كيف يتحقق الاخلاص؟
بالعمل والطاعة لله وحده لا شريك له, والمقصود بالعمل هو الاتيان بأركان الاسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج, وما يتفرع عن هذه الأركان من واجبات وشروط, كقراءة القرآن والصدقات النافلة وجميع أعمال البرّ التي يتقرّب بها العبد لخالقه تبارك وتعالى, وكل عمل لا يتوفر فيه ابتغاء وجه الله الكريم فهو باطل ومردود على صاحبه, واذا قال أحدنا لشخص ما أنني أساعدك أو أفعل أو أخدمك هذه الخدمة لوجه الله الكريم فانه ينبغي عليه أن يكون صادقا في قوله حتى لا يـُكتب عند الله مُرائيا, فالرياء ليس عكس الاخلاص كما يفهم البعض, ولكنه اذا غاب الاخلاص من قلب الانسان ظهر الرياء , وان تبرأ الواحد منا من الرياء كان مخلصا لله تعالى, ونستنبط من هذا أنّ أحدهما يظهر خلال غياب الآخر, وكما ورد في القرآن الكريم في سورة الماعون تغليظ شديد اللهجة بألا نكون مرائين في أعمالنا , وقد توعد الله تعالى المرائين بالويل, والويل كما قال عنه ابن عباس رضي الله عنهما عبارة عن واد في جهنم لو سيّرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حرارته, وسيكون مسكن كل من يرائي الله تعالى في أعماله ويمنع الأمر بالمعروف , ومسكن من يتهاون بالصلاة فيؤخرها عن وقتها, واذا كان الأمر كذلك, فما بالنا بمن يترك الصلاة بالكلية؟ فهو حتما كافر كما سنرى لاحقا.
أيضا لم تخلوا الأحاديث النبوية الشريفة من التحذير من هذه الصفة الوبيلة, فقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها الشرك الصغر لقوله عليه الصلاة والسلام:
أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر, فقيل: وما هو يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: الرياء.. يقول الله تعالى يوم يجازي العباد بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراؤونهم بأعمالكم, فانظروا هل تجدون عندهم جزاء
وهذا كما في قوله تعالى في سورة الزمر 47: وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون
عقوبة عدم الاخلاص في العبادة
انّ عقوبة الرياء أو عدم الاخلاص في العبادة هي عقوبة المشرك بالله عزوجل لما فيها من ضرر بين الناس, ذلك أنّ الرياء كالنفاق تماما : هو اظهار شيء وابطان شيء مخالف له, ولأنّ المرائي عادة لا يبتغي بعمله وجه الله عزوجل وانما يبتغي وجه من من يرائيه, لذا فقد أوجب الله تعالى عليه هذا القصاص, فالعمل انما يـُؤجر عليه مَن عمل له, فان كان قصد به رضا الله عزوجل فقد وجد ثوابه وأجره عند الكريم الذي لا يظلم مثقال ذرة من خردل أو أقلّ منها, بينما ان كان العمل يقصد به غير وجه الله عزوجل فيطلب منه الله يوم القيامة أن يطلب أجره ممّن راءى له العمل.
حال المراؤون يوم القيامة
واقرؤوا معي الحديث النبوي الشريف بآذان القلوب كي نستوعب مخاطر الرياء ومصير من لا يخلص في الطاعة أو العمل, فقد روي مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: انّ أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد في سبيل الله, فأتي به, فعرفه نعمته فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت.. قال: كذبت! ولكنك فعلت ليقال هو جريء وقد قيل , ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار
ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال, فأتي به فعرفه نعمته فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها الا أنفقت فيها لك.. قال: كذبت! ولكنك فعلت ليقال هو جواد, وقد قيل, ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمّه وقرأ القرآن, فأتي به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته, وقرأت فيك القرآن.. قال: كذبت! ولكنك تعلمت ليقال هو عالم.. وقرأت ليقال هو قارىء وقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
اذا تأملنا الآية الكريمة التالية في سورة البينة: وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءتهم البينة
وهي التي سبقت قوله تعالى: وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة
لوجدنا كيف أنّ الله تبارك وتعالى جعل الاخلاص في العبادة سببا في قبول الأعمال, وأتبعه باقامة الصلاة وايتاء الزكاة لأنهما عبادتين متلازمتين لا تفترقان أبدا, احداهما بدنيّة والثانية معنوية, وعليهما يقوم الدين كله اذا توفر عنصر الاخلاص فيهما.. فمن قبلت صلاته فقد قبل منه سائر العمل , وان فسدت فلا يرجى خيرا من أعمال البرّ الأخرى, لماذا؟
لأنّ الصلاة هي الفيصل بين الايمان والكفر لقوله عليه الصلاة والسلام: العهدالذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر
وقوله عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة...
بمعنى أنّ الله تبارك وتعالى اذا وافاه عبده يوم القيامة كافرا أو مشركا أو منافقا , فلا يقبل له أيّ عمل صالح عمله بالدنيا طالما أنه مات على الكفر.
يقول الله تبارك وتعالى في سورة مريم 59-60
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا
والغي هو: واد في جهنم بعيد عقره خبيث طعمه, شديدة حرارته, تشتغيث جهنم نفسها من شدة حره
اذن نيّة المصلي يجب أن تكون خالصة لله تعالى وحده, وليس حتى يقول عنه الناس أنه مصلّ , قال عليه الصلاة والسلام: ربّ مصّل ٍ لا خير فيه, وقال عمر رضي الله عنه: لا تنظروا الى صلاة المرء وصيامخ ولكن انظروا الى صدقه في الحديث.
ونيّة الصائم يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى لا ليقال عنه أنه صائم, وكذلك الزكاة والحج وقراءة القرآن والصدقات وسائر القربات والعبادات الأخرى, فالمخلص في عبادته هو الذي يكتم حسناته كما يكتم سيئاته, والاخلاص ألا تحبّ محمدة الناس على شيء فعلته حتى لا تدخل نفسك في متاهات الرياء, والاخلاص أن يعافيك الله عزوجل من الرياء.. قال الفضيل بن عيّاض رضي الله عنه: ترك العمل لأجل الناس رياء... والعمل لأجل الناس شرك.. والاخلاص أن يعافيك الله منهما...وكل عمل لم يكن خالصا لوجه الله الكريم فهو رياء ومردود على صاحبه لا ثواب له في الآخرة, لقوله صلى الله عليه وسلم: انّ الله لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا
انله وابتغيَ به وجهه.
لماذا فرضت الصلاة؟
انّ الله تبارك وتعالى ما فرض الصلاة علينا الا لتؤدى على أكمل وجه, ليختبر الله عزوجل الصبر فينا, أي. الصبر على الطاعة وهو الجزء الثاني من هذا البحث القيّم فتابعوه.. فالله تبارك وتعالى في أيات القرآن الكريم والتي تخصّ الصلاة , كانت خطاباته الجليلة عزجل لنا ب: وأقيموا الصلاة, ويقيموا الصلاة, ويقيمون الصلاة, وأقم الصلاة, وليس صلي أو صلوا, ومعنى أقيموا أي أدّوها كما أمرنا الله تعالى أن تؤديها, بأركانها , وخشوعها , وشروطها, وواجباتها, وأوقاتها, امتثالا لأمره عزوجل , فلا يشغلنا عنها شاغل, لا شغل, ولا عمل, ولا زوجة ولا أبناء, ولا مال, ولا أصحاب, ولا ملهيات, والله تبارك وتعالى لعلمه الذي سبق حكمه قد بيّن لنا كيف أنّه سيكون من أبناءنا وأزواجنا من هم أعداؤنا, وأمرنا أن نتخذهم أعداء لنا ان هم خالفوا شرع الله ومنهجه القويم, لماذا؟ لأنّ الله تبارك وتعالى يعلم أنّ تقصيرنا في اعطاء الصلاة حقها انما ناتج عن أحد هذه الأسباب: زوجة.. أبناء.. شغل أو عمل , الحرص على دنيا زائلة وسيأتي يوما ويقسم المجرمون أنهم ما لبثوا فوقها الا ساعة: يوم يقسم المجرمون أنهم ما لبثوا الا ساعة , واقرؤوا قوله تعالى في آيات بينات جليلات ختم بها سورة التغابن تبيّن لنا واقع ابن آدم الحقيقي:
يا أيها الذين آمنوا انّ من أزواجكم وأولادكم عدوّا لكم فاحذروهم, وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فانّ الله غفور رحيم* انما أموالكم وأولادكم فتنة, والله عنده أجر عظيم* فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم, ومن يوق شحّ نفسه, فأولئك هم المفلحون
وما ذكر الله عزوجل الزوجة والولد والمال الا لأنهم زينة الحياة الدنيا أي شهواته, ولأنهم سبب هلاك ابن آدم اذا لم يحسن التوفيق بين عبادة الله تبارك وتعالى وشهواته, بمعنى أنّ الزوج أو الأب يلتهي بأسرته وشغله عن العمل الصالح والطاعات فيتقاعس عن الصلاة أو يصليها دون اطمئنان فيكون حاله كحال المسيء صلاته, وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصحبه الكرام عن المسيء صلاته: ترون هذا لو مات, مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم, ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم... وكما نفهم من الحديث أنّ الله تعالى لم يقبل لنا صلاة العجلة الخالية من الاطمئنان فحسب, بل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ صلاة السرعة ليست مقبولة, والا ما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم الا الكفر؟
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد في ايثار أزواجنا وأبناءنا وأشغالنا على اخلاصنا في العبادة, بل تفضيلهم يقودنا الى ترك الجماعات التي هي من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأولياء الله الصالحين, وما أوجد الله المساجد الا لاعمارها..ولا يعمرها الا بنو آدم.. الا المصلين.. الا عباد الله المخلصين., يقول الله عزوجل في الحديث القدسي الجليل : وعزتي وجلالي اني لأهمّ بأهل الأرض عذابا, فاذا نظرت الى عمّار بيوتيفاذا كان الله تبارك وتعالى قد شفع أهل الأرض قاطبة وأمّنهم من العذاب ببركة عمّار المساجد, فما بالنا باكرام الله عزوجل لمن يعمّر هذه المساجد؟ وهو الكريم الذي يضاعف الأجر لمن يشاء , والله عنده حسن الثواب.
سؤال يترك في الحلق غصّة ونحن ننفق أوقاتنا هباء منثورا في متابعة مسلسلات وأفلام وبرامج ما أنزل الله بها من سلطان, ومسامرة أهل وأبناء وأصدقاء واهدار الأوقات بالساعات دون فائدة ترجى, على حين صلاتنا نصليها كصلاة الخائف من , من يحمل لنا عصاة ويلحقنا بها, واني من هذا المنبر المبارك أقول لكم أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أعطوا الصلاة حقها ووقتها وخشوعها وتدبرها وأركانها واطمئنانها كي يتقبلها الله منا ولا يضرب بها وجوهنا.
فمزيدا من التدبر والخشوع والاطمئنان في الصلاة رحمكم الله أيها المسلمون, فالصلاة أول سؤال يباغتنا في القبر وعليها تقاس جميع الأعمال.
المفضلات