مشرف
المدربون المعتمدون
- معدل تقييم المستوى
- 35
الامارات العربية المتحدة: احتفالية للشعر الشعبي في مسرح أبوظبي
عاشت ساحة الشعر الإماراتية مؤخراً احتفالية استثنائية للشعر الشعبي، حيث استضاف نادي تراث الإمارات بعضاً من نجوم الشعر في الإمارات والخليج، وكان من بينهم الشاعر السعودي ناصر محمد السبيعي المعروف بـ»ناصر الفراعنة» والملقب جماهيرياً بـ»فرعون الشعر»
نقول احتفالية شعرية؛ لأن المشاركين فيها هم من فرسان الشعر النبطي على مستوى منطقة الخليج والجزيرة العربية، فهنا الشاعر محمد خليفة بن حمَاد الكعبي الحائز على الجائزة الثانية في مسابقة «شاعر المليون» في دورتها الثانية، وهنا أيضاً الشاعر الشيخ مايد بن سلطان الخاطري صاحب القاموس الشعري المتميز في نمط الكلمات والأوزان والمضامين، إلى جانب الحداثية في الأفكار الاجتماعية والإنسانية التي طرحها بطريقة مفعمة بالمشاعر والتحذيرات حول أهم قضايا العصر، والأهم من ذلك أن الشعراء الثلاثة في احتفاليتهم التي حضرها نحو 1000 شخص مثلوا شرائح مختلفة تصدرها عدد من شعراء الإمارات والخليج وعدد من نقاد الأدب. وعلى هامش هذه الاحتفالية، أكد الشاعر السعودي ناصر الفراعنة أن لصاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله مواقف نبيلة في حياته إثر لقاء معه في إطار مسابقة «شاعر المليون» ووجوده في الإمارات، وأضاف: وقد أثر ذلك فيّ كثيراً على المستوى الشخصي وعلى مستوى اهتمامه بالشعر والشعراء والإبداع بشكل عام.
وحول جمهور أبوظبي، قال الفراعنة: إنه جمهور من نوع خاص على مستوى التفاعل وعلى المستوى النقدي. أضاف: لقد أذهلني الجمهور بتتبعه لمعاني القصائد، وهذا مؤشر صحي على تطور الحاسة النقدية التي يشكلها الزخم الثقافي الذي تتمتع به العاصمة أبوظبي التي حققت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في استضافة الأحداث والمهرجانات الثقافية والفنية على مستوى عالمي. كما أكد في حديثه، تقديره لمبدعي ومثقفي الإمارات خاصة الشعراء وتميزهم ومنهم الشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي يشكل واجهة مهمة للحركة الشعرية في دولة الإمارات من خلال قصائده المعبرة التي تجاوزت الحدود المحلية إلى المستوى العربي. وللشاعر الفراعنة مواقفه من القضايا العربية، وقد جسدها خير تجسيد من خلال قصيدته المشهورة «صرخة عزَه لغزة» وألقاها في أمسية له في العاصمة القطرية ومطلعها:
صرخة هزَت قلوب المجنب بيت بيت
كادت الأموات تجاوب ميت ميت
قمت أجاوب داوي الصوت منها ليت ليت
ليتني من دون بعض السوالف دون دون
أي سلام وأي تعايش وأي حقَ وجوار
وأهلنا قدامنا من خلف يصلبون
ويرى الفراعنة أن شعراء الإمارات بكافة أجيالهم، يسعون من خلال محاولاتهم الدؤوبة على المحافظة على هوية الشخصية الخليجية وأيضاً إبراز القيم والعادات والأخلاقيات الأصيلة للمنطقة دون تناسي مجاراة العصر من خلال طرق أبواب القصيدة الاجتماعية والإنسانية.
تجربة مجددة
التجربة الشعرية للشاعر الفراعنة متنوعة وحافلة بتنويعات من الأساليب ولعل أهمها ما كتبه في نوع الرباعيات على غرار رباعيات الخيام، وكان الجمهور قد تفاعل معه من خلال قصيدته «في ملكوت الله» كذلك قصيدته الشهيرة بعنوان «أرض فارس» وتمتاز الرباعيات عند الفراعنة باتساع صورها الفنية ولغتها البليغة وجملة المفردات الأصيلة التي تحتويها المعاني الحافلة بالرموز والدلالات خاصة حينما يرتبط موضوع القصيدة بقضية وأحداث معاصرة. إلا أن ما يميز الفراعنة كشاعر هو تلك المخيلة الرائعة التي تأخذك إلى عالمه السحري المرتسم بتنويعات من الكلمات والحروف التي يصنعها في نسيج شعري منساب بسلاسة لا تتناقض مع عمق الطرح الذي يقدمه بطرافة بالغة. كما يتمتع الشاعر الفراعنة بحضور جميل خلال أمسياته الشعرية ومنها على وجه التحديد أمسيته في أبوظبي، التي قدم خلالها الفراعنة نحو عشر قصائد ومقاطع شعرية مغنَاة بدون موسيقى ومنها تلك الغزليات أو القصائد العاطفية التي ألقاها بصوته المخملي الرائع ومنها قصيدة بعنوان «بقلبي زلزلت خيل» وفيها بدت براعته في التنقل بين طبقات الصوت على النحو الذي نجده في الأداء المسرحي مع القليل من الكلمات الرنانة والقافية الصعبة وتراكيب جميلة شفيفة في المعاني والصور الشعرية والفنية، فهو في تقديري وبعد الأمسية الاستثنائية التي تابعناها له في أبوظبي شاعر مثقف له نفس طويل في الإلقاء وله حضور ميزه عن أقرانه من شعراء الجزيرة العربية، بدءاً من راشد الخلاوي إلى بركات الشريف ومحمد بن هادي وشالح بن هدلان وشلويح العطاوي مروراً بالشعراء بن لعبون ومحسن الهزاني وخلف بن هذَال وغيرهم من شعراء الجيل الحالي من أمثال حامد زيد وخلف المشعان وغيرهم، فهو واحد من المجددين في البحور الشعرية والمهتمين بالقوافي وبنية وتراكيب القصيدة الجمالية التي تمزج بين القديم والحداثي، كما أنه يتمتع بحس شاعري رفيع في أمسياته التي يستفيد فيها من أدائه الغنائي.
حضور عنترة
وعلى نمط معلقة الشاعر عنترة بن معاوية بن شداد بن قرَاد بن عبس العبسي ومطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
نظم الشاعر ناصر الفراعنة شلَة بدوية من ألوان الشعر النبطي وألقاها مغناة بصوته، وهي ملحنة على غرار أبيات عنترة، ولكن في إطار قصائد المردات أو المشاكاة المعروفة في الشعر النبطي، مستفيداً من عنصر التناص بمهارة عالية وجاءت قصيدته في مطلعها على النحو التالي:
هل عرفت الدار بعد توهم
أعياك رسم الدار لم يتكلم
حتى تكلم كالأصم الأعجم
ولقد وقفت بها طويلاً ناقتي
أو لم تكن تدري سناء بأنني
أسقيك رؤوس المر من أسقاني
ومن الواضح تماماً كيف استثمر الفراعنة بدقة متناهية المعاني والدلالات في قصيدة عنترة وكيف حولها إلى إطار معاصر طرق من خلاله جوانب عديدة في حياة المجتمع العربي المعاصر، وبالمناسبة، فإن ذلك وغيره قد حقق للفراعنة جماهيرية عريضة في الساحة الشعرية الخليجية. واليوم يشكل الشاعر السعودي ناصر الفراعنة وبعد أكثر من مائة وخمسين قصيدة ومقطع شعري ظاهرة شعرية تستحق الانتباه، خاصة أن حضورة الأخير للإمارات في احتفالية لروائع الشعر النبطي مع نجمين مهمين من شعراء الإمارات وما صنعه ذلك من تمازج بين الشعراء الثلاثة، وقد حقق ذلك نوع من التحاور الثقافي والذي قلما ما نصادفه في ساحتنا الثقافية المحلية باستثناء ما يمكن أن تصنعه مسابقة «شاعر المليون» من هذا القبيل وبعض الاحتفاليات الخليجية في هذا الإطار.
المصدر : جريدة الاتحاد
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي
^______________^ ودمتم سالمين
المفضلات