قال النبي: نعم, والثلث كثير.. انك ان تذر ورثتك أغنياء, خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس, وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا أجرت بها, حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك"..

ولم يظل سعد أبا لبنت واحدة.. فقد رزق بعد هذا أبناء آخرين..



**



وكان سعد كثير البكاء من خشية الله.

وكان اذا استمع للرسول يعظهم, ويخطبهم, فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملؤ حجره..

وكان رجلا أوتي نعمة التوفيق والقبول..



ذات يوم والنبي جالس مع أصحابه, رنا بصره الى الأفق في اصغاء من يتلقى همسا وسرا.. ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم:

" يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة"..

وأخذ الأصحاب يتلفتون صوب كل اتجاه يستشرفون هذا السعيد الموفق المحظوظ..

وبعد حين قريب, طلع عليهم سعد بن أبي وقاص.

ولقد لاذ به فيما بعد عبد الله بن عمرو بن العاص سائلا اياه في الحاح أن يدله على ما يتقرّب الى الله من عمل وعبادة, جعله أهل لهذه المثوبة, وهذه البشرى.. فقال له سعد:

" لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد..

غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا".



هذا هو الأسد في براثنه, كما وصفه عبد الرحمن بن عوف..

وهذا هو الرجل الذي اختاره عمر ليوم القادسية العظيم..

كانت كل مزاياه تتألق أما بصيرة أمير المؤمنين وهو يختاره لأصعب مهمة تواجه الاسلام والمسلمين..

انه مستجاب الدعوة.. اذا سأل الله النصر أعطاه اياه..

زانه عفّ الطعمة.. عف اللسان.. عف الضمير..

وانه واحد من أهل الجنة.. كما تنبأ له الرسول..

وانه الفارس يوم بدر. والفارس يوم أحد.. والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وأخرى, لا ينساها عمر ولا يغفل عن أهميتها وقيمتها وقدرها بين لخصائص التي يجب أن تتوفر لكل من يتصدى لعظائم الأمور, تلك هي صلابة الايمان..



ان عمر لا ينسى نبأ سعد مع أمه يوم أسلم واتبع الرسول..

يومئذ أخفقت جميع محاولات رده وصده عن سبيل الله.. فلجأت أمه الى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه الى وثنية أهله وذويه..



لقد أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب, حتى يعود سعد الى دين آبائه وقومه, ومضت في تصميم مستميت تواصل اضرابها عن الطعام والسراب حتى أوشكت على الهلاك..

كل ذلك وسعد لا يبالي, ولا يبيع ايمانه ودينه بشيء, حتى ولو يكون هذا الشيء حياةأمه..

وحين كانت تشرف على الموت, أخذه بعض أهله اليها ليلقي عليها نظرة وداع مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت..



وذهب سعد ورأى مشهد يذيب الصخر..

بيد أن ايمانه بالله ورسوله كان قد تفوّق على كل صخر, وعلى كل لاذ, فاقترب بوجهه من وجه أمه, وصاح بها لتسمعه:

" تعلمين والله يا أمّه.. لو كانت لك مائة نفس, فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء..

فكلي ان شئت أو لا تأكلي"..!!

وعدلت أمه عن عزمهت\ا.. ونزل الوحي يحيي موقف سعد, ويؤيده فيقول:

( وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)..

أليس هو الأسد في براثنه حقا..؟؟



اذن فليغرس أمير المؤمنين لواء القادسية في يمينه. وليرم به الفرس المجتمعين في أكثر من مائةألف من المقاتلين المدربين. المدج*** بأخطر ما كانت تعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح.. تقودهم أذ** عقول الحرب يومئذ, وأدهى دهاتها..

أجل الى هؤلاء في فيالقهم الرهيبة..خرج سعد في ثلاثين ألف مقاتل لا غير.. في أيديهم رماح.. ولكن في قلوبهم ارادة الدين الجديد بكل ما تمثله من ايمان وعنفوان, وشوق نادر وباهر الى الموت و الى الشهادة..!!

والتقى الجمعان.

ولكن لا.. لم يلتق الجمعان بعد..

وأن سعدا هناك ينتظر نصائح أمير المؤمنين عمر وتوجيهاته.. وها هو ذا كتاب عمر اليه يأمره فيه بالمبادرة الى القادسية, فانها باب فارس ويلقي على قلبه كلمات نور وهدى:

" يا سعد بن وهيب..

لا يغرّنّك من الله, أن قيل: خال رسول الله وصاحبه, فان الله ليس بينه وبين أحد نسب الا بطاعته.. والناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سوء.. الله ربهم, وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية, ويدركون ما عند الله بالطاعة. فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث الى أن فارقنا عليه, فالزمه, فانه الأمر."