هل يمكن القضاء على السذاجة!

عكاظ-السعودية 1-يونيو-2009
الكاتب: د. عزيزة المانع

مما يرثى له أنه يوجد في مجتمعنا عدد كبير من السذج الذين ينغمسون في التصديق بالخرافات ويتبعون مستسلمين ما يقوله المشعوذون والدجالون، وآخرهم ذلك العدد الكبير من ضحايا كذبة ماكينة الخياطة السينجر، التي رغم كونها كذبة جلية واضحة المعالم، إلا أنه وجد بين الناس من صدقها وانساق خلف أوهام صورت له كحقيقة، وما كان ذاك ليقع لو أن الناس عرفوا كيف يحسنون التفكير وكيف يربطون المقدمات بالنتائج.
هؤلاء الناس لا أراهم ضحايا للدجالين قدر ما أراهم ضحايا للمنهج التعليمي الذي تلقوه، حيث خذلهم فلم يصقل قدراتهم التفكيرية ولم يعلمهم مهارات التفكير الضرورية، فتخرجوا من مدارسهم لايتقنون سوى الاتباع، بعد أن علمتهم المدرسة أن الشك مكروه، وأن التساؤل محظور، وأن عدم تصديق كل ما يقوله أهل الخبرة والمعرفة جرم شنيع، فصاروا متى سمعوا الترغيب في أمر تبعوه، ومتى سمعوا النهي عن شيء تركوه في انقياد تام الاستسلام، لا يخطر ببالهم أن يشكوا في صدق ما يسمعون، ولا تراودهم أدنى رغبة في التساؤل عن احتمال غياب الحقيقة.
هؤلاء الناس، لو أنهم تعلموا أن هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة، (متى استثنينا الدين)، قابلة للشك فيها والتساؤل حول حقيقتها، حيث لابشر يملك الحق كاملا بعد الأنبياء والرسل، لو علموا ذلك، أتراهم كانوا سيقبلون ما يعرض أمامهم من أوهام تطرح طعما يصاد به الباحثون عن الثراء أو النجاح أو الوظيفة أو الزواج أو الانجاب أو غيرها مما يراود أذهان المحرومين؟
ترى لو أن هؤلاء الناس تعلموا في مدارسهم تطبيق مهارات التفكير العليا وتدربوا على استخدام علم المنطق في الوصول إلى الحقيقة، هل كانوا سيبقون على سذاجتهم تلك؟، إن تدريس الفلسفة وتعليم المنطق من أفضل ما يصقل مهارات التفكير حيث يدرب العقل على اتباع منهج خاص يعينه على الوصول إلى الحقيقة التي يبحث عنها، وهو من أنجع الوسائل في القضاء على تلك السذاجة المتجذرة لدى البعض من الناس لكونه يكسبهم عادة تطبيق أدوات التفكير العليا كلما تبدت الحاجة إليها.
بيد أن الشائع بين الناس هو التنفير من تعليم الفلسفة وربطها في الأذهان بأنها باب لتعلم الكفر والعياذ بالله، وذلك لوجود بعض الفلاسفة المنكرين للإله وما يتبع ذلك من إنكار للبعث والحساب إلخ. إلا أن الفلاسفة ليسوا كلهم ملحدين، كما أن الفلسفة، وهذا المهم، لا تعني نسقا معرفيا يسقى للطلاب، وإنما هي في حقيقتها (طريقة تفكير)، فعماد الفلسفة طرح التساؤلات والتأمل حولها لاستنباط ما يمكن استنباطه من حقائق عن طريق استخدام أدوات محددة مثل التحليل والمقارنة والربط والاستقراء والملاحظة وغيرها..
وهذا ما يدفع إلى القول إن هناك حاجة إلى إدراج المنهج الفلسفي ضمن منهج التعليم إن أردنا مخرجات تعليمية ناضجة في تفكيرها، مستقلة في آرائها، حريصة على التثبت من الحقيقة قبل التصديق بها.