اللهم لك الحمد حمدا طيبا مباركا فيه حمدا كما ينبغي لجلال وجهك وعظبم سلطانك, سبحانك ربنا لا نحصي ثناءً عليك , أنت كما أثنيت على نفسك المجيدة والجليلة, وأشهد أن لا اله الا الله الحليم الغفور ذي الطول والانعام الكبير المتعال الها واحدا لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها الى مريم وروحً منه, الله اني أشهد أنّ الجنة حق والنار حق, أما بعد أخوتي وأخواتي في الله,
لأنّ المنافقون أشدُّ خطراً على المجتمعات من الكفار فقد أغلظ الله فيهم وجعلهم في الدرك الأسفل من النار, والمنافقون أساساً فئة دخلت الاسلام وتغلغلت بين المسلمين ثم انحرفوا عن العقيدة السويّة لأطماعٍ دنيوية, فتسلق المنافق جدار الاسلام حتى صار منافقا , لأجل هذه الفئة المريضة فئة المنافقين, فانّ الكفار عند الله عزوجل يُصنفون في ثلاثة تصنيفات:
المشرك, الكافر, والمنافق, والمنافقون أشدّ خطرا على الاسلام والمسلمين والمجتمعات الاسلامية, لأجل ذلك كانوا أشدّ عذاباً يوم القيامة , ذلك أن الله عزوجل قال في محكم تنزيله الكريم في سورة النساء 145
ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم من دون الله نصيرا
ا
أقسام النفاق
واالنفاق ينقسم الى ثلاثة أقسام
النوع الأول نفاق العقيدة وهو أخطر هذه انواع النفاق اطلاقا, وهذا هو النوع هو الذي يُخلّدُ صاحبه في النار, ذلك لأن صاحبه يضمُر في قلبه الكفر , ويُظهر الايمان للناس كي يأمنوا جانبه ويقولوا فيه ما يقولون , وقد كان هذا النوع من النفاق سائد ومتفشي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بصورة كبيرة ولأجل هذا النفاق فقد أنزل الله عزوجل سورة التوبة والتي تناول فيها المولى تبارك وتعالى يما يقربُ من خمسين آية وصفت خصالهم وأعمالهم وسلوكهم , وكان عبد الله بن أُبَيُّ بن سلول زعيم المنافقين, وقد نزل فيه سورة كاملة سُمّيت بسورة المنافقين, الى جانب آيات كثيرة سنتاناولها في بحثنا هذا ان شاء الله.
النوع الثاني من النفاق يُطلقُ عليه نفاق السلوك, وهذا النفاق سائد في أيامنا هذه بشكل منقطع النظير, وهو على ثلاث شعب أو أربع شعب, وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفات هذا النوع من النفاق بحديثين صحيحين احدهما برواية البخاري ومسلم وأحمد رحمهم الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
آيةُ المنــــافقِ ثلاثةً وانْ صلى وصــأمَ وادّعى أنه مسلم, اذا حدّث كذب, واذا وعدَ أخلف, واذا أؤتمن خان.
وهناك حديثٌ آخر رواه البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أربعُ مَنْ كُنَّ فيه كان منافقا خالصاً, ومن كان فيه خصلة منها كان من النفاق حتى يدعها: اذا حدّث كذب, واذا وعد أخلف, واذا أؤتمن خان, واذا خاصم فجر.
والنوع الثالث من النفاق هو الرياء, والرياء هو مراءاة الناس بالعمل, لعدم الاخلاص فيه لله عزوجل ويظهر ذلك من خلال التعامل مع العبادات خاصة الصلاة والزكاة والحج .
والآن هيّا بنا نتناول الأقسام الثلاثة بايجاز بسيط كي نكون على حذر شديد من الوقوع في براثن أحد هذه الأقسام فنخسر الدارين الدنيا والآخرة, وبحثنا هذا ليس فيه اتهام لأحد , بل كل منا يعرف قدر نفسه, وفي أي خط يسير,فان وجد نفسه في معية الله عزوجل ورضاه حمد الله عزوجل واثنى عليه أن هداه لأن يسلك السلوك القويم الموصل لمرضاة الله عزوجل, ومن رضي الله عنه أدخله حصنه وجعله من أصحاب الجنة هم فيها خالدون, نسأله تعالى أن يجعلنا برحمته من المؤمنين الصادقين المخلصين والمرضي عنهم في الدنيا والآخرة, ومن وجد في نفسه خصلة من خصال النفاق فليبادر الى التوبة منها توبة نصوحا لا يعود اليها ابدا, والتوبة النصوح نوعان: النوع الأول من التوبة تتعلق بحق الله عزوجل وشروطها ثلاث: الاقلاع عن الذنب, والندم على ما فعل, وعدم العودة للذنب الذي تاب منه
والنوع الثاني من التوبة يتعلق بحق العباد وهو أربعة شروط, الثلاثة السابقة اضافة لاعادة حق العباد من دَيْنٍ وحقٍّ مسلوب, وقذفٍ بالزنا, وغيبة ونميمة , وما الى ذلك من سلوكيات مشينة تفسد بين المسلمين, وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ حف العباد لا يغفره الله يوم القيامة واستشهد لنا صلوات وسلامه عليه بالشهيد في سبيل الله يغفر الله له كل ذنب مع أول قطرة دم تسيل ما عدا الدّيْن , وهناك حديث صحيح سنأتي على نصّه بين سطور البحث ان شاء الله تعالى.
القسم الأول - نفـــــــــــاق العقيـــــــــــــــــدة
وهذا النفاق من أخطر أنواع النفاق لأنه موجب للخلود في نار جهنم وتحديدا في الدرك الأسفل من النار لقوله تعالى في سورة النساء145
ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم من دون الله نصيرا
النفاق أحبتي في الله من أشد وأخطر الآفات التي تواجه الدعوة الاسلامية, وهو من أشد المعوقات لسيرها قدما نحو الامام , وهو من أشد البلاءات التي تبتلى بها الفئة المؤمنة, وبمجرد أن تظهر لها فعالية في الأرض يتظاهر بعض المافقين بالاسلام مبطنين الكفر في قلوبهم ومظهرين الاسلام على ألسنتهم فيجدون لهم مكانا مناسبا بين المسلمين بلسانهم الذي يقطر عسلا فيطمئن اليهم اهل الايمان وهم لا يعلمون انهم يوجهون ضرباتهم الموجعة والمؤلمة لدعوة الاسلام, وانهم يسترون مكائدهم وخططهم ومؤامراتهم ضده، منهزين الفرص لنيل المكاسب الدنيوية بهدف محاربة الاسلام وأهله, لذا كان جهادهم من ألزم الجهاد على المؤمنين، واتخاذ الحيطة منهم أوجب من اتخاذها من غيرهم, ولا أدلّ على هذا من ذلك
الحيز الكبير الذي تناوله الحديث عنهم في كتاب الله الكريم, فانه لا تكاد تخلو سورة مدنية من القاء الأضواء الكاشفة على هذا الصنف من أعداء الاسلام , حتى فضحهم الله تبارك في عقر دارهم في سورة كاملة هي سورة التوبة بما يقرب من خمسين آية , والتي سماها الصحابة رضوان الله تعالى عنهم بالفاضحة.
وقد أجمع أهل العلم على أن المنافقين أشد خطرا على الاسلام والمسلمين من الكفار أنفسهم وأشد منهم خبثا , ومن أحسن من الله عزوجل قولا فيهم اذ جعلهم في الدرك الأسفل من النار كما في قوله في سورة النساء 145
إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً
ولخطورتهم على الاسلام فقد أمر الله عزوجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بجهادهم والتضييق عليهم كما في الآية 73 من سورة التوبة:
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير
والآن سأعرض عليكم أحبتي في الله بعضاً من صفات المافقين التي ذكرها القرآن الكريم في بعض السور المدنية الكريمة , وذلك بهدف أخذ الحذر والحيطة منهم كي نتمكن تجنبهم , وعدم التعامل معهم , ومن صفاتهم :
1. موالاة المسلم للكافر من دون المؤمنين, واستهزاءهم بآيات الله يقول المولى تبارك وتعالى فيهم في سورة النساء 38- 40
بشرالمنافقين بأنّ لهم من الله عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فانّ العزة لله جميعا * وقد نزّل عليكم في الكتاب أنْ اذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذاً مثلهم انّ الله جامع المنافقين والكافرين في نار جهنم جميعا.
هذه الآية الكريمة تخبرنا أنّ كل من يُوالي الكفار على حساب المؤمنين هو منافق معلوم النفاق, ولعلّ قصة الصحابي الجليل حاطب بن بلتعة رضي الله عنه في مستهل سورة الممتحنة لأكبر دليل على ذلك, ولولا انّ الله عزوجل منّ عليه بالتوبة وبرحمة منه لمات على النفاق
2. ومن صفات المنافقين أيضا غيرتهم من فرحة المؤمن ونجاحه , وفرحهم لمصيبة تصيبه
كما في قوله تعالى في سورة التوبة 50
ان تُصبْكَ حسنةٌ تسؤْهُمْ , وانْ تُصبك مُصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرَنا مِنْ قبلُ ويتولَّوْا وهُمْ فرحون
انّ الانسان اذا فرح لمصيبة أخيه أو حزن لفرحة او نجاحٍ منّ الله به عليه يكون قد دخل في خندق النفاق , لماذا؟ لأنّ هذا يسمى حسداً, ولا اقصد هنا الحسد المحمود بل المذموم منه فهو يأكل الحسنات كما تاكل النار الهشيم’ لمارواه ابو داوود رحمه الله من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ولما رواه ابن ماجة رحمه الله من حديث انس بن مالك رض الله عنه , أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: اياكم والحسد, فانّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وروى ابي الدنيا رحمه الله من حديث ابي هريرة رضي الله عنه, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا ينجو منهنّ وقلّ من ينجو منهنّ: الظنّ والطيرةَ والحسد.
3. ومن صفاتهم اتخاذهم الصلاة عادة وليس عبادة ولا ينفقون الا كارهين
كما في قوله تعالى في سورة التوبة 53
وما منعهُمُ أن تُقبل منهم نفقاتهم الا أنهم كفروا بالله وبرسوله, ولا يأتون الصلاة الا وهمْ كُسالى ولا يُنفقون الا وهم كارهون
ولعلّ هذه السلبية موجودة عندنا نحن مسلمي اليوم, ونميزهم من خلال صلاتهم للفروض فقط دون النوافل, واذا صلوا الفروض لا يتمون ركوها ولا سجوها ولا قيامها, فيصلون بسرعة وينقرون صلاتهم كما الديك ينقر الحبة دون خشوع أو تدبّر, واذا سألتهم لم لا تصلون النوافل يقولون انها سنن, الا يعلمون بأنّ النوافل تجبر نواقص الفروض يوم القيامة؟
4. جدالهم في القرآن الكريم دائما يكون من باب الاستهزاء
لقوله تعالى في الايات 65- 68 من سورة التوبة
ولئن سألتَهُمْ ليقولُنّ انما كنا نخوضُ ونلعبُ, قل أباللهِ وآياتهِ ورسولهِ, كنتمْ تستهزئون* لا تعتذروا اليومَ قد كفرتُمْ بعد ايمانكم, انْ تعفُ عنْ طائفةٍ منكمْ نُعذبُ طائفةً بأنهم كانوا مُجرمين* المنافقونَ والمنافقاتِ بعضهُم مِنْ بعضٍ يأمرونَ بالمنكرِ وينهوْنَ عن المعروفِ ويقبضون أيديَهُمْ, نسُوا الله فنسيَهُمْ, انّ المنافقينَ همُ الفاسقون* وعَدَ اللهُ المنافقينَ والمنافقاتِ والكفارَ نارَ جهنمَ خالدينَ فيها, هيَ حسبُهُمْ, ولعنُهُمْ اللهُ, ولهمْ عذابٌ مُقيمٌ
فالاستهزاء بالقرآن الكريم الكريم هو استهزاء بالله عزوجل وبالرسول الذي أنزل عليه القرآن, ومن يستهزىء بآيات الله فقد كفر وان صلى وصام وادعى أنه مسلم.
5. وجوب مجاهدة المنافقين ومعاملتهم معاملة الكفار تماما قولا وعملا
لقوله تعالى في سورة التوبة 73
يا أيها النبيُّ جاهدِ الكُفّارَ والمنافقينَ واغلظْ عليهِمْ, ومأواهمْ جهنَّمُ, وبئس المصير
6 . . من حلف بالله كذبا وهم يعلم اي عامدا متعمدا فهو منافقا بنص القرآن
يقول الله تعالى في سورة التوبة 56:
ويحلفونَ بالله انهم لمنكمْ وما هم منكمْ ولكنهم قومٌ يفرَقُون
ويقول تعالى في سورة التوبة 74 ايضا
يحلفونَ باللهِ ما قالوا ولقدْ قالوا كلمةَ الكفرِ وكفروا بعد اسلامهِمْ وهمُّوا بما لم ينالوا
ويقول المولى عزوجل في نفس السورة الكريمة 96- 97
سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا غنهم, فأعرضوا عنهم, انهم رجسٌ , ومأواهم جهنم جزاءً بما كانوا يكسبون* يحلفون لكم لترضوا عنهم, فانْ ترضوا عنهم فانّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين
المفضلات