المبحث الثاني : إطلاقات السحر وحكمه :وفيه مطالب :
المطلب الأول : إطلاقات السحر :
وله عدة إطلاقات :

الأول :
ما لطف ودق ، ومنه سحرت الصبي. أي :خادعته واستملته ، وكل من استمال شيئا فقد سحره ، ومنه قوله تعالى : {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} [الحجر : 15]أي مصروفون عن المعرفة ، ومنه حديث : "إن من البيان لسحرا " أخرجه البخاري عن ابن عمر (1) .

الثاني :
ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها ، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه : 66] .وقوله تعالى : {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف : 116] ، وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصية كالحجر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس .
قال ابن كثير : وقد قال بعض المفسرين : إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعوذة.أ.هـ. (2)

الثالث :
ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة : 102].

الرابع :
ما يحصل بمخاطبة الكواكب واستنـزال روحانياتها بزعمهم. (3)

المطلب الثاني : حكم السحر :
السحر محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وقد استفاضت النصوص بتحريمها ، واتفق على ذلك علماء الأمة قاطبة .

قال النووي رحمه الله : ويحرم فعل السحر بالإجماع ومن اعتقد إباحته فهو كافر.أ.هـ. (4)
وقال ابن تيمية : " السحر " محرم بالكتاب والسنة والإجماع.أ.هـ (5)

المبحث الثالث : الفرق بين طلاق المسحور وما يشتبه به : وفيه مطالب :
المطلب الأول : الفرق بين طلاق المسحور وطلاق المكره :

والفرق بينهما من وجوه :
1.أن المكره (غير الملجأ ) مدرك لما يقول ويعلم أنه مكره على الطلاق وليس باختياره ، بخلاف المسحور فلا يعلم أنه من تصرف الجان به ، وقد يعلم في بعض الحالات.
2. أن المسحور لو أفاق لايذكر أنه طلق ، أو يذكر لكن يشعر أن هناك من يسيره رغماً عنه.
3. ويشتركان في أن كلاً منهما طلق بغير طوعه واختياره وقصده.
4. من حيث السبب فالأول سببه السحر من الشياطين ، والثاني سببه الإكراه من آدمي.


المطلب الثاني : الفرق بين طلاق المسحور وطلاق الغضبان :
1. أن الغضبان غير مكره على الطلاق ، بخلاف المسحور ففيه نوع إجبار وتصرف من الجان.
2. كما يختلفان في السبب : فالغضبان سببه داخلي من الشخص نفسه ، والمسحور سببه خارجي وإن حلّ في البدن.

3. ويشتركان في أن كلاً منهما في حال من الإغلاق وعدم الإدراك.

المطلب الثالث : الفرق بين طلاق المسحور وطلاق السكران :
1.أن السكران في حال نقص أهلية في إدراك ما يفعل ؛ ولذا قد يفعل ما يضر بنفسه ، أما المسحور فله أحوال : منها أنه قد يكون كذلك ، ومنها أنه قد يكون سحره فقط في إجباره على فراق الزوجة مع وفور عقله فيما سوى ذلك.

2. كما يختلفان في السبب : ففي الأول : سببه السكر ، والثاني سببه السحر.
3. ويشتركان في أن كلاً منهما في حال من الإغلاق وعدم الإدراك وعدم كمال الأهلية المعتبرة شرعاً.

المطلب الرابع:الفرق بين طلاق المسحور وطلاق المجنون والمعتوه:
1.أن الجنون عاهة مزمنة في الغالب تمنع أهلية التصرف مطلقاً ، بخلاف المسحور فلايمنعه السحر من التصرف في غير ما سحر لأجله من البيع والشراء ؛ لعدم تأثير السحر في ذلك.
2.أن الجنون إغلاق كامل دائم ، بخلاف السحر فهو إغلاق محدد في مجال معين في أحوال ، وقد يكون كاملاً في أحوال.

3. كما يختلفان في سبب نقص الأهلية : ففي الأول : سببه الجنون ، والثاني : سببه السحر.
4. ويشتركان في نقص الأهلية وعدم كمالها.

المطلب الخامس : الفرق بين طلاق المسحور وطلاق النائم :
1. أن النائم عارض قصير ، بخلاف السحر فهو أطول مدة.
2.أن النائم فاقد للأهلية بالكلية في حال النوم ، بخلاف المسحور فهو ناقص الأهلية في مجال محدد فقط ، وقد يكون في حالة جنون كامل.

3. كما يختلفان في السبب : ففي الأول : سببه النوم ، والثاني سببه السحر.
4. ويشتركان في عدم توفر شرط الأهلية في الطلاق.

المطلب السادس:الفرق بين طلاق المسحور وطلاق المريض نفسياً:
1. من حيث السبب ، فسبب السحر غير سبب المرض النفسي ، وقد يجتمعان.
2. ويشتركان في نقص الأهلية وعدم تكامل الإدراك.
3.أن المريض النفسي يؤثر مرضه في كثير من الأمور في حياته ، بخلاف المسحور ففي مجال محدد ، وهو التعامل مع الزوجة في كثير من الحالات ، وقد يصيب السحر الشخص بمرض نفسي.

المطلب السابع : الفرق بين طلاق المسحور وطلاق المخطئ :
1. أن المخطئ كامل الأهلية ، بخلاف المسحور فهو ناقص الأهلية في مجال السحر المحدد.
2. ويختلفان في السبب : ففي المسحور : سببه السحر ، والثاني سببه الخطأ.
3. ويشتركان في أن كلاً منهما لم يقصد الطلاق ولم يرده وإن تلفظ به.

المبحث الرابع : حكم ثبوت الخيار للمرأة في حال السحر قبل الدخول وقبل الوطء : وفيه مطالب :
إذا كان المسحور فيه ضعف عن الجماع ، أو به جنون بسبب السحر وتبين قبل الدخول ففي هذه الحال يعتبر من عيوب النكاح في فقه المذاهب الأربعة : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، ويثبت فيه الخيار للمرأة بسبب التغرير.

المطلب الأول: تقرير مذهب الحنفية :
قال ابن عابدين في بيان عيوب النكاح التي يثبت معها الخيار : باب العنين وغيره.. شروع في بيان من به مرض له تعلق :.. من كل من لا يقدر على جماع زوجته كالمجبوب والخصي والمسحور والشيخ الكبير.... لكنه قد يكون ممنوعا عن الإدخال في الفرج لسحر... (أو سحر) قال في البحر : فهو عنين في حق من لايصل إليها ؛ لفوات المقصود في حقها ، فإن السحر عندنا حق : وجوده ، وتصوره ، وتكون أثره كما في المحيط.أ.هـ. (6)

وقال: وأما الطلاق فإن الأصل فيه الحظر , بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه ..... ما لو كان خصيا ، أو مجبوبا ، أو عنينا ، أو شكازا ، أو مسحرا .والشكاز : بفتح الشين المعجمة وتشديد الكاف وبالزاي : هو الذي تنتشر آلته للمرأة قبل أن يخالطها ، ثم لا تنتشر آلته بعده لجماعها .والمسحر بفتح الحاء المشددة وهو المسحور , ويسمى المربوط في زماننا.أ.هـ.(7)

وقال : ( قوله : ولو وجدته ) .. عنينا .. هو من لا يصل إلى النساء إلخ .هذا معناه لغة , وأما معناه الشرعي المراد هنا : فهو من لا يقدر على جماع فرج زوجته ، مع قيام الآلة لمرض به كما مر ... لمرض ... أو سحر ) زاد في العناية , أو ضعف في أصل خلقته ، أو غير ذلك...والسنة تشتمل على الفصول الأربعة ... , فإذا مضت ولم يصل عرف أنه بآفة أصلية , وفيه نظر ؛ إذ قد يمتد سنين بآفة معترضة كالمسحور . فالحق أن التفريق : إما بغلبة ظن عدم زواله لزمانته ، أو للآفة الأصلية , ومضي السنة موجب لذلك , أو هو عدم إيفاء حقها , والسنة جعلت غاية في الصبر وإبلاء العذر شرعا , وتمامه في الفتح ...أ.هـ. (8)

وقال ابن نجيم : ( باب العنين وغيره ) . يقال : رجل عنين لا يقدر على إتيان النساء ، أو لا يشتهي النساء ، وامرأة عنينة لا تشتهي الرجال ، والفقهاء يقولون به عنة ... أو منع عنها بالسحر ، والاسم منه العنة ...لأن ذكره يعن بقبل المرأة عن يمين وشمال ، يعترض إذا أراد إيلاجه .كذا في المصباح ، وجمعه عنن .وأما عند الفقهاء فهو من لا يصل إلى النساء مع قيام الآلة لمرض به ...وإن كان يصل إلى الثيب دون البكر ، أو إلى بعض النساء دون بعض لضعف طبيعته ، أو لكبر سنه ، أو سحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها ؛ لفوات المقصود في حقها ، فإن السحر عندنا حق : وجوده وتصوره. أ.هـ. (9)
وقال الكمال ابن الهمام : وأيضا مما له حكم العنين المسحور ، ومقتضى السحر مما قد يمتد السنين ، وبمضي السنة يفرق بينهما إذا طلبت ذلك ، مع العلم بعدم الآفة الأصلية لغرض العلم بأنه يصل إلى غيرها من النساء.أ.هـ.(10)

وبمثله قال الزيلعي (11) .