**************************

- إذن ما هو الحب في الله ؟

معنى الحب في الله : أن تكون المحبة خالصة لله لا يراد بها إلا وجهه الكريم، حب خالٍ من أي غرض، خال من شوائب الدنيا ، حب لا يقوم على الإعجاب بشخص لموهبة عظيمة أو هيئة جميلة أو حديث ممتع أو مصلحة قائمة، بل يقوم على التقوى والصلاح، ويولد ويكبر في طريق الإيمان والإحسان، فبحب الله ورسوله نحب، وببغض الله ورسوله نبغض .

***********************

وهذا يسلمنا لسؤال ثالث:



كيف يحب المسلم أخاه في الله ؟



أولا: صفات الاختيار



1- عليه أن يختار من يستحق حبه فيختار بعين الله، يتحرى أن يكون من يختاره عاقلا غير أحمق، إذ قد يضر الأحمق صاحبه حيث يريد نفعه .



2- حسن الخلق ، فيختار التقي ، لأن الفاسق لا يؤمن جانبه .



3- معين على الطاعة بقوله وعمله وسمته فهو الجليس الصالح الذي حثنا الرسول الكريم على ملازمته، ويقال في الأثر: الجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه نفسك، ويطمئن به فؤادك، وتنتعش به روحك .. تطرب لحديثه، وتنعم بمجالسته، وتسعد بصحبته .. إنه عدة في الرخاء، وزينة في الشدة، وبلسم للفؤاد، وراحة للنفس .

وكما يقولون "من جالس جانس" ؛ لأن النفس تقتبس الخير أو الشر من الجلساء، ولهذا أمر الباري تبارك وتعالى بصحبة الصالحين ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا اتَّقُوْا الْلَّه وَكُوْنُوْا مَع الْصَّادِقِيْن) .



وحذرنا من صحبة الفاسقين فوصف حال من يتخذهم أخلاء يوم القيامة ، فقال سبحانه : "وَيَوْم يَعَض الْظَّالِم عَلَى يَدَيْه يَقُوْل: يَالَيْتَنِي اتَّخَذْت مَع الْرَّسُوْل سَبِيْلا . يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلَانا خَلِيْلَا لَقَد أَضَلَّنِي عَن الْذِّكْر بَعْد إِذ جَاءَنِي وَكَان الْشَّيْطَان لِلْإِنْسَان خَذُوْلا

).



ثانيا : مراعاة حقوق الأخوة



أن يقوم تجاه من يحب بحقوق الصداقة والأخوة، ليستبقي مودتهم في الدنيا والآخرة، وهذه الحقوق هي:



1- أن يكون عونا لصاحبه يقضي حاجته ويتفقد أحواله ويؤثره على نفسه .



2- أن يكف عنه لسانه إلا بخير، فلا يذكر له عيبا في غيبته أو حضوره، ولا يكشف أسراره.



3- أن يعطيه من لسانه ما يحبه منه، ويدعوه بأحب أسمائه إليه، وينصحه سرا ولا يفضحه ، كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .



4- أن يعفو عن زلاته ويتغاضى عن هفواته، فيستر عيوبه ويحسن به ظنونه .



5- أن يفي له في الأخوة؛ فيثبت عليها ويديم عهدها؛ لأن قطعها يحبط أجرها .



6- أن لا يكلفه ما يشق عليه ولا يحمله ما لا يرتاح له .



7- ألا يتكلف ولا يتحفظ معه، فقد قال أحد الصالحين : من سقطت كلفته؛ دامت مودته".



8- أن يخبره أنه يحبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه" .



9- أن يفعل ما أجمله الأثر "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهم ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته".



"حق المؤمن على أخيه أن يبين له الحق إذا احتاجه، ويشد عزمه إذا أصاب، وأن يشكر له إذا أحسن، ويذكره إذا نسي، ويرشده إذا ذل، و يصحح له إذا أخطأ، ولا يجامله في الحق، ولا يسايره على الباطل، ويكون له هاديا ودليلا ومعينا وأمينا .



10- أن يدعو له ولأهله ... يدعو له حاضر أوغائبا، حيا أو ميتا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين، ولك بمثلٍ".



وقد قال أحد الصالحين : "إن أهل الرجل إذا مات يقسمون ميراثه ويتمتعون بما خلف، والأخ الصالح ينفرد بالحزن مهتما بما قدم أخوه وما صار إليه، يدعو له في ظلمة الليل ويستغفر له وهو تحت الثري" .



ولنعلم جيدا أنه إذا نشأت صداقة لله فلن تبقى إلا بطاعته، ولن تزكو إلا ببعد الصديقين معا عن النفاق والفساد، فإذا تسربت المعصية إلى أحدهما تغيرت القلوب وذهب الحب.



ففي الحديث "... والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما"



وعن أبي الدر داء أنه قال: حذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري ما هذا.؟ قلت لا قال: عبد يخلو بمعاصي الله عز وجل فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين "



من أجل ذلك كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر .. لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والصلاح ... يتعاهدان على التواصي بالحق والتواصي بالصبر...