لقد أورَثَتْ قلبـي وكان مصحـحـا " = " بثينـةُ صدغا يـوم طار رداؤهـا
إذ خَطَرَتْ من ذكر بـثـنـة خطرةٌ " = " عصتني شؤون العين فانهلّ ماؤها



وبثنـة قد قالت و كل حديثها " = " إلينا ولو قالت بسـوء مملـح
رجال ونسـوان يودون أنني " = " وإياكَ نخزى يابْن عمي ونفضح



إذا قلتُ: ما بي يا بثينـة قـاتـلـي " = " من الوجـد، قالت: ثابت ويزيد
وإن قلتُ: ردّي بعض عقلي أعش به " = " مع الناس، قالت: ذاك منك بعيد



ومما شجاني أنها يـوم ودّعـت " = " تولّت وماء العين في الجفن حائر
فلمّا أعـادت من بعيـد بنظـرة " = " إليّ التفاتا أسلمتـه المحـاجـر



يقولـون: مسحـور يجنّ بذكرها " = " فأقسم ما بي من جنون ولا سحر
تجـود علينـا بالحديـث وتـارة " = " تجود علينا بالرضاب من الثّغـر



عليها سلام الله من ذي صبابـة " = " وصبّ معنّى بالوسـاوس والفكـر
مضى لي زمـان لو أخيّر بينـه " = " ويبن حياتي خـالدا آخـر الدهـر



وآخر عهدٍ لي بها يوم ودّعـت " = " ولاح لها خـدّ مليـح ومحجـر
عشّية قالـت لا تضيعنّ سرّنـا " = " إذا غبت عنّا وارعه حين تدبـر



إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها " = " ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه " = " فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع



أبت مقلتـي كتمان ما بي وبيّنت " = " مكان الذي أخفي وفـاض المدامع
غداة لقيناهـا على غير موعـد " = " بأسفـل خيـم والمطيّ خواضـع



فما سرت من ميل ولا سرت ليلة " = " من الدهر إلا اعتادني منك طائف
ولا مرّ يوم مذ ترامت بكِ النـوى " = " ولا ليلـة إلا هـوى منك رادف



تصدّ إذا ما النّاس بالقول أكثروا " = " علينا وتجري بالصّفـاء الرسائل
فإن غفل الواشون عدنا لوصلنا " = " وعاد التّصـافي بيننا والتّراسـل



يقولون: مهلا يا جميـل وإنني " = " لأقسم ما لي عن بثينـة من مهـل
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننـا " = " جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل



أشاقتـك المعـارف والطلول " = " عَفَوْنَ وخفّ منهـنّ الحمـول
نعم فذكـرت دنيـا قد تقضّت " = " وأيّ نعيـم دنـيـا لا يـزول



أبثين إنك قد ملكـت فأسجحي " = " وخذي بحظّك من كريـم واصل
فلربّ عارضـة علينا وصلها " = " بالجـدّ تخلطه بقـول الهـازل



أتوهـا بقـولٍ لم أكـن لأقولـه " = " وكلّهـم حـرف عليّ ظلـوم
بقولٍ جزيت النـار إن كنت قلته " = " وكلّ جـزاء الظالميـن أليـم



أرى كل معشوقين غيري وغيرها " = " يلذّان في الدنيـا ويغتبطان
وأمشي وتمشي في البـلاد كأننا " = " أسيـران للأعـداء مرتهنان



خليليّ إن قالـت بثينـة : ما له " = " أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها : لها
أتى وهو مشغولٌ لعظـم الذي به " = " ومن بات يرعى السّها سهـا



أبلغ بثينـة أني لست ناسيهـا " = " ما عشت حتى تجيب النّفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكّرها " = " يوما ولا نحن في أمـر نلاقيهـا



على الـدار التي لبست بلاهـا " = " قفـا، يـا صاحبيّ، فسائلاهـا
ومـا يبكيـك من عرصات دار " = " تقـادم عهدهـا وبـدا بلاهـا



ألم تعلمي يا عذبـة المـاء أنني " = " أظلّ إذا لم أُسقَ مـاءك صاديا
وودت على حبّي الحيـاة لو أنّها " = " يزاد لها في عمرها من حياتيا



أَلا ليتَ رَيْعانَ الشَّبابِ جَديدُ = ودَهْراً تَوَلَّى ـ يا بُثَيْنَ ـ يَعودُ
فَنَبْقى كما كنّا نَكونُ، وأنْتُمُ = قَريبٌ، وإذْ ما تَبْذُلينَ زَهيدُ



تذكّرَ أنساً، من بثينة َ، ذا القلبُ = وبثنة ُ ذكراها لذي شجنٍ، نصبُ
وحنّتْ قَلوصي، فاستمعتُ لسَجْرها = برملة ِ لدٍّ، وهيَ مثنيّة ٌ تحبو



أشاقكَ عالجٌ، فإلى الكثيب، = إلى الداراتِ من هِضَبِ القَلِيبِ
إذا حلّتْ بِمصرَ، وحَلُّ أهلي = بيَثرِبَ، بينَ آطامٍ ولُوبِ



من الحفراتِ البيضش أخلصَ لونها = تلاحي عدوّاً لم يجدْ ما يعيبها
فما مزنة ٌ بينَ السّماكينِ أومضتْ = من النّورِ، ثمّ استعرضتها جنوبها



بثينة ُ قالتْ: يَا جَميلُ أرَبْتَني، = فقلتُ: كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانة = ً، ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ



ردِ الماءَ ما جاءتْ بصفوٍ ذنائبهْ = ودعهُ إذا خيضتْ بطرقٍ مشاربهْ
أُعاتِبُ مَن يحلو لديّ عتابُهُ، = وأتركُ من لا أشتهي، وأُجانبُهْ



ألا قد أرى ، إلاّ بثينة َ، للقلبِ = بوادي بَديٍّ، لا بحِسْمى ولا شَغْبِ
ولا ببراقٍ قد تيمّمتَ، فاعترفْ = لما أنتَ لاقٍ، أو تنكّبْ عن الرّكبِ



إنّ المنازلَ هيّجتْ أطرابي = واستعْجَمَتْ آياتُها بجوابي
قفراً تلوح بذي اللُّجَينِ، كأنّها = أنضاءُ رسمٍ، أو سطورُ كتابِ



ارحَمِيني، فقد بلِيتُ، فحَسبي = بعضُ ذا الداءِ، يا بثينة ُ، حسبي!
لامني فيكِ، يا بُثينة ُ، صَحبي، = لا تلوموا ، قد أقرحَ الحبُّ قلبي!



بثغرٍ قد سُقِينَ المسكَ منهُ = مَساوِيكُ البَشامِ، ومن غُروبِ
ومن مجرى غواربِ أقحوانٍ، = شَتِيتِ النّبْتِ، في عامٍ خصيبِ