من صفات عباد الرحمن الذين ينالون سعادة الدنيا والفوز بالآخرة أنهم ( لا يزنون ) كما وصفهم بذلك ربهم الحكيم في القرآن الكريم ، أي لا يصرفون طاقتهم الجنسية التي خلقها الله فيهم إلا من خلال الطريق الآمن الذي شرَّعه لهم وهو طريق الزواج ، لأنهم على يقين جازم أن الله لم يحرِّم الزنا إلا وله في ذلك حكمة بالغة سواء ظهرت لهم أم لم تظهر ، وهو سبحانه الذي يحذرهم فيقول : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً ) الإسراء الآية 32 .
ولقد أثبتت الأيام وواقع الناس في عصرنا وبخاصة مجتمعات الغرب أن للحرية الجنسية والزنا آثاراً سلبية فظيعة تزرع في حياة الفرد والمجتمع الأمراض الجسدية الفتاكة ، والمصائب الاجتماعية المدمرة ، والتي كانت بدايتها إشباع شهوة جامحة وتحقيق اللذة المجردة .
في مقدمة الفلسفات التي قامت عليها المجتمعات الغربية فلسفة إطلاق الحرية الجنسية لإشباع الرغبات وتحقيق الملذات بأي طريقة ووسيلة كانت دون انضباط واتزان ، وهاهي اليوم تجني أشواك ما زرعت كما تبين الإحصاءات الصحية والاجتماعية .
تقول إحدى الإحصاءات إن الفاحشة أو الزنا قد وصلت ممارستها إلى الطلاب في الصفوف الأولى للمرحلة الإعدادية ، حتى إن الطلاب في سن الثانية عشرة يمارسون الفاحشة ، وإن نسبة الطالبات الحبالى نسبة مخيفة على الرغم من كل الاحتياطات التي يتخذونها مما استدعى أن تكثر وتزداد حالات الإجهاض ، ففي أمريكا وحدها تجري سنوياً مليون ونصف حالة إجهاض قسري يتعرض فيها الكثير من الأطفال للموت فور ولادتهم .
ولقد تطور حب تحقيق اللذة عند الغربيين بحيث أصبحوا يمارسون الفاحشة في الحدائق والأماكن العامة دون وازع من خلق أو حياء ، تماماً كما تفعل الحيوانات ، بل بلغ بهم السعار الجنسي والخضوع لرغباته إلى أن يُصابوا بالشذوذ ، فأصبح الرجل يقضي شهوته مع الرجل والمرأة مع المرأة ، ويعلنون ذلك ، ويفسرون سلوك الشاذين بأن مورثاتهم الجنسية التي خُلقت معهم هي التي تدفعهم لهذا الفعل ، وتطور بهم الأمر إلى أن يُنشئوا الأسرة المثلية ، والتي يعرِّفونها بأنها أسرة مكونة من شخصين مهما كانا ذكرين أو أنثيين ، وهذا انحراف خطير عن الفطرة التي خلقها الله عز وجل والتي تقضي بأن يتزوج الرجل من المرأة ليُحفظ النوع البشري ويستمر إلى قيام الساعة .
وكان من حصيلة ذلك الانفلات في الغرب أن نسبة الولادات غير الشرعية تتراوح بين 50و60 % أي 50% من المولودين هم أبناء زنا أي أبناء حرام ، وهؤلاء ينشؤون بعيداً عن آبائهم أو أمهاتهم أو كليهما معاً ، مما يخلِّف في نفسياتهم العقد وعدم التوازن وانعدام الرحمة والرفق وهو ما يظهر في أفعالهم وتصرفاتهم .
والعجيب في تلك المجتمعات أنه مع تلك الحرية الجنسية المطلقة يكثر الاغتصاب ، فيقول مركز الإحصاء الأمريكي إنه في كل دقيقة أو دقيقتين تقع جريمة اغتصاب في أمريكا ، وأن واحدة من كل ثلاث فتيات في سن الرابعة عشرة معرضة للاغتصاب .
و من ثم انخفضت معدلات الزواج وتراجعت أعداد الأسر الطبيعية في تلك المجتمعات ، بعد أن أصبح تحصيل اللذة أمراً ميسوراً إما عن طريق الدعارة والبغاء المنظم ، أو عن طريق العلاقات الإباحية ، وكان من نتيجة ذلك أيضاًً أن انهارت العلاقة الزوجية في الأسرة بين الرجل والمرأة وأصبحت حياتهما جحيماً لا يُطاق ، فقد شاع ضرب الزوجات بكل عنف وقسوة وكثيراً ما يحدث ذلك على مرأى ومسمع الأطفال ، حتى إن نصف جرائم القتل جرائم عائلية ، ولقد بينت إحدى الإحصاءات أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي نالتها المرأة الغربية في الثلاثين سنة الماضية هي السبب في الانحلال والعنف الحاصل في الوقت الراهن .
و أخيرا فإن ما يحصل في الغرب المنفلت من الضوابط والقيود الربانية الحكيمة هو مظهر من مظاهر قول الله الجليل : ( إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً ) النساء الآية 22، و هذا مما يدعونا إلى حمد الله وشكره على نعمة الإسلام العظيم ،وإلى دعائه أن يثبتنا على مبادئنا وأخلاقنا الإسلامية ما حيينا .
هذه الأفكار و غيرها حول هذا الموضوع تستمعون إليها في هذه الخطبة للشيخ نعيم العرقسوسي بعنوان ( أثر الحرية الجنسية على المجتمع الغربي
المفضلات