الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد :
بعد أن اطلعت على مشاركة الأخت صليحة طالب المعنونة بـ " خطوات التعليم الفعال في الإسلام " حركني المقال إلى أن أذهب إلى حبيبتي ورفيقتي في هذه الحياة إلى مكتبتي الخاصة أغوص في كتبها ومتونها استلهم منها عبق التاريخ ، والتقط الكنوز والدرر ، واستوقفني أكثر من كتاب كان مضمونه يتناول الكثير من الأساليب التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة ، وهذه نفحة من نفحات النبوة ، وروضة من رياض الرياحين والياسمين لهذا المعلم العظيم صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن نبدأ نقول: نص القرآن الكريم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم للناس والبشرية جميعًا ، على أميته وصحراوية بيئته.
قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2
وكذلك أثبتت السنة أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا "
وكذلك أثبت التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معلمًا وأي معلم ؟ فنظرة يسيرة على ما كانت عليه البشرية قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى ما آلت إليه البشرية بعد رسالته ، تعطينا أوضح شاهد ودليل على ثبوت ذلك .
والمتتبع لسنته صلى الله عليه وسلم يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختار في تعليمه من الأساليب أفضلها ، وأوقعها في نفس المخاطب وأقربها إلى فهمه وعقله ، وأشدها تثبيتا للعلم ، وقد أشارت بعض الكتب التي اطلعت عليها إلى نحو أربعين أسلوبا استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه منها :
1- تعليمه صلى الله عليه وسلم الشرائع بالتدرج : كان صلى الله عليه وسلم يراعي التدرج في التعليم ، فكان يقدم الأهم فالأهم ، ويعلم شيئا فشيئًا نجمًا نجمًا ، ليكون أقرب تناولاً ، وأثبت على الفؤاد حفظًا وفهما.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ : " ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ".
ومن فوائد هذا الحديث : البدء بالأهم فالأهم في الدعوة والتعليم ، إذ المطالبة بجميع الشرائع مرة واحدة توجب التنفير ، وكذا إلقاء جميع العلوم على المتعلم دفعة واحدة يؤدي إلى تضييع الكل .
2- رعايته في التعليم الاعتدال والبعد عن الإملال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد أوقات أصحابه وأحوالهم في تذكيرهم وتعليمهم ، لئلا يملوا ، وكان يراعى في ذلك القصد والاعتدال .
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ : " بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا "
3- رعايته صلى الله عليه وسلم الفروق الفردية في المتعلمين : وكان صلى الله عليه وسلم شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين من المخاطبين والسائلين ، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه وبما يلائم منزلته ، وكان يحافظ على قلوب المبتدئين ، فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين . وكان يجيب كل سائل عن سؤاله بما يهمه ويناسب حاله.
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ يَا مُعَاذُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا قَالَ إِذًا يَتَّكِلُوا وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا
-عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ قَالَ :" قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ "
أيضا تعليمه صل الله عليه وسلم بالحوار والمساءلة / تعليمه بالمحادثة والموازنة العقلية / سؤاله صلى اللاه عليه وسلم أصحابه ليكشف ذكاءهم ومعرفتهم / تعليمه بالمقايسة والتمثيل / تعليمه بالتشبيه وضرب الامثال / جمعه صلى الله عليه وسلم بين القول والإشارة في التعليم / جوابه صلى الله عليه وسلم السائل بأكثر مما سأل عنه مثل " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " لمن سأل عن ماء البحر/ لفته صلى الله عليه وسلم السائل إلى غير ما سأل عنه .
وبعد فهذه نماذج من أساليب التعليم سلكها وأرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك
أن الباحث في السنة والسيرة النبوية سيقف على غيرها ، ولمزيد من هذه النماذج يمكن الرجوع إلى سلسة كتاب الأمة من إصدارات وزارة الأوقاف بقطر ، وكذلك كتاب علامة الشام المرحوم الشيخ / عبد الفتاح أبو غدة " الرسول المعلم وأساليبه في التعليم "
وختامًا نقول : على كل إنسان مسلم أن يعتز بدينه وتراثه الإسلامي ، فقد بذل الأوائل الكثير لنهضة هذه الأمة ، وواجب على الأبناء أن يحافظوا على ماحققه الآباء ، بل ويضيفوا ، ولكن أين نحن الآن ؟ سؤال يحتاج إلى تفكير وتخطيط وعمل وتنفيذ ، فالإسلام قول وعمل .
نسأل الله أن ينفع بما علمنا وأن يزيدنا علمنا ، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .[/b][/b][/b][/font]