أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي


إن أول ما يلفت الأنظار في كتاب الله







-وهو دستور المسلمين، وأهم مصادر التشريع- أن كل السور فيه -باستثناء سورة التوبة- قد صُدِّرت بالبسملة، وأُلحِق بالبسملة صفتا الرحمن الرحيم. وليس يخفى على أحد أن تصدير كل السور بهاتين الصفتين أمر له دلالته الواضحة على أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي، ولا يخفى على أحدٍ أيضًا التقارب في المعنى بين الرحمن والرحيم، والعلماء لهم تفصيلات كثيرة وآراء متعددة في الفرق بين اللفظين[1]، وكان من الممكن أن يجمع الله







مع صفة الرحمة صفة أخرى من صفاته، كالعظيم أو الحكيم أو السميع أو البصير، وكان من الممكن أن يجمع مع الرحمة صفة أخرى تحمل معنى آخر يُحَقِّق توازنًا عند القارئ؛ بحيث لا تطغى عنده صفة الرحمة؛ وذلك مثل: الجبار أو المنتقم أو القهار، ولكن الجمع بين هاتين الصفتين المتقاربتين في بداية كل سور القرآن الكريم يعطي الانطباع الواضح جدًّا، وهو أن الرحمة مُقدَّمَة بلا منازع على كل الصفات الأخرى، وأن التعامل بالرحمة هو الأصل الذي لا ينهار أبدًا، ولا يتداعى أمام غيره من الأصول.





لقد كان الدعاء بالرحمة قاسمًا مشتركاً بين جميع الأنبياء والرسل
بل وبين جميع الخلق منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا وإلى قيام الساعة .
بل وبين جميع الخلق منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا وإلى قيام الساعة .
دعا بها آدم وحواء (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَّمْ تَغْفِرْلَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الْخَاسِرِيْنَ) سورة الأعراف آية 23 .
ودعا بها سيدنا نوح (وَإلاَّ تَغْفِرْلِيْ وَتَرْحَمْنِيْ أَكُنْ مِّنَ الْخَاسِرِيْن) سورة هود آية 47 .
ودعا بها سيدنا يونس (وَنَجـِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِيْنَ) سورة يونس آية 86 .
ودعا بها سيدنا موسى (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِيْنَ) سورة الأعراف آية 155 .
ودعا بها سليمان (وَأَدْخِلْنِيْ بـِرَحْمَتِكَ فِيْ عِبَادِكَ الصَّالِحِيْنَ) سورة النمل آية 19 .
ودعا بها أصحاب الكهف (فَقَالُوْا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيـِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)سورة الكهف آية 10 .
والدعاء بالرحمة على لسان رسولنا الكريم يتكرر بأساليب مختلفة
قال تعالى (وَقُلْ رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِيْنَ) سورة المؤمنون آية 118

ومن أدعيته عليه الصلاة والسلام المأثورة (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) رواه أبو داود بإسناد جيد ،
وقوله (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) أخرجه النسائي والحاكم وصححه الطبراني بإسناد صحيح .
وبها يدعو المؤمنون (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْلَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلى الْقَوْمِ الْكَافِرِيْنَ) سورة البقرة آية 286
و (رَبَّنَا لاَتُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْهَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) سورة آل عمران آية 8 .
والرحمة هي الرقة والتعطف أي رقة القلب وعطفه،
ومن الرحمة يشتق الرحمن والرحيم وهما من أبرز أسماء الله الحسنى وأشهرها
بعد لفظ الجلالة (الله) وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم في جميع فواتح السور
(بسم الله الرحمن الرحيم) ماعدا سورة التوبة
التي نزلت بدون البسملة ، كما ذكر اسم الرحمن واسم الرحيم منفصلين
في الكثير من الآيات القرآنية ، والمصلي يردد هذين الاسمين في صلاته المكتوبة
ما لا يقل عن أربع وثلاثين مرة في اليوم ، فهو كلما أدى ركعة قرأ فاتحة الكتاب
(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم)
وهي سبع عشرة ركعة في الصلوات الخمس المفروضة على المسلم في يومه ،
فإذا أدى السنن زاد عن ذلك .
والرحمن أخص من الرحيم وأكثر مبالغة منه ولذلك لا يسمى به غير الله تعالى
قال تعالى (قُلْ اَدْعُوْ اللهَ أَو ادْعُوْ الرَّحْمن) سورة الإسراء آية 110
وقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال تعالى :أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) رواه الترمذي .
(وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أماترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى يا رب، قال: فهو لك " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاقرءوا إن شئتم (فهلعسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).)(1