عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 32
الأمن النفسي من منظور إسلامي
الأمن النفسي في الإسلام يستمد معناه ومضمونه من أساسيات الديـن فالأيمان بالله واليوم الأخر والحساب والقضاء والقدر والنظر إلى الدنيا على إنها زائلة كل هذه الثوابت التي يؤمن بها الإنسان المسلم تؤدي إلى أمنـــه النفسي وصقله بالاتزان والطمأنيــنة وتحرره من الاضـطراب والقلق وتقـود إلى راحة البال فلا يرتاب ولايشك فيه مصداقاً لقوله تــعالى (وما جعلــه الله ألا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم) ( آل عمران26) .
إن الأيمـان له دور في شـعور الفرد بالأمن ، فالأيـــمان حتى يبلغ مـــداه ويشـــرق على القلب سناه ، ويســري في أعماق النفــس مجراه فتـبدو آثاره المباركة على الفرد والجماعة ، فالأيمان بالله يعد أعظـم أسباب الأمن النفسي
عكس ذلك الذين جحدوا الله فتراهم في خوف واضطراب ، وقلق وكآبة وفزع ، كما أن الإيمان ينمي الشعور بالانتماء للجماعة إذ حث القرآن الكريـم على مد يد العون والمـساعدة وبالتـالي العيـش في أمـان لقـولـــه تعالى ( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكـم ترحمون) ( الحجرات10).
ويصف الرسول صلى الله عليه وآله وســلم وصفاً جميلاً فيه من المعاني السـاميـة ، والمنـطلقات التربويـــة العظيـمة ، التي لــو تأسى بـها كل فـرد في حياتـه لشـعر بنعمة من نعم الله التي لا تحصى التي تجعل الفرد يشعر بالقوة والسعادة، والآمان ، والأخوة ، وهذا الوصف تضمنــــه الحديــث الشريــــف ( مثـل المؤمنين في توادهـم، وتراحمـهم، وتعاطفهم كمـثل الجسـد الــذي إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) .
إن ارتباط الأمن النفسي بمجموعة سمات تكون أساساً لمقوماته وبدونها يبقى الفـرد يشعر بحالة قلقة ، والسمات منها ، التوكل علـى الله والصبر عند الملمات إذ يقــول الأمام علــي بن أبى طالـب (رض) (أن تجزع تؤزر وأن تصبر تؤجر) ،فضلاً عن ذلك فالصبر يعد رافدا ًمن روافد الأمن النفسي لدى المؤمن فهو حبس النفس عن الجزع ، والسخط ، والشكوى وتحمل الانتظار ومواجهة مصاعب الحياة دون ملل ، وتذكير الفرد بأن كل ما يناله في حياته من شقاء وِنــعم هـو من الله عز وجل، فيشعر بالأمـن ويشكر الله على نعمه ويصبر على البلاء ، والمصيبة ، فالصبر إذا ما اقـترن بالصلاة يجعل الفرد مطمئناً إذ يقول الله سبحانه وتعالـى (استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مــع الصابرين). ( البقرة 153)
وكان رسـول الله صلى عليه وآله وسلم ، إذ حزنـه أمـر فزع إلى الصـلاة . كيف لا وللصلاة تأثير عجيـب في دفـع شرور الدنـيا والآخـرة وسـر ذلك أن الصلاة صلة بين العـبد وربه ، ومعراج إلى المولى عـز وجـل وعلى قدر هذه الصلة يفتح علـيه من الخـيرات أبوابـها ، ويقطع عنــه من الشـرور أسبابها ويفيض عليـه فيرى التوفـيق، والعافـية وينشرح القلب ويندفع الكرب بحول الله وقوته وتأييده ورحمته..
فالصلاة تنهي عن الفحشـاء ، والمنكر ، والمؤمن المصلي صـادق في قولـه وأفعاله ، فالصدق من القيم التي تساعد في تعزيز الأمن النفسي، ويقول الله تعالى (رجال صدقوا ما عاهدوا الله ) .
ويبدو التأثير النفسي للصدق في الحديث النبوي الشريف (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) فالكذب يؤدي بالفرد إلى الخوف، والتوتر لأنه لا يكذب إلى إذا كان خائفاً ، أما الصادق فلا يوجد ما يحمله على الكذب لتيقنه أنه لن يصيبه إلا ما
كتـب الله له . ويتضـمن الصدق قيماً أخرى ، كالشجاعة، والجرأة ، والإخلاص والصـبر يـؤدي بالمؤمن إلـى راحـة النفس، والتــحرر من الخوف، ومجابهة الأمور ، وعدم الهرب منها ، فالصادق مع نفسه، ومع ربه، ومع الآخريــــــن لا يشعر بالتوتر والقلق بل يحيا حياة آمنة مطمئنة ، إذ يقـول الرسـول صــلى الله عليه وآله وسلم (الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة).
ومن السـمات الأخـرى المطـلوبـة لتحقيـق الأمـن النفـسي، هـي :الرضـــــــا والقناعة ، والأمل ، فهذه جميعها يمكنها بث الأمان لـدى من يتحلى بها فكـرا ًوسلوكا ً ، فالرضا والقناعة تشعر المـؤمن بأنه قريب مـــن الله وفي رعايته فيطمئن إلى قدرة الله تعالى ويعقل قوله عز وجل: (في بضع سنين لله الأمر من قبل وبعد ويومئذِ يفرح المؤمنون )(الروم4) .
فحيثما يعتـقد المؤمـن بأن الله هـو مدبـر الكون ، وأمـره نافـذ في خلقه تـهدأ نفسه ، ويشعر بالأمـن النفسي ، والاطمئنان ، فالنفـس المطمئنة ، هـي النفس المؤمنة ، والتـي يكـون سلوكها و نهجها على ضوء القرآن الكريم فترقـى في ظله رقيا شاملا ًيتمثل في تقوى الله لقوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث لا يحتسب)(الطلاق 2-3).
ومن القـيم التي ترفد الأمن النفسي لدى الفرد حسن الظن بالله ، والتفاؤل وإذا ما اعتمد القلب على الله وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا يتملكه الخيال السيئ ووثق بالله وطمع في فضله اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم
وزالت عنه كثير من الإسقام ، وحصل للقلب من القوة ، والانشراح والسرور والغبطة.
إن شـعور الفـرد بالرضـا من أول أسبـاب الســكينة النفسـية التــي هي سر السعادة ، والمؤمن هو الذي يحس تلك الحالة النفسية ، فالرضا نعمة روحية مبعثها الأيمان بالله رب العالمين وحسن الظن به .
أما الجانب السلبي الذي يؤدي بالفرد إلى الاضطراب، والشعور بعدم الأمن فهو الصراع بين النفس اللوامة التي لها أثر في زجر الآخريــــن عن الشر و أعادتهم إلى الخير ، والنفــس الأمارة بالسوء التــي تحـث صاحبها على عمل الشر فيتأثر بذلك اطمئنان النفس ، ويحيل النفــس المطمئنة إلى نفــــس مضطربة . والصراع بين الخير والشر عند الإنسان دائم ، ومستمر فالنفـس إذا كانت ضعيفة أمام الشهوات ، وحظها قليل من التوكل، والصبر، والإيمان انتصر الشر على الخير مما يقودها إلى الاضطراب والشعور بعدم الأمن .
والجانب السلبي الأخر المتمثل بالشـعور بعدم الأمن هو تكبر الفرد فالـذي يتكبر ويتجبر فقد ظلم نفسه حيث اعتقد أنه عالم وغيره جاهل بل هو في الواقع هو أجهل الجاهلين لأن التكبر أول صفة ذميمة إلى إبليس حينما طلب منه سبحانه وتعالـــى أن يسجد فرفض ، والتكبر عن ذكر الله تجعل صاحبها يعيش حياة مليئة بالهموم والأحزان و يقول سبحانه وتعالى ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ). (طه124)
ومما تقدم يمكن تلخيص المفهوم الإسلامي للأمن النفسي بأنه يتضمن الأيمان بالله وبالرضا والاستقرار والتفاؤل والأمل وتقبل الذات والتحرر من المخاوف وحب الآخرين.
أما الجانـب السلبي الـذي يــهدد الأمـن النفسي للفرد ، فهو الجزع والتكبر وتفضـيل الشـهوات عـن الطاعـات ، والنزوع إلـى الشر ، والابتعاد عـن عـمل الخير .
لذا يلاحظ أن المؤشر الإيجابي للسلامة النفسية يرتكز على قوة الإيمان للفرد ويلاحـظ أيضا ً أن التدين عامـل مهم في الوقايـة من الاضطرابـات النفسية وخير تأكيد لما تقدم قوله سبحانه وتعالى ( آلا بذكر الله تطمئن القلوب) .
قال الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). (الأنعام: 82)
الحياة كنوز ونفائس .. أعظمها الإيمان بالله . . . وطريقها مناره القرآن الكريم
فالإيمان إشعاعه أمان . . .
والأمان يبعث الأمل . .
والأمل يثمر السكينة . . .
والسكينة نبع للسعادة . . .
والسعادة حصادها أمن وهدوء نفسي . .
فلا سعادة إنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بلا اطمئنان القلب.
مما لا شك فيه أن كلاً منا يبحث عن السعادة ويسعى إليها، فهي أمل كل إنسان ومنشود كل بشر والتي بها يتحقق له الأمن النفسي.
والسعادة التـي نعنيها هي السعادة الروحية الكاملة التـي تبعث الأمل والرضا، وتثمر السكينة والاطمئنان ، وتحقق الأمن النفسي والروحي للإنسان فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئناً.
وليس الأمن النفسي بالمطلب الهين فبواعث القلق والخوف والضيق ودواعي التردد والارتياب والشك تصاحب الإنسان منذ أن يولد وحتى يواريه التراب.
ولقد كانت قاعدة الإسلام التي يقوم عليها كل بنائه هي حماية الإنسان من الخوف والفزع والاضطراب وكل ما يحد حريته وإنسانيته والحرص على حقوقه المشروعة في الأمن والسكينة والطمأنينة وليس هذا بالمطلب الهين فكيف يحقق الإسلام للمسلمين الأمن والسكينة والطمأنينة.
إن الإسلام يقيم صرحه الشامخ على عقيدة أن الإيمان مصدر الأمان، إذن فالإقبال على طريق الله هو الموصل إلى السكينة والطمأنينة والأمن، ولذلك فإن الإيمان الحق هو السير في طريق الله للوصول إلى حب الله والفوز بالقرب منه تعالى.
ولكن كيف نصل إلى هذا الإيمان الحقيقي لكي تتحقق السعادة والسكينة والطمأنينة التي ينشدها ويسعى إليها الإنسان لينعم بالأمن النفسي.
إننا نستطيع أن نصل إلى هذا الإيمان بنور الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونور الله هنا هو القرآن الكريم الذي نستدل به على الطريق السليم ونأخذ منه دستور حياتنا . . وننعم بنوره الذي ينير القلب والوجدان والنفس والروح والعقل جميعاً. أليس ذلك طريقاً واضحاً ووحيداً لنصل إلى نعمة الأمن النفسي؟
لقد عُنـي القرآن الكريم بالنفس الإنسانية عناية شاملة . . عناية تمنح الإنسان معرفة صحيحة عن النفس وقاية وعلاجاً دون أن ينال ذلك من وحدة الكيان الإنساني ، وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانية ، وترجع هذه العناية إلى أن الإنسان هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح.
فلقد أوضح لنا القرآن الكريم في الكثير من آياته الكريمة أهمية الإيمان للإنسان وما يحدثه هذا الإيمان من بث الشعور بالأمن والطمأنينة في كيان الإنسان وثمرات هذا الإيمان هو تحقيق سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها.
والإنسان المؤمن يسير في طريق الله آمناً مطمئناً، لأن إيمانه الصادق يمده دائماً بالأمل والرجاء في عون الله ورعايته وحمايته، وهو يشعر على الدوام بأن الله عز وجل معه في كل لحظة، ونجد أن هذا الإنسان المؤمن يتمسك بكتاب الله لاجئاً إليه دائماً، فهو بالنسبة له خير مرشد بمدى أثر القرآن الكريم في تحقيق الاستقرار النفسي له.
فمهما قابله من مشاكل وواجهه من محن فإن كتاب الله وكلماته المشرقة بأنوار الهدى كفيلة بأن تزيل ما في نفسه من وساوس، وما في جسده من آلام وأوجاع، ويتبدل خوفه إلى أمن وسلام، وشقاؤه إلى سعادة وهناء كما يتبدل الظلام الذي كان يراه إلى نور يشرق على النفس، ويشرح الصدر، ويبهج الوجدان . . فهل هناك نعمة أكبر من هذه النعمة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على حب الله وحنانه الكبير وعطائه الكريم لعبده المؤمن.
إن كتاب الله يوجه الإنسان إلى الطريق السليم ، ويرشده إلى السلوك السوي الذي يجب أن يقتدى به . . .يرسم له طريق الحياة التـي يحياها فيسعد في دنياه ويطمئن على آخرته.
إنه يرشده إلى تحقيق الأمن النفسي والسعادة الروحية التي لا تقابلها أي سعادة أخرى ولو ملك كنوز الدنيا وما فيها.
إنه يحقق له السكينة والاطمئنان، فلا يجعله يخشى شيئاً في هذه الحياة فهو يعلم أنه لا يمكن أن يصيبه شر أو أذى إلا بمشيئة الله تعالى ، كما يعلم أن رزقه بيد الله وأنه سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق بين الناس وقدَّرها، كما أنه لا يخاف الموت بل إنه حقيقة واقعة لا مفر منها، كما أنه يعلم أنه ضيف في هذه الدنيا مهما طال عمره أو قصر، فهو بلا شك سينتقل إلى العالم الآخر، وهو يعمل في هذه الدنيا على هذا الأساس، كما أنه لا يخاف مصائب الدهر ويؤمن إيماناً قوياً بأن الله يبتليه دائماً في الخير والشر، ولولا لطف الله سبحانه لهلك هلاكاً شديداً.
إنه يجيب الإنسان على كل ما يفكر فيه ، فهو يمنحه الإجابة الشافية والمعرفة الوافية، لكل أمر من أمور دينه ودنياه وآخرته.
إن كتاب الله يحقق للإنسان السعادة لأنه يسير في طريقه لا يخشى شيئاً إلا الله، صابراً حامداً شاكراً ذاكراً لله على الدوام ، شاعراً بنعمة الله عليه . . يحس بآثار حنانه ودلائل حبه... فكل هذا يبث في نفسه طاقة روحية هائلة تصقله وتهذبه وتقومه وتجعله يشعر بالسعادة والهناء، وبأنه قويٌ بالله . . . سعيدٌ بحب الله ، فينعم الله عز وجل عليه بالنور
والحنان، ويفيض عليه بالأمن والأمان ، فيمنحه السكينة النفسية والطمأنينة القلبية.
مما سبق يتضح لنا أن للقرآن الكريم أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي، ولن تتحقق السعادة الحقيقية للإنسان إلا في شعوره بالأمن والأمان، ولن يحس بالأمن إلا بنور الله الذي أنار سبحانه به الأرض كلها، وأضاء به الوجود كله . . . بدايته ونهايته، وهذا النور هو القرآن الكريم.
ويؤكد لنا القرآن الكريم بأنه لن يتحقق للإنسان الطمأنينة والأمان إلا بذكره لله عز وجل .. قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد:28] .
إذن علينا أن نتمسك بكتاب الله ونقتدي به ، ونتدبر في آياته البينات، ونتأمل في كلماته التي لا تنفد أبداً .. قال تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً) [الكهف:109] حتى نتحلى بالإيمان الكبير في هذه الرحلة الروحية مع آيات الله فنتزود بما جاء به القرآن الكريم من خلق عظيم، وأدب حميد ، وسلوك فريد، ومعرفة شاملة بحقيقة النفس الإنسانية كما أرادها الله عز وجل أن تكون، وترتقي حيث الحب والخير والصفاء والنورانية، فننعم بالسلام الروحي الممدود، والاطمئنان القلبي المشهود، والأمن النفسي المنشود.
المفضلات