في بداية الفصل الثاني من كتابها المعنون: ما الذي تمنيت معرفته حين كان عمري 20 ربيعا (رابط الكتاب) لأستاذة جامعة ستانفورد تينا سيلج [والتي تعرفنا عليها في التدوينة الشهيرة ماذا يمكنك فعله بخمسة دولارات في ساعتين] طرحت الكاتبة الأسئلة التالية: لماذا لا ننظر إلى مشاكل حياتنا على أنها فرص سانحة؟

لماذا ننظر إلى مشاكل حياتنا على أنها غضب السماء وحسد الحاسدين وقدر الله لنا والذي لا يمكننا تغييره؟ لماذا نكتئب ويمتعض وجهنا حين تقع المشكلة؟ لماذا نعمل – دون وعي منا – على تجنب المشاكل وتفاديها والبعد عنها؟ لا تجهد نفسك بالتفكير في الإجابة، فالحقيقة هي إننا لم نقف يوما لنفكر في هذا الأمر، وكذلك لم يفعل آباؤنا من قبل، ولذا ورثناها عادة أبا عن جد: ابتعد عن المشاكل تسلم وتغنم.


حين تنتهي من قراءة التدوينة التي سبق وذكرتها منذ قليل، قد تخرج منها باعتقاد – ولا لوم عليك ساعتها – أن التفكير خارج الصندوق قاصر على مجال التجارة والأعمال، وليس كل مناحي الحياة. طبعا هذا ليس صحيحا، وهذا هو ما تحاول تينا عمله في حياتها وعملها: إقناع الناس بأنهم قادرين على التفكير خارج الصندوق، في كل شيء وجانب ومنحى.

تينا تريد من العالم أن يغير العدسة التي ينظر للعالم من خلالها، بحيث يرى كل مشكلة على أنها فرصة سانحة، بل وأن يبحث الجميع عن المشاكل، ويختار المشكلة التي يرى أنه قادر على حلها، وأن يشرع فورا في ذلك، وأن يتحدى حدود التقليدي والمعروف خلال حله للمشكلة.

اجلب أقصى قيمة من شريط مطاطي

في إحدى تجمعات الشباب المقامة بغرض التفكير خارج الصندوق، والتي حضرتها تينا، طلبوا من الشباب أن يجلبوا أكبر قيمة ممكنة من حفنة أساتك مطاطية (Rubber band). التحدي بسيط: سنعطيك شيئا تقليديا، والمطلوب منك أن تستخدمه لتجلب أكبر قدر من القيمة. انقسم الشباب إلى مجموعة فرق، وانطلقوا للتفكير كيف يجلبون المال من هذه الأساتك. أحد الفرق ابتكر أستك التذكير بالعمل، على أساس أن قطاع عريض من الناس يرتدي هذا الأستك المطاطي في يده لتذكير نفسه بأن عليه فعل شيء ما، وحين يفعله سيخلع هذا المطاط من يده.





أساتك المهمات

أطلق الفريق على فكرتهم اسم DoBands أو أساتك المهمات، والتي كانت على شكل سوار يرتديه صاحبه في يده، ومقابل ارتدائه، يقدم المستخدم وعده بأن ينفذ شيئا ما ويخلعها حين يفعل. فوق ذلك، سيدخل المستخدم إلى موقع انترنت مخصص لهذا الغرض ويسجل فيه الوعد الذي التزم به، ولأن كل أستك مطاطي يخرج وعليه رقم خاص، يمكن التسجيل بسهولة في الموقع وكتابة الوعد، وبعدها يمكن لكل زائر لهاذ الموقع قراءة الوعود التي نفذها بقية

المستخدمين، من باب الإلهام والتشجيع. هذه الحملة استمرت لأيام قليلة، لكنها ألهمت الكثيرين لفعل أشياء ذات قيمة كبيرة، مثل الاتصال بذويهم، والتواصل مع زملاء الدراسة، وشكر من لهم فضل عليهم، ومنهم من بدأ تنظيم فعاليات مخيم صيفي لعمل الخير، ومنهم من نظم حملة جمع تبرعات لتمويل نشاطات خيرية. كل هذه الخطوات جاءت بفضل أستك مطاطي وتفكير خارج الصندوق.
مشاكل النساء منجم ذهب

قصة أخرى كانت لثلاث شابات، وجدن أن النساء عموما يشعرن بحرج شديد وخجل عميق عند انتقاء واختيار وشراء حمالات الصدر الخاصة بهن، وبالتالي ينتهي حالهن بشراء مقاسات غير مناسبة، تجلب لهن الضيق والمزيد من الحرج. ما كان من الشابات الثلاث إلا واخترعن طريقة جديدة تماما لتحديد المقاسات الصحيحة باستخدام الهاتف الجوال، حيث يمكن للمرأة رفع مقاساتها بنفسها في راحة بيتها، ثم ترسلها للمتجر، والذي يعرض لها المنتجات الأفضل لها، دون حرج أو خجل.
حل مشاكلك موجود حولك ينتظرك لكي تكتشفه

مثال آخر على التفكير خارج الصندوق، مع تحفظنا عليه بالطبع، قصة امرأة أمريكية كانت تنتقل من سكن لآخر، وكان عليها نقل مفروشاتها القليلة وإلا تم التخلص منها وخسرتها، وحدث ساعتها أن مال المرأة نفد تماما، ولم يتبق معها ثمن شحن مفروشاتها. جلست المرأة تفكر وتنظر في قليل ممتلكاتها، فوجدت زجاجة خمر قديمة لديها يعلوها التراب، فلمعت عينها بفكرة نفذتها فورا وهي: نشرت إعلانا طلبت فيه مقايضة زجاجة الخمر بنقل مفروشاتها لشقتها الجديدة، وهو ما تم لها.
المشاكل هدية لكننا نرفضها

حل المشكلة، وليس الذعر منها والتفكير في تفاديها أو تجاهلها، يتطلب قدرة عالية على الملاحظة الثاقبة، وتنسيق العمل الجماعي، والقدرة على وضع خطة عمل والالتزام بها، والرغبة العارمة في التعلم من أي فشل يواجهك، وذهن إبداعي خلاق قادر على المجيء بأفكار غير مسبوقة حل المشاكل، عقل لا يجد غضاضة في تحدى حدود الممكن من حوله.
أول خطوة في عملية حل المشاكل

عادة، أول خطوة لحل أي مشكلة هي في تعريف المشكلة على الوجه الصحيح، أو ما يسمونه Need finding وهي مهارة يمكن تعلمها ومن ثم إتقانها. هذه الخطوة تتطلب البحث عن المشاكل وتحديد تفاصيلها وأسبابها، ثم تحديد أكبر مشكلة عويصة فيها، ثم اعتبارها على أنها تحدي ذهني والشروع في حلها بطرق مبتكرة غير مسبوقة، طرق لم يرها أحد من قبل، لكن قبل أن نعطيك أمثلة، دعنا نؤكد على قاعدة أساسية في عالم المشاكل: كلما شغلت نفسك بحل المشاكل، كلما زادت ثقتك بنفسك وبقدرتك على حل أي مشكلة تواجهك مستقبلا. هذه الثقة – بدورها – تساعدك على حل المزيد من المشاكل وبطريقة إبداعية.
لماذا لا نستخدم بالون صغير لنعالج مشاكل انسداد الشرايين؟

من أمثلة المشاكل العويصة التي حلها الانسان بطرق غير تقليدية، هذه القصة: عند انسداد شرايين الانسان، يكون العلاج الطبي – الآن – هو إدخال بالون غير منفوخ إلى داخل الشريان المسدود، ثم نفخ هذا البالون بمقدار بسيط لفتح مجرى الدم وتسليكه وتركيب دعامات تحفظ الشريان مفتوحا. في بدايات تقديم هذا الحل الطبي إلى العالم، لاقى مقاومة فظيعة وسخرية وتشاؤم، خاصة من الأطباء الجراحين، الذين أعلنوا أنهم يعرفون جيدا كيف يعالجون انسداد الشرايين وأنهم ليسوا بحاجة لمثل هذه الحلول غير التقليدية، غير المعتادة…


لماذا لا ندخل بالونا صغيرا في الشريان البشري المسدود لفتحه ثم نترك دعامة لتبقيه مفتوحا؟
جون سيمسون John Simpson، أحد الأطباء الذين شاركوا في اختراع العلاج بالبالون اضطر لترك الجامعة التي يعمل بها لينتقل إلى مستشفى خاص ليكمل بنفسه العمل على أبحاث تطوير البالون لعلاج انسداد الشرايين.

بمرور الوقت، أثبت العلاج بالبالون أنه أفضل من حيث النتائج، والأقل خطرا، والأسرع في العلاج لأنه البديل كان عميلة قلب مفتوح، وأصبح الآن مقبولا بين أوساط الجراحين. هذا النجاح ساعد جون سيمسون على اختراع علاجات جديدة تماما لأمراض مستعصية أخرى، ولم يكن كل هذا ليتحقق لولا طريقة تفكيره غير التقليدية في حل المشاكل، طريقة رآها البعض في البداية على أنها صبيانية أو خيالية أو غبية – سمها ما شئت!
هل تأمن ماكينة آلية على مالك؟

قصة أخرى، عند بداية اختراع ماكينات الصرف الآلية لأول مرة، إيه تي ام ATM، وعرضها لأول مرة على عينات من المستخدمين المحتملين، رفض هؤلاء الفكرة تماما، وأعلنوا أنهم لن يأمنوا ماكينة متروكة في الشارع على مالهم، وأنهم لن يثقوا سوى في فرع البنك الذي يتعاملون فيه مع أناس أهل للثقة. بقية القصة معروفة،

فاليوم ماكينات الصراف الآلي أكثر من فروع البنوك. هذه الماكينات كانت حلا غير تقليدي لمشاكل طوابير الانتظار الطويلة في البنوك ولمواعيد العمل المحدودة ولإجازات البنوك. الناس أنفسها قد ترفض فكرة غير تقليدية لحل مشاكلهم المستعصية، لكن من يأتي بفكرة عبقرية، عليه أن يتوقع بعض المقاومة في البداية.
أنت تراها على وجه، وغيرك يراها على وجه آخر

من الأمثلة الأخرى والتي توضح أهمية تحديد أصل المشكلة، حفاضات هاجيز والتي كانت تعاني بشدة في بداية طرحها بالأسواق من عزوف المشترين عنها. استعانت الشركة الأم بخدمات فريق متخصص في التفكير خارج الصندوق لمساعدتها على حل مشاكلها. هذا الفريق بدأ بتعريف المشكلة، بأن ذهب إلى المشترين في ردهات المتاجر وسألهم

عن أصل المشكلة التي يتم حلها بالحفاضات، وراقب الفريق المشترين وهم يشترون، وراقب طرق تغليف منتجات المنافسين، وهكذا حتى توصل الفريق إلى نتيجة مفادها أن حفاضات هاجيز ترى منتجها على أنه حل سريع للتخلص من تلوث مقيت، وهو القرار الخاطئ وأساس المشكلة.

قد ترى أنت الحفاضات على أنها كذلك بالفعل، لكن الآباء والأمهات يرونها غير ذلك، يرونها على أنها وسيلة تزيد من راحة أطفالهم، وعلى أنها قطعة ملابس مهمة في أزياء أبنائهم وبناتهم. هذا الفريق لاحظ شيئا إضافيا، ألا وهو الخجل الشديد الذي يصيب الآباء والأمهات حين يسألهم السائل: هل لا زال ابنكم / بنتكم يرتدي الحفاضات؟

هذه المشكلة وحدها فتحت الباب أمام منتج جديد: حفاض في صورة قطعة ملابس داخلية سفلية (Pull-Ups) يمكن للطفل ارتدائه بنفسه وبدون مساعدة، ومن ثم يشعر بالفخر لأنه فعلها بنفسه. بعد تطبيق مقترحات الفريق، والتي قضت بتغيير السياسة الإعلانية والتسويقية بالكامل، وبتقديم المنتج الجديد، زادت عوائد هاجيز السنوية بمقدار مليار دولار.
حل المشاكل بالحوافز الشخصية

دعنا نأخذ مثالا آخر، إحدى الشركات الكبيرة أرادت تخفيض استهلاكها من الطاقة، فجعلت لكل موظف لديها رصيدا محددا من الطاقة يستهلكها خلال عمله في الشركة، ومن يقل استهلاكه عن هذا الحد، يحصل على الفارق في صورة مال. من يزيد استهلاكه، يدفع الفارق من راتبه. من لديه فائض في الطاقة يمكنه كذلك بيعه لزملاء العمل. في البداية، كانت هذه الفكرة ساذجة غبية، لكن مع بعض الإبداع في التطبيق، أدت الغرض المطلوب منها وخفضت استهلاك الشركة من الطاقة.