فكل يوم يمر بنا يبعدنا عن الدنيا ويقربنا من الآخرة، وما هي إلا أيام معدودات، ونخلف وراءنا سجلات حافلة بأعمالنا خيرها وشرها، كبيرها وصغيرها، ولن تفتح هذه السجلات إلا يوم ينادى الخلائق للحساب.
فطوبى لعبد شغلها بالطاعات واتعظ فيها من العظات، قال تعالى: }يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ{ [النور: 44]، فهنيئًا لمن أحسن واستقام، وويل لمن أساء وارتكب الحرام.
أيام وأعوام تنقضي فهل لنا وقفة مع النفس؟ نذكرها بادئ ذي بدء بسيرة معلم ومجاهد هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام، وبالهجرة النبوية المباركة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام لنحث المسير، ثم نقف وقفة محاسبة مع النفس لنسألها عما فعلت هذا العام ونحاسبها قبل يوم الحساب، ونفتش كتاب أعمالنا كيف أمليناه، فإن كان خيرًا حمدنا الله وشكرناه، وإن كان شرًا تبنا إلى الله واستغفرناه، فنحن اليوم أقدر على العلاج منا غدًا، ولا ندري ما يأتي بعد غد، فراجعي نفسك -أخية- قبل أن تطوى صحيفة هذا العام، فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات أو أيام، فحق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مقبلاً على شأنه.
قال r: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [رواه الحاكم وصححه الألباني].
وقال r: «كلكم يدخل الجنة إلا من أبي. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي» [رواه البخاري].
وقال r في الحديث رواه أحمد والترمذي: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» [رواه الترمذي]، دان نفسه، أي: حاسبها.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنُوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية».
وكتب عمر رضي الله عنه إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه: «أن حاسب نفسك في الرخاء، قبل حساب الشدة، فإنه من حساب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة، عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة والحسرة».
المفضلات